رصيف الصحافة: قرار منع ذبح إناث الأبقار يقسم آراء مهنيي اللحوم الحمراء    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    الكعبي يستمر في هز الشباك باليونان    لحظة تسليم علم منظمة "الأنتربول" للحموشي باعتباره رئيس الوفد الأمني للدولة التي ستحتضن الدورة المقبلة للجمعية العامة للأنتربول (فيديو)    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    أخنوش يترأس اجتماعا حول شؤون الجالية    الكشف عن عدد سكان جهة طنجة تطوان الحسيمة برسم إحصاء 2024 (تفاصيل)    التامك يتأسف لحظر "النقابة" في مندوبية السجون... ويقول: "ما بقاش عندي الوجه" للقاء الموظفين    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    «كلنا نغني».. جولة عربية وأوروبية للعرض الذي يعيد إحياء الأغاني الخالدة        المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير في دورته العشرين    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش        ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    بايتاس: أكثر من 63 ألف أسرة استفادت من المساعدات الشهرية لضحايا زلزال الحوز    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    هذا ما قالته "كامالا هاريس" في خطابها الأول بعد الهزيمة في السباق الانتخابي    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    التنسيق النقابي للأطر الصحية يتوعد الحكومة بالتصعيد احتجاجاً على خرق اتفاق يوليوز    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    بوجمعة موجي ل"رسالة24″ : يجب تعزيز الرقابة وحماية المستهلك من المضاربين    جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلُّ ‬منّا ‬يَحْمِلُ ‬صَخرَتَه ‬على ‬كتفه ‬وَيَمْضِي! ‬
نشر في لكم يوم 16 - 11 - 2022

‬لقد ‬أصبحنا ‬نشكو ‬من ‬كلّ ‬شيء، ‬من ‬وجودنا، ‬من، ‬أنسفنأ ‬من ‬أهالينا، ‬وأقاربنا، ‬وذوينا، ‬وساستنا، ‬وأولادنا، ‬وأصدقائنا، ‬وخلاّننا، ‬وأساتذتنا، ‬ومُعلّمينا، ‬ومَعارفنا، ‬وجيراننا، ‬ومن ‬العاملين ‬معنا، ‬إننا ‬نشكو ‬من ‬إرتفاع ‬الضرائب، ‬وغلوّ ‬الغرامات، ‬وغلاء ‬المعيشة، ‬وضآلة ‬الأجور،وتفشّي ‬البطالة،واستفحال ‬العطالة، ‬ومن ‬سياسة ‬الحكومات ‬الهشّة، ‬ومن ‬مواقف ‬المعارضة ‬السلبية، ‬وتذبذب ‬الأحزاب ‬السياسية ‬المنبطحة ‬في ‬بلداننا ‬، ‬إننا ‬نشكو ‬من ‬السّائقين، ‬ومن ‬المارّة، ‬والرّاجلين، ‬نشكو ‬من ‬الإكتظاظ، ‬والإزدحام، ‬من ‬الضوضاء، ‬والغوغاء، ‬ومن ‬الصّخب، ‬واللّجب، ‬والدّأب، ‬ومن ‬منبّهات ‬السيّارات، ‬وضجيج ‬القطارات، ‬وهدير ‬الطائرات، ‬وزئير ‬الدبابات، ‬إنّنا ‬نشكو ‬من ‬غضب ‬الطبيعة ‬التي ‬تعصف ‬بنا ‬وبأولادنا ‬وأقربائنا ‬وبني ‬جلدتنا، ‬نشكو ‬من ‬حالات ‬الطقس، ‬ومن ‬الفيضانات ‬المدمّرة، ‬من ‬هبوب ‬الرّياح، ‬وقيظ ‬الصّيف، ‬والتصحّر، ‬والجفاف، ‬ومن ‬زمهرير ‬الشتاء، ‬وحساسيات ‬فصل ‬الرّبيع، ‬وشحوب ‬الخريف، ‬نشكو ‬من ‬الحرّ، ‬والقرّ، ‬من ‬نزلات ‬البّرد ‬التي ‬تعصف ‬بنا، ‬وتقضّ ‬مضجعَنا، ‬من ‬رطوبة ‬الجوّ ‬وتقلّباته، ‬ومن ‬النّاس ‬أجمعين، ‬فكأنّما ‬كلّ ‬شيء ‬في ‬هذا ‬العالم ‬المترامي ‬الأطراف ‬الذي ‬نطلق ‬عليه ‬جزافاً ‬واعتباطاً ‬‮«‬الوطن ‬‮»‬ ‬بات ‬يبعث ‬على ‬
الشكوى ‬والتذمّر ‬والنقمة ..! ‬
‬الإنسان ‬غالباً ‬ما ‬يغالط ‬نفسَه، ‬ويخادعها، ‬فقد ‬تلتقي ‬صدفةً ‬بصديقٍ ‬لك ‬في ‬أيّ ‬بلدٍ ‬أو ‬سواه ‬وما ‬أن ‬تسأل ‬عنه، ‬وعن ‬صحّته، ‬وعن ‬لونه، ‬وأحواله ‬حتى ‬يبادرك ‬بالقول ‬دون ‬تفكير ‬أو ‬رويّة ‬منه ‬أنه ‬وعشيرته ‬على ‬خير ‬ما ‬يرام، ‬في ‬حين ‬أنّهم ‬قد ‬يكونوا ‬غارقين ‬في ‬بؤسٍ، ‬وحزن، ‬وهمومٍ، ‬وأسىً ‬ليس ‬له ‬قرار‮...‬! ‬وإذا ‬عاد ‬الواحد ‬منهم ‬إلى ‬بيته ‬في ‬المساء، ‬يؤوب ‬وقد ‬شحن ‬رأسه ‬بالعديد ‬من ‬الأفكار، ‬والأقوال ‬والمفاجآت، ‬والمعايشات، ‬والمشاكسات، ‬والمناوشات، ‬والمنغّصات ‬التي ‬مرّت ‬به ‬طوال ‬اليوم، ‬لابدّ ‬أنه ‬يظلّ ‬يشعر ‬بضيقٍ ‬ما ‬لم ‬يركن ‬إلى ‬جوار ‬أحد ‬أقاربه، ‬أو ‬معارفه، ‬أو ‬ذويه ‬ليملي ‬عليه ‬شريط ‬أحداث ‬يومه ‬التي ‬تعاقبت ‬عليه . ‬
كثيراً ‬ما ‬يتبادر ‬إلى ‬أذهاننا ‬في ‬حياتنا ‬اليوميّة ‬المتواترة ‬التساؤل ‬التالي: ‬هل ‬أصبح ‬الإنسانُ ‬في ‬العصرالحاضر ‬مخلوقاً ‬حزيناً، ‬شاكياً، ‬باكياً، ‬شقيّاً، ‬متذمّراً، ‬سيزيفيَّ ‬النّزعة ‬بطبعه..‬؟ ‬الجواب ‬هو ‬بدون ‬تردّد: ‬أجل ‬هذه ‬حقيقة ‬لا ‬مِراء ‬فيها ‬ولا ‬يمكن ‬نكرانها، ‬كلّ ‬عربيّ ‬أمسىَ ‬اليوم ‬يشعر ‬بهذه ‬الشكوى ‬في ‬قرارة ‬نفسه، ‬ويلمسها ‬في ‬الآخرين، ‬نظراً ‬للظروف ‬الصّعبة، ‬والمشاكل ‬المستعصية، ‬والقلاقل ‬الوخيمة، ‬والمستجدّات ‬الخطيرة ‬التي ‬أضحى ‬يتخبّط ‬فيها ‬في ‬زمننا ‬هذا ‬الكئيب. ‬
الإنسان ‬إجتماعيّ ‬بطبعه! ‬
ثمّ ‬ماذا ‬يفيد ‬الإنسان ‬من ‬أيّ ‬عِرقٍ ‬كان ‬من ‬شكواه..‬؟ ‬في ‬ظاهر ‬الأمر ‬يبدو ‬أنه ‬لا ‬يفيد ‬طائلاً ‬يُذكر، ‬وهو ‬إنما ‬يقوم ‬‮«‬بعملية ‬التنفيس ‬عن ‬النفس‮»‬، ‬وكلٌّ ‬منّا ‬مهما ‬كانت ‬مكانته، ‬وملكاته، ‬وقدراته ‬العقلية ‬أو ‬النفسية ‬لا ‬يستطيع ‬أن ‬يكبح ‬في ‬قرارة ‬نفسه ‬هذه ‬الرّغبة ‬الجامحة، ‬والغامضة، ‬التي ‬لا ‬يمكن ‬نكرانها، ‬فالضغط ‬يولّد ‬الإنفجار ‬كما ‬يُقال.‬وكلّ ‬انسان ‬يريد ‬أن ‬يحكي، ‬ويشتكي، ‬وما ‬على ‬الآخرين ‬إلاّ ‬الإنصات ‬أو ‬الإصغاء، ‬وعليهم ‬كذلك ‬مقاسمته ‬مشاعرَه، ‬ومشاركته ‬معاناته، ‬ومشاطرته ‬أشجانَه، ‬وذلك ‬حتّى ‬يحافظ ‬على ‬توازنه ‬وثباته، ‬وسلامته ‬النفسية، ‬والعقلية ‬في ‬آنٍ ‬واحد. ‬وما ‬هؤلاء ‬المساكين ‬الذين ‬يُوسمون ‬بالحمقى، ‬أوهؤلاء ‬الذين ‬بهم ‬مسّ ‬من ‬الجنون ‬إلاّ ‬أناس ‬لم ‬يوفّقوا ‬في ‬العثور ‬على ‬مَنْ ‬يُصغي ‬إلى ‬شكواهم، ‬وأنّاتهم، ‬وآهاتهم ‬فخلقوا ‬لهم ‬من ‬أنفسهم ‬شخصياتٍ ‬ثانوية، ‬أو ‬مزدوجة ‬جعلوا ‬لهم ‬منها ‬أصدقاءَ ‬وهمييّن، ‬أوإفتراضيّين، ‬لذا ‬تراهم ‬في ‬كلّ ‬حين ‬يتحادثون، ‬ويتحاورون، ‬ويتهامسون، ‬ويتشاورون، ‬ويفكّرون ‬بصوت ‬جهوريّ ‬عالٍ ‬وحدهم ‬أو ‬مع ‬ذواتهم، ‬وقد ‬أوجدوا ‬لها ‬‮«‬عالماً ‬خاصّاً‮»‬ ‬بهم ‬يأسَف ‬له ‬وعليه ‬‮«‬العقلاء‮»‬، ‬أمّا ‬هم ‬فلا ‬أحد ‬يدري ‬ما ‬هو ‬شعورهم ‬الحقيقي ‬تجاهه.‬كان ‬أرسطو ‬يقول ‬إنّ ‬الإنسان ‬على ‬وجه ‬العموم ‬مدنيبطبعه ‬وكان ‬إبن ‬خلدون ‬يقول ‬إنّ ‬الإنسان (‬إجتماعيّ ‬بطبعه)‬، ‬يحبّ ‬التجمّع، ‬والحضارة، ‬والعمران، ‬والإختلاط، ‬وإعمار ‬المدن ‬والحواضر، ‬ويمقت ‬العزلة، ‬والتهميش، ‬والبعاد ‬عن ‬النّاس، ‬ومن ‬ثمّ ‬ظهرت ‬التجمّعات ‬البشرية، ‬ونشأت ‬الضّيع، ‬والقرىَ، ‬والمداشر، ‬والعشائر، ‬والأسواق، ‬والمواسم، ‬والمدن، ‬والحواضر ‬الكبرى، ‬هذه ‬حقيقة ‬لا ‬مراء ‬فيها، ‬ولكنّها ‬قد ‬تغيب ‬عن ‬كثيرين ‬منّا ‬فيعرّضون ‬أنفسَهم ‬لمخاطر ‬قد ‬تعود ‬عليهم ‬بما ‬لا ‬يُحمد ‬عقباه. ‬فعلى ‬الرّغم ‬ممّا ‬يسود (‬المدنية) ‬في ‬عالمنا ‬من ‬نفاق، ‬وريّاء، ‬وتفاوت، ‬وتعنّت، ‬ومداهنة، ‬ومصانعة، ‬وتناقضات، ‬وفروق، ‬ومخاطر، ‬وشرور، ‬وويلات ‬فإنّها ‬مع ‬ذلك ‬تسهم ‬بشكل ‬أو ‬بآخر ‬في ‬إزاحة ‬ستائر ‬الإستلاب ‬الذي ‬يحجب ‬الواحد ‬منّا ‬عن ‬الآخر، ‬هذا ‬التجمّع ‬والإتصال ‬لابدّ ‬أنّهما ‬يخفّفان ‬عن ‬المرء ‬وطأةَ ‬الشّعور ‬بالمأساة، ‬وفداحة ‬الإحساس ‬بالقلق ‬والحيرة، ‬لذا ‬نراه ‬يحاول ‬بشتّى ‬الطرق، ‬وبمختلف ‬الوسائل ‬تجنّب ‬ذلك ‬وتفاديه، ‬والإندماج ‬في ‬كلّ ‬ما ‬من ‬شأنه ‬أن ‬يُقصي ‬عنه ‬شبحَ ‬هذه ‬العزلة ‬القاتلة، ‬والوحدة ‬المميتة، ‬والإضطرابات ‬النفسية ‬كمصاحبة ‬الأصدقاء، ‬ومخالطة ‬الخلاّن، ‬والمشاركة ‬في ‬مختلف ‬الأنشطة، ‬والتظاهرات، ‬والمنتديات، ‬والملتقيات، ‬والإحتفاليات، ‬ويتردّد ‬على ‬النوادي، ‬ويرتاد ‬الملاعبَ، ‬وينخرط ‬في ‬الجمعيات، ‬كما ‬أنّ ‬هناك ‬من ‬يفضل ‬أن ‬يؤمّ ‬المقاهي ‬للعب ‬النرد، ‬والطاولة، ‬والورق، ‬وما ‬أكثرها ‬في ‬عالمنا ‬العربي.!‬
وما ‬‮«‬الزّواج‮»‬ ‬في ‬آخر ‬المطاف ‬إلاّ ‬فرار ‬من ‬العزلة ‬الخانقة، ‬والبحث ‬عن ‬العِشرة، ‬والمعاشرة، ‬والأنس ‬والمؤانسة، ‬والإختلاط ‬مع ‬الآخر، ‬ومعنى ‬الكلمة ‬اللغوي ‬يؤكّد ‬جوهرَه، ‬فقد ‬جاء ‬هذا ‬المعنى ‬مفصّلاً ‬بإفاضة ‬في ‬معظم ‬المعاجم ‬العربية. ‬فكلّ ‬واحد ‬من ‬الزّوجين ‬أَيضاً ‬يسمّى ‬زَوْجاً، ‬ويقال: ‬هما ‬زَوْجان ‬للإثنين ‬وهما ‬زَوْجٌ، ‬كما ‬يقال: ‬هما ‬سِيَّانِ ‬وهما ‬سَواءٌ؛ ‬والزَّوْجُ ‬هو ‬الفَرْدُ ‬الذي ‬له ‬قَرِين. ‬والزّوج ‬أو ‬جوج (‬بعد ‬أن ‬قلبت ‬الزّاي ‬جيماً) ‬يعنى ‬في ‬العاميّة ‬المغاربية (‬إثنان)‬، ‬وعلى ‬الحدود ‬البرّيّة ‬الشرقية ‬المغربية ‬الجزائرية ‬مكان ‬أو ‬موضع ‬معروف ‬يسمّى (‬جُوجْ ‬بغال) (‬أيّ ‬بغلان) ‬وهو ‬محلُّ ‬تندّرٍ ‬وسخريةمن ‬طرف ‬مواطني ‬البلدين ‬الشقيقين. ‬في ‬حين ‬يعبّر ‬إخواننا ‬المشارقة ‬عن ‬‮«‬جوج‮»‬ ‬بكلمة (‬
إثنان، ‬أوإتنين، ‬أو ‬ثنتيْن. ‬
الشّقاء ‬
. ‬وأقصوصة ‬‮«‬الشّقاء‮»‬ ‬أو ‬‮«‬الأشقياء‮»‬ ‬للكاتب ‬الرّوسي ‬الذّائع ‬الصّيت ‬أنطون ‬تشيخوف ‬تصوّر ‬حالنا ‬وحالة ‬كلّ ‬عربي ‬في ‬حاجته ‬الملحّة ‬إلى ‬الشكوى، ‬والإفصاح، ‬والتنفيس ‬عن ‬النّفس ‬تصويراً ‬دقيقاً ‬تكاد ‬تنفرد ‬به ‬بين ‬باقي ‬الآداب ‬العالميّة. ‬فأيّونا ‬بوتابوف ‬رجل ‬مسنّ ‬يسوق ‬زحّافة ‬تجرّها ‬مهرتُه ‬الهزيلة ‬الهرمة، ‬يظلّ ‬يجوب ‬شوارع ‬المدينة ‬الكبرى ‬المترامية ‬الأطراف، ‬ويقطعها ‬شرقاّ ‬وغرباً ‬وفي ‬كلّ ‬إتّجاه، ‬ينقل ‬الناسَ ‬في ‬زحافته ‬من ‬مكانٍ ‬إلى ‬آخر ‬ليمنحوه ‬نظير ‬ذلك ‬ما ‬لا ‬يسمن ‬ولا ‬يغني ‬من ‬جوع، ‬ولكنّ ‬المسألة ‬ليست ‬هنا، ‬بل ‬إنّ ‬له ‬إبناً ‬مريضاً ‬في ‬البيت، ‬وهو ‬في ‬مُقتبل ‬العُمر، ‬وأيّونا، ‬يقول: ‬كان ‬من ‬المفروض ‬أن ‬يكون ‬إبني ‬هو ‬الذي ‬يسوق ‬هذه ‬الزحّافة، ‬ويعمل ‬لا ‬أنا. ‬ولكنّه ‬مريض ‬ومُقعد، ‬هذه ‬أيضاً ‬ليست ‬هي ‬المشكلة..! ‬معضلته ‬الحقيقية ‬التي ‬تؤرقه، ‬وتعذّبه، ‬وتضنيه ‬كونه ‬يريد ‬أن ‬ينقل ‬هذا ‬الخبر، ‬أو ‬بالأحرى ‬هذه ‬الشكوى ‬إلى ‬أحد، ‬أيّ ‬أنه ‬يبحث ‬عن ‬الآخر ‬الذي ‬يقاسمه ‬محنته، ‬ويشاركه ‬مأساته، ‬ويشاطره ‬معاناته، ‬ويخفّف ‬عنه ‬الآلام ‬التي ‬أخذت ‬منه ‬كلّ ‬مأخذ، ‬والتعب، ‬والإنهاك ‬اللذين ‬يهدّان ‬كيانَه، ‬ويصغي ‬إلى ‬شكواه‮...‬
فيظلّ ‬الوقت ‬بطوله ‬يبحث، ‬ويحاول ‬الكلام ‬أو ‬التحدّث ‬إلى ‬أحد، ‬ولكن ‬لا ‬أحد ‬يريد ‬أن ‬يُصغي ‬إليه، ‬الكلّ ‬يعرض ‬عنه، ‬ويوليه ‬ظهره، ‬وينصرف ‬لحال ‬سبيله، ‬أو ‬إلى ‬عمله، ‬ولهوه، ‬وغيّه، ‬ومجونه، ‬ومروقه، ‬ومشاغله، ‬وإنْ ‬هو ‬في ‬نظر ‬الجميع ‬إلّا ‬عجوز ‬أبله ‬ثرثار...ففى ‬كلّ ‬مرّةٍ ‬كان ‬يحاول ‬فيها ‬تحقيق ‬رغبته ‬كان ‬يخفق ‬في ‬مسعاه، ‬الركّاب ‬اللذين ‬ينقلهم ‬من ‬مكان ‬إلى ‬آخر ‬دائماً ‬هم ‬مشغولون ‬بأمورهم، ‬إنّهم ‬يضحكون، ‬يقهقهون، ‬يصيحون، ‬يمرحون، ‬يتهكّمون، ‬يزدرون، ‬يعربدون،ويسخرون ‬ولا ‬يولونه ‬أدنى ‬إكتراث، ‬وكانت ‬كلماته ‬تطير ‬أدراج ‬الرّياح، ‬وتضيع ‬في ‬غياهب ‬الليل ‬البهيم، ‬وحينما ‬يعود ‬إلى ‬البيت ‬في ‬آخر ‬الليل ‬مرهق ‬الجسم، ‬خائرالقوى، ‬وقد ‬أخذ ‬التعب ‬منه ‬منتهاه، ‬وبينما ‬كانت ‬مُهرته ‬الهزيلة ‬تأكل، ‬وتقضم ‬كومةً ‬من ‬التّين ‬الجافّ ‬في ‬هدوء ‬جلس ‬إلى ‬جانبها، ‬مطأطئ ‬الرأس، ‬منهوك ‬القوى، ‬وحكى ‬لها ‬أوعليها ‬الحكاية ‬كلّها، ‬وهي ‬تُصغي ‬إليه ‬بإهتمام ‬بالغ ‬بعد ‬أن ‬أدارت ‬عينيْها ‬الواسعتين ‬نحوه ‬دون ‬أن ‬تحرّك ‬رأسَها‮...‬! ‬تشيخوف ‬في ‬هذه ‬الأقصوصة ‬كأنّه ‬يريد ‬أن ‬يقول ‬لنا: ‬أنْ ‬لابدّ ‬للإنسان ‬أن ‬يشكو، ‬أو ‬يشتكي، ‬وأن ‬يقاسم ‬الآخرين ‬معاناته، ‬وآلامَه، ‬ومآسيه..!. ‬وتصوّر ‬لنا ‬هذه ‬الأقصوصة ‬كذلك ‬مقدارَ ‬الخطورة ‬التي ‬تنطوي ‬عليها ‬هذه ‬المسألة، ‬فإبلاغ ‬الآخرين ‬أفراحَنا، ‬وأتراحَنا، ‬ومشاكلنا، ‬ورغباتنا، ‬ومسرّاتنا، ‬وآلامنا، ‬وأحزاننا، ‬وتخوّفاتنا، ‬ومعاناتنا، ‬ومشاغلنا ‬أمر ‬لا ‬مندوحة ‬لنا ‬عنه. ‬
بؤساء ‬هُوغُو ‬
أمّا ‬الرّوائي ‬الفرنسي ‬الذائع ‬الصّيت ‬فيكتور ‬هوغو ‬صاحب ‬رواية ‬‮«‬البؤساء‮»‬ ‬التي ‬طبّقت ‬شهرتها ‬الآفاق، ‬فقد ‬عبّر ‬عن ‬هذه ‬المشاعر ‬الدفينة ‬في ‬الإنسان ‬في ‬عصره، ‬وفى ‬العصور ‬التي ‬تلته، ‬فبالإضافة ‬إلى ‬ما ‬جاء ‬في ‬روايته ‬الآنفة ‬الذكر، ‬فقد ‬عبّر ‬عن ‬ذلك ‬صراحةً ‬كذلك، ‬وبلغة ‬تقريريّة ‬مباشرة ‬إلاّ ‬أنّها ‬لغة ‬لا ‬تخلو ‬من ‬جمالية، ‬وروعة، ‬وإبداع ‬فريد ‬ضمن ‬خطاب ‬شهير ‬كان ‬قد ‬ألقاه ‬حول (‬البؤس، ‬والبؤساء) ‬في ‬الجمعية ‬التشريعية ‬الفرنسية، ‬وهي ‬المؤسّسة ‬الشرعيّة ‬التي ‬حلّت ‬محلَّ ‬البرلمان ‬الفرنسي ‬بعد ‬حلّه، ‬في ‬9 ‬تموز/‬يوليو ‬1849 ‬وكأنه ‬خطيب ‬عربي ‬مصقع ‬مفوّه ‬في ‬عصرنا ‬يخاطب ‬قومَه ‬من ‬أعلى ‬أيّ ‬منبر ‬برلماني ‬عربي ‬فيقول ‬في ‬هذا ‬الخطاب ‬المبطّن ‬بفيضٍ ‬هائلٍ ‬من ‬السّخرية، ‬والتهكّم ‬والإزدراء: ‬‮«‬أنا، ‬أيّها ‬السّادة، ‬لست ‬ممّن ‬يعتقدون ‬أّنه ‬بالإمكان ‬إزالة ‬الألم ‬من ‬هذا ‬العالم، ‬فالوجع ‬قانون ‬إلهيّ. ‬ولكّنني
من ‬بين ‬الذين ‬يعتقدون ‬ويؤّكدون ‬أّنه ‬يمكننا ‬القضاء ‬على ‬البؤس ‬جيدًا، ‬أيها ‬الّسادة، ‬أّنيّ ‬لا ‬أقول ‬التخفيف ‬منه، ‬ولا ‬التقليل، ‬ولا ‬حصرَه، ‬ولا ‬الحدّ ‬منه. (‬وإّنما) ‬ّ ‬أقول ‬القضاء ‬عليه. ‬إنّ ‬البؤس ‬هو ‬مرض (‬أصاب) ‬الجسدَ ‬الاجتماعّي ‬تمامًا ‬مثل ‬الجذام، ‬والأمراض ‬التي ‬كانت ‬تصيب ‬الجسدَ ‬الإنسانّي. ‬فالبؤس ‬يمكن ‬أن ‬يختفي ‬مثلما ‬إختفى ‬الجذام. ‬القضاء ‬على ‬البؤس ‬نعم، ‬هذا ‬ممكن ‬¡ ‬وعلى ‬المشرّعين ‬والحكّام ‬أن ‬يفكّروا ‬فيه ‬دون ‬هوادة. ‬ففي ‬قضية ‬كهذه، ‬بقدر ‬ما ‬لا ‬يكون ‬الفعل ‬هو ‬الممكن، ‬فإنّ ‬الواجب ‬يظل ‬منقوصًا‮»‬. ‬ومن ‬الوقائع ‬التي ‬تلاها ‬‮«‬ ‬هوغو‮»‬ ‬في ‬هذا ‬الخطاب: ‬‮«‬.. ‬هذه ‬الأيام ‬الأخيرة، (‬ثمة) ‬أديب، ‬يا ‬إلهي، ‬أديب ‬شقيّ، ‬فالبؤس ‬يصيب ‬المهن ‬الليبرالية ‬بقدر ‬ما ‬يصيب ‬المهن ‬اليدوية، ‬أجل (‬ثمة) ‬أديب ‬بائس ‬شقيّ ‬مات ‬جوعًا، ‬مات ‬بسبب ‬الجوع ‬فعلًا. ‬وقد ‬علمنا، ‬بعد ‬موته، ‬أنّه ‬لم ‬يأكل ‬منذ ‬ستّة ‬أيام. ‬هل ‬تريدون ‬شيئًا ‬آخرًا ‬أشدَّ ‬إيلامًا..‬؟ ‬الشّهر ‬الماضي، ‬وخلال ‬تفاقم ‬وباء ‬الكوليرا، ‬وجدنا ‬أمّاً ‬وأطفالها ‬الأربعة ‬يبحثون ‬عن ‬طعام ‬لهم ‬في ‬المزابل...وو‮»‬، ‬الكاتب ‬الفرنسي ‬وكأنّي ‬به ‬يخاطب ‬عالمنا ‬العربي ‬إذ ‬ما ‬أكثر ‬المصائب ‬والويلات ‬التي ‬أصبحنا ‬نعاني ‬منها ‬في ‬عصرنا ‬ممّا ‬ذكر، ‬فقد ‬وضع ‬أصبعَه ‬على ‬مكمن ‬الدّاء، ‬فالبّؤس ‬عنده ‬هو ‬‮«‬أمّ ‬الرّذائل‮»‬، ‬وإلاّ ‬لما ‬وضع ‬رواية ‬ضربت ‬شهرتها ‬الأطناب ‬بنفس ‬العنوان:‬ ‬‮«‬البؤساء‮»‬ ‬¡ ‬أو ‬بمعنى ‬آخر ‬لقد ‬عرف ‬هوغو ‬أين ‬تولد ‬
‬الشّكوى ‬حياتنا ‬اليومية ‬في ‬زمنه، ‬وفي ‬زمننا ‬هذا ‬الرّديئ..! ‬
أيّ ‬الناس ‬تَصْفُو ‬مَشَارِبُه ‬؟ ‬
ولا ‬يبقى ‬لنا ‬في ‬آخر ‬المطاف ‬سوى ‬تاريخنا ‬الخالد، ‬وماضينا ‬التالد ‬فما ‬أعظم ‬زهوَنا ‬بهما، ‬إليهما ‬نعود ‬دائماً ‬لنستخرج ‬ونستخلص ‬منهما ‬العبرَ ‬والأمثالَ ‬التي ‬يحفل ‬بها ‬تراثنا ‬المجيد ‬لنتمعّن ‬حِكَمَه ‬المأثورة ‬التي ‬تقول: ‬لا ‬تتحرّجوا، ‬ولا ‬تضطربوا، ‬ولا ‬تُبدُوا ‬صدوداً، ‬ولا ‬نفوراً، ‬أو ‬عبوساً ‬إذا ‬قصدكم ‬صديق، ‬وقد ‬أثقلتْ ‬ظهرَه ‬الهموم، ‬وناءت ‬بكاهله ‬الأحزان، ‬وهدّ ‬كلكلهالعياء، ‬وإسودّت ‬الدّنيا ‬في ‬عينيه، ‬بل ‬إصغُوا ‬إليه، ‬وقاسموه ‬شكواه، ‬وشاركوه ‬همومَه، ‬وشاطروه ‬مآسيه، ‬وخفّفوا ‬عنه ‬معاناته، ‬وإجعلوا ‬من ‬أنفسكم ‬ملاذاً ‬آمناً ‬مطمئنّاً ‬له، ‬ومن ‬صدوركم ‬مأوىً ‬مريحاً ‬لآهاته، ‬وأحزانه، ‬وأتراحه، ‬فقلّما ‬نجد ‬في ‬عالمنا ‬العربي، ‬والأمازيغي ‬ومن ‬كلّ ‬الأعراق، ‬والأجناس، ‬والإثنيات ‬مَنْ ‬لا ‬يشكو، ‬أو ‬يشتكي، ‬وقلّما ‬نعثر ‬في ‬دنيانا ‬على ‬مَنْ( ‬صَفَتْ ‬مَشَارِبُه)‬، ‬فكلّنا ‬من ‬مناهل، ‬ومن ‬مَشارب (‬القَذَى) ‬ننهل ‬كلّ ‬يوم ‬أكواباً، ‬و ‬نترع ‬أكؤساً، ‬ونحتسي ‬أوانيَ ‬من ‬بالمرارة، ‬والمضض، ‬والحنظل، ‬يتفاوت ‬طعمها، ‬ويتباين ‬ذوقها ‬عند ‬كلّ ‬منّا ‬من ‬بلدٍ ‬إلى ‬آخر، ‬ولحظة ‬الفَرَج ‬أو ‬الإنفراج ‬بالنسبة ‬لنا، ‬ولبني ‬طينتنا، ‬تلك ‬التي ‬تتهيّأ ‬لنا ‬فيها ‬فرصة ‬إبلاغ ‬أو ‬إفراغ ‬ما ‬في ‬صدورنا، ‬وجوفنا ‬من ‬آلام، ‬أوأنين، ‬أوعتاب، ‬أو ‬شكوى ‬وما ‬أكثرها ‬عندنا . ‬
‬كاتب ‬من ‬المغرب ‬، ‬عضو ‬الأكاديمية ‬الاسبانية ‬الأمريكية ‬للآداب ‬والعلوم ‬بوغوطا ‬كولومبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.