بداية، أعتذر لكم عن هذا التساؤل أعلاه، والذي أعرف جوابكم عنه مسبقا، لكن دعني أذكركم بقيم الإسلام لنقم معا بمقارنتها مع «بهلونياتكم»، فربما تكون قد نسيتم تلك القيم التي جاءت بها آخر رسالة سماوية، تحت تأثير الكعك المخزني الذي حولكم من «أصولييين» تجاهرون بضرورة إقامة دولة الخلافة إلى «أبواق مخزنية» تدافعون بشراسة عن نظام «ملكي فاسد» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ناسين أو متناسين أن «الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة» (صورة النمل، الآية 34). نعم، هذا التحول الجذري في أفكاركم، (أقول أفكار وليس «فكر» لأنكم ببساطة لا تملكون نسقية فكرية وفلسفية منسجمة، وخطابكم لا يمكن تصنيفه لا في المجال الدعوي ولا في المجال الفكري ولا في غيرهما من المجالات) جعلكم تنسون حتى القيم الإسلامية التي تدعون زورا وبهتانا أنكم تدافعون عنها، وأنكم شديدوا الحرص عليها دون غيركم، بل وأنكم، أنتم وبعض الباحثين عن تجديد الشرعية المخزنية باستعمال المنظومة الدينية أمثالكم، ترغبون في احتكار الحديث باسم الدين وباسم القيم الاجتماعية وباسم المحافظة على التقليد، دون أن تكلفوا نفسكم عناء التساؤل عن أهليتكم الفكرية، ومدى أحقيتكم دون غيركم في الحديث باسم الدين، فمن منحكم هذا الحق يا تُرى؟ وهذه القيم الإسلامية التي أريد أن أجادلكم فيها، من خلال هذه الرسالة، ليست سوى قيم إنسانية حميدة تبناها الدين الإسلامي كغيره من الأديان، رغم كونه يقول بعكسها في سياق آخر ضمن نفس إطار المنظومة الإسلامية المؤطرة لجزء من أفكاركم، ومن بين هذه القيم: الصدق، الأمانة، الأخلاق، العدل،... فهل أنتم تتميزون بهذه القيم؟ الصدق والأمانة وغيرهما هي قيم أساسية تعتبر من بين شروط الإسلام، ويجب أن تكون في كل شخص مسلم، أليس كذلك يا شيخ؟ ، فأين أنتم من هذا؟ لقد اتهمتم كل من خرج للاحتجاج ضد قرار العفو الملكي على مغتصب براءة الطفولة (براءة مقدسة بالنسبة للعلمانيين ولا تعني شيء بالنسبة لكم، فقارنوا لعلكم تهتدون)، اتهمتم هؤلاء الأحرار بوصف قدحي وهو «العاهرة التي تحاضر في الشرف»، بل والأكثر من هذا قلتم للأستاذة فاطمة الإفريقي «لا يهمني عهرك» متهمين إياها بممارسة «العهارة» دون أن تكون لديك أدنى فكرة عن المعنية بالأمر. وبين هذا وذاك، اتهمتم الشرفاء الذين خرجوا في مسيرات احتجاجية ضد الظلم الذي يلحق هذا الشعب، والذي مصدره المؤسسة الملكية (التي هي مؤسسة فاسدة بكل المقاييس) بالعمالة للجهات الأجنبية دون أن تكون لديكم أية أدلة، وفي هذا أبنتم على أن «الصدق» و «الأمانة» التي هي من أهم القيم الإسلامية لا وجود لها في قاموسكم، وبالتالي تكونون قد خالفتم هذه القيم الدينية التي تدعون أنكم تدافعون عنها. والجدير بالذكر أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تقومون فيها بهذه التصرفات العاكسة لصورة «الشلاهبي» وليس لصورة «المسلم الصالح» التي تعتقدون أنكم حريصين عليها، وبهذا ينطبق عليكم، من وجهة نظر أتباعكم، المثل الشعبي المعروف «الفقيه اللي كنستناو باراكتو دخل لجامع ببلغتوا». أما نحن الذين ننتمي إلى صف الديمقراطيين والحداثيين المؤمنين بقيم الأنوار فلا يمكننا أن نصفكم إلا ب «النملة الأصولية التائهة في مزرعة العلمانية». إن الأخلاق هي بمثابة الركن الرئيسي في السلوك الإنساني للإنسان الحديث، وهي السمة الأساسية المؤطرة للجوانب القيمية والفكرية للإنسان، وهي أيضا روح ولب الإسلام كما تخبرنا بذلك النصوص الدينية، ومنها أقوال نبي الإسلام الذي تدعون السير على نهجه ومنها: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(رواه أحمد في مسنده)، وجوابا عن سؤال أي المؤمنين أفضل إيمانا، قال نبي الإسلام «أحسنهم أخلاقا» (رواه الطبراني في الأوسط). هذه النصوص التي قدمناها على سبيل المثال، لا الحصر، تعبر مع غيرها من النصوص المؤطرة للفكر الإسلامي، عن مكانة الأخلاق في الإسلام، فأين أنتم من هذا يا شيخ؟ أو بالأحرى هل تعرفون معنى الأخلاق حق المعرفة؟ لقد نهجتم في كتاباتكم منذ خروجكم من السجن بعفو مخزني أسلوب التضليل والسب والقذف، وهو ما يعبر عن انحطاطكم الفكري والأخلاقي من جهة، وعن «همجيتكم» و «شلاهبيتكم» من جهة ثانية. فقد وصفتمونا بالزنادقة، وقلنا الله يهدي الشيخ فسنوات السجن ربما أثرت على بنيته السيكولوجية. وصفتمونا بالراغبين في زرع الفتنة فقلنا الله يهدي الشيخ وينوره، قلتم فينا ما لم يقله مالك في الخمر، وقلنا لا بأس، الشيخ ربما سيتماثل للشفاء ودعونا لكم بالهداية.... لكن اليوم، يتضح أن السيل قد بلغ الزبى، واتضح أنكم من الصنف الذي قال عنه «ماكيافيلي» بأنهم يتصفون بصفات الحيوان، وبالتالي يكون في حاجة إلى ترويض دائم. نعم يا شيخ، هكذا أنتم للأسف الأسيف الأسوف، تطلقون كل الأوصاف القدحية الموجودة في قاموسكم القديم على كل من خالفكم الرأي، مناقضين بذلك أسمى القيم التي يحثكم عليها نبي الإسلام، إذ يبدوا أنكم، وبفعل «شلاهبيتكم» لا يوجد بينكم وبين الأخلاق إلا الخير والإحسان. وعليه، ألا ترون يا شيخ، أنه يحق لنا التساؤل لأكثر من مرة حول مدى انتسابكم إلى دين الإسلام؟ فهل أنت يا شيخ مسلم صالح أم شلاهبي؟ نتمنى يا شيخ أن تكون لكم الجرأة لتجيبنا عن هذا السؤال، ولا تنهج سياسة الهروب إلى الأمام، ولا اختباء النعامة حتى تمر العاصفة، وأذكركم أنه سبق لي أن ناقشتكم في موضوع تهجمكم على المنظومة الحقوقية باستعمال النصوص الدينية دون الأخذ بعين الاعتبار المسافة الفكرية والزمنية بين الوقت الحالي ووقت نزول القرآن، لكن للأسف فضلتم عدم الإجابة، واليوم أشير إلى أنني حاولت قدر المستطاع النزول إلى مستواكم لتفهموا فقط الرسالة التي أريد إيصالها لكم.