في سنة 1930 ايدَّ العلماء المنحرفون عن العقيدة الاسلامية "الظهير البربري" الهادف الى تقسيم المغاربة على اساس عرقي. وكان في مقدمة المتحمسين لمخطط التقسيم العالم أحمد بن الجيلالي لمغاري رئيس المجلس العلمي لعلماء القرويين بفاس. وأثناء زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية (كاستون دوميرك 1863 – 1937 Gaston Doumergue ) الى مدينة فاس سنة 1931، وشَّحَ صدره بوسام فرنسي من درجة (ليجيون دونور) واعطاه عشرين الف فرنك فرنسي وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، مكافأة له على موقفه المؤيد لفصل الأمازيغ عن العرب، وأطلق عليه سكان فاس (الكومندان أحمد). وخصصت السلطة الاستعمارية لكثير من علماء الارتزاق رواتب مالية من أموال الاوقاف لكي يلتزموا الصمت حول مخطط تقسيم المغاربة. وقال عنهم الداعية الاسلامي شكيب ارسلان في رسالة له : " لقد ظهر من العلماء الرسميين في مسالة (الظهير البربري) نذالة تامة بل هي لا مَرَاءَ نوع من الردَّة لانهم كانوا يوبخون الشبان والعامة على هيجانهم تزلّفا للفرنسيين، وبعضهم لاجل تسويغ هذه المؤامرة على دينه كان يقول : ان البربر هم أكفر من الإفرنج ". والتجأ المقيم الفرنسي العام (الجنرال نوجيس 1876-1971 Charles Nogués ) في حربه ضد الحركة الوطنية الى طلب مساعدة العلماء الذين اصدروا فتوى يوم 18 مارس 1937 م تقول : إن ما تقوم به (كتلة العمل الوطني) من تنظيم الناس وأداء قَسَم الوفاء للمبادئ النضالية منافي لتعاليم الدين الاسلامي، واعتمد الجنرال على الفتوى الكاذبة وأقدم على حل (الكتلة الوطنية) ومنعها من كل نشاط، ثم قام بحملة قمع شرسة ضد الوطنيين. وفي سنة 1944 سقط عشرات المغاربة بمدينة فاس وغيرها وهم يطالبون بالاستقلال، فذهب المقيم العام (كابرييل بيو Gabriel Puaux) الى العاصمة العلمية وكان في مقدمة المستقبلين له الفقيه العلامة مولاي عبد الله الفضيلي رئيس المجلس العلمي والعلماء: مولاي اسماعيل الادريسي قاضي السماط والعربي لحريشي عضو المجلس العلمي والفقيه الزمزمي الكتاني كاتب المجلس العلمي، والفقيه محمد بناني والعالم بنسودة الطالب، وعبروا له عن تأييدهم للاستعمار الفرنسي. وشارك القاضي أحمد سكيرج بحملة هوجاء ضد الوطنيين بمقالاته في الصحف التابعة للإدارة الفرنسية في المغرب والجزائر. وفي منطقة الاحتلال الاسباني بشمال المغرب، وضع معظم العلماء أنفسهم رهن إشارة ضباط الاستعمار، وأصدروا فتوى تلزم المسلمين بالانخراط في جيش (فرانكو 1892 – 1975 Franco) الدكتاتور الذي ذبح المغاربة في الريف من سنة 1921 الى 1927، وتزعّم سنة 1936 التمرد المسلح ضد الجمهورية الشعبية الاسبانية. وانكشفت عورة العلماء المتاجرين بالاسلام حينما قادوا حملة دعائية لتشويه سمعة الملك الوطني محمد الخامس بعد اصراره على المطالبة بالاستقلال. وبحضور كبار المسؤولين الفرنسيين قام العلماء يوم 13 غشت 1953 في قصر الباشا لكلاوي بمبايعة محمد بن عرفة " إماما للمؤمنين " ومنحوا للاستعمار غطاء دينيا لتنفيذ مؤامرته بإبعاد الملك محمد الخامس عن العرش. وكان على رأس العلماء الموقعين على البيعة الباطلة العلامة الحسن مزور المفتي الأكبر لمدينة فاس، والعلامة الطائع بلحاج رئيس المجلس العلمي والعشرات من العلماء المنحرفين عن الصراط المستقيم. وفي يوم 20 غشت 1953 نشرت صحف الادارة الفرنسية بيعة علماء فاس للسلطان الذي اجلسته فرنسا على العرش. وحملت البيعة توقيع أزيد من 50 عالما كلهم ينتمون الى جامعة القرويين، ويُعدُّ عدد منهم من المراجع في الفقه والحديث. ونفس الموقف المخجل اتخذه بالإجماع علماء مكناس والرباط ومراكش وغيرها في إعلانهم (البيعة) بطلب من سلطة الاحتلال. وحينما اشتدت المقاومة المسلحة بالمدن، أرسلت الادارة الفرنسية رسالة بإسم "المخزن" الى العلماء ورؤساء جامعة القرويين ومعهد مكناس الديني وكلية بن يوسف بمراكش وطلبت منهم "إعطاء نظرهم الشرعي في مرتكب الاعمال الاجرامية ... ويبينوا ما يستحقونه من العقاب جزاء أعمالهم التي بلبلت الافكار وأذهبت الراحة والاطمئنان، وألقت في القلب الفزع والخوف." ولم يتأخر العلماء المأجورون في اصدار فتوى تطالب بإعدام الفدائيين وركزوا فتواهم الظالمة على الآية القرآنية : " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة، الاية 33) وهكذا ألْبَسَ العلماءُ المُدَلسون الحق بالباطل وتآمروا على المقاومين الصادقين، وتركوا الشرْعَ وراء ظهورهم وباعوا الوطنَ للاستعمار بأبخس الاثمان. ملاحظة : لمن يهمه التوسع في هذا الموضوع ومعرفة المصادر التاريخية، فليراجع كتابنا : كفاح المغاربة في سبيل الاستقلال والديمقراطية.الدارالبيضاء 2004