أولا، نقصد بسوريا وبالدرجة الأولى الشعب السوري؛ ثانيا، نحن مع كل الأشكال النضالية والمبدئية للتضامن مع سوريا. إن التاريخ يفضح، تماما كما تفضح المرآة. إنها تبرز القبح وتبرز الجمال، وحتى ما بينهما. إننا كثيرا ما نعتمد على (نلجأ الى) التاريخ ليحفظ تضحياتنا ونضالاتنا وليسجل الإجرام الذي عانيناه كشعوب وجماعات وأفراد. وفي هذه الحالة ننتظر من التاريخ أن يبرز جمالنا فقط، نريد منه الإنصاف والاعتراف في لحظات الهزيمة والإقصاء والتهميش... إننا نحمله ما لا يحتمل، بل نحمله ما نريد نحن، بإرادوية وأنانية مقيتة وبميكانيكية غير علمية، أن نحمله. وننسى، وللدقة نتناسى أن التاريخ يبرز أيضا قبحنا، نتناسى الأساس المادي لكل التطورات التاريخية. إن التاريخ يشهد كالمرآة، شئنا أم أبينا، على تخاذلنا وعلى عجزنا وعلى تقاعسنا وعلى قصر نظرنا وضعف ذاكرتنا ومحدودية خيالنا وتراجع إبداعنا وموت "عبقريتنا"... إن التاريخ الحقيقي هو الشعوب، وهو نحن بقبحنا وجمالنا، وخاصة في ظل الثورة العلمية والتكنولوجية المتسارعة... كم نتباكى اليوم على سوريا، كبكاء الأيتام أو بكاء الأطفال (وربما التماسيح)!! نتوعد (بالكلام) أمريكا (الولاياتالمتحدةالأمريكية) وحلفاء أمريكا، نفضح (بالكلام) مبررات أمريكا و"ديمقراطية" أمريكا و"حقوق الإنسان" كما تراها عيون أمريكا، ندعو (بالكلام) الى التضامن ضد أمريكا.. هل نسينا بعد عقد واحد فقط (2003-2013)، أم تناسينا، بكاءنا على العراق؟! ماذا فعلنا لمواجهة أمريكا وحلفاء أمريكا طيلة هذا العقد (القصير/الطويل)؟! خرجنا الى الشوارع بأعداد هائلة، بالمدن الصغيرة والكبيرة للتضامن مع العراق.. خرجت جماعة العدل والإحسان وخرج حزب العدالة والتنمية.. كانت شعارات "التكبير" (التكفير) أقوى من كل الشعارات، وكان ما كان.. تقدم من تقدم، وتأخر من تأخر.. هل نسينا بعد شهور فقط ما حصل (ويحصل) بتونس ومصر؟! وهل نسينا بعد أيام ما حصل (ويحصل) بالمغرب؟! هل نسينا إجرام النظام: القمع والاعتقالات (حركة 20 فبراير، الطلبة، المعطلون...)، الزيادات في الأسعار...؟! كيف نتحكم في توجيه أنظارنا؟ أو من يتحكم في توجيه أنظارنا؟ هل لأمريكا كل هذه القوة الخارقة للتحكم فينا وفي أنظارنا؟ إن أمريكا قد اعتادت "تباكينا" وشعاراتنا "القوية" وحتى نفاق بعضنا.. إن أمريكا تنفذ خططها على نار هادئة وتحقق أهدافها سرا وجهرا وبكل بقاع العالم، ونحن نظل، ليل نهار، وعلى النيت بالخصوص، نعلن حرقتنا (الزائفة، البورجوازية الصغيرة) ونتباكى ونرفع شعارات التنديد والاستنكار.. وننسحب في الأخير وبهدوء القبور والأموات الى حيث ننسى أو نتناسى... بدون شك، عطاء الشعوب متباين من بلد الى آخر، وكذلك تضحياتها.. ولا يملك أي شعب "العصا السحرية" لصنع تحرره ومستقبله كما يريده هو.. إن الصراع الطبقي (محرك التاريخ) سيرورة مفتوحة على كل الاحتمالات بناء على الشروط الذاتية والموضوعية وعلى موازين القوى الداخلية والخارجية. ورفع/تسريع وتيرة انتصار الشعوب المضطهدة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، على الرجعية والصهيونية والامبريالية، كحتمية تاريخية، رهين بمدى قدرتها على فرز قياداتها السياسية الضامنة لهذا الانتصار. فلنتضامن مع سوريا، اليوم وغدا ودائما. ولنتضامن مع كافة الشعوب المقهورة من منطلق أممي، وبكل أشكال التضامن. لكن، لا يجب أن ننسى أن أكبر خدمة نقدمها للشعوب المقهورة (التحدي الأكبر) هي إسقاط نظام رجعي. وهذه الفكرة (الشعار) طالما رددناها في إطار تضامننا ودعمنا للشعب الفلسطيني الذي يحترق وحتى الآن بنفط السعودية وقطر والكويت والإمارات ويتمزق بخناجر الأردن والمغرب... إن الأنظمة الرجعية لا تضطهد فقط شعوب(ها)، إنها تضطهد كل الشعوب. فإلى جانب الاضطهاد الذي يمارسه كل نظام رجعي على شعب(ه) مباشرة، يساهم في ممارسة الاضطهاد على شعوب أخرى، من خلال تواطؤه مع الأنظمة الرجعية الأخرى ودعمه لها ومؤازرتها سياسيا، وعسكريا إذا تطلب الأمر ذلك. ولنتذكر التدخل العسكري للنظام المغربي، بالزايير في السبعينات من القرن الماضي بإيعاز من الامبريالية وبدعمها (فرنسا، أمريكا...). إن الرجعية واحدة، سواء بالمغرب أو بالسعودية أو بقطر أو بالأردن (...)، ومصالحها تلتقي مع مصالح الامبريالية والصهيونية. كما أن مصالح الشعوب المضطهدة واحدة، وتلتقي في القضاء على الرجعية والصهيونية والامبريالية. إن الامبريالية اليوم، وفي سياق الحد من تناقضات النظام الرأسمالي وتأجيل أزماته المتفجرة، تستهدف بالدرجة الأولى حركات التحرر الوطني، وخاصة كفاح الطبقة العاملة التي تجسد المقاومة الفعلية في كل مناطق العالم، وذلك أكثر مما تستهدف الأنظمة المتلاشية أو بعض رؤوسها (تونس ومصر...). ومؤامرة استهداف سوريا ترمي الى ضرب أي حركة تحرر وطني في المنطقة وأي دعامة لها، وبالتالي استكمال السيطرة الاستراتيجية عسكريا واقتصاديا (نهب خيرات المنطقة والتحكم فيها وإنقاذ مصالح الاحتكارات الكبرى...)، بما يضعف الأنظمة المزعجة (على الأقل الآن) ويحاصرها ويكسر شوكة كافة الأطماع في المنطقة (روسيا والصين وإيران...)، ويضمن بالدرجة الأولى أمن واستقرار الكيان الصهيوني، الذراع الأيمن للامبريالية... وقد وجدت الامبريالية في القوى الظلامية والبورجوازية المتعفنة، بمختلف تلاوينهما، المنفذ المثالي والمؤهل أكثر من غيره، في هذه المرحلة التاريخية، لاستراتيجيتها العدوانية، نظرا لرجعية هذه القوى وفاشيتها ولتماثل مصالحهما.. وعودة الى التاريخ، فسيسجل عدم استفادتنا، في حالة اقتصارنا مرة أخرى على "التباكي" (من العراق الى سوريا...) ومخاطبة/دغدغة العواطف، بدل تبديد اللبس بشأن الأعداء الحقيقيين والمهام الراهنة المتمثلة في الانخراط في معمعان الصراع الطبقي وما يفرضه من بناء الذات المناضلة الصلبة وتعبئة أوسع الجماهير الشعبية الكادحة من عمال وفلاحين فقراء وطلبة ومعطلين ومهمشين، لمقاومة جبروت الرجعية والصهيونية والامبريالية، استلهاما لدروس تجربتي تونس ومصر...