الكثير من أصدقائي الإسلاميين انزعجوا من انتقادي لغياب التيار الديني عن محطات التنديد بقرار العفو الملكي الأخير عن مغتصب أطفال القنيطرة، و منهم من اعتبر الأمر مزايدة سياسية.في حين أنّ الأمر ليس كذلك البتة،بل هو محض شهادة عن لحظة تاريخية أخلفت فيها الحركة الإسلامية الموعد،كما أخلفت مواعيد أخرى إما لغياب الجرأة أو لحسابات تكتيكية ضيقة لا تستطيع التكيف مع المستجدات الطارئة. سيقول البعض إن مجموعة من المنتمين للتيار الإسلامي شاركوا في الوقفات، و هذا أمر لا ننفيه،و لكن الحقيقة أنّه لم يكن هناك انخراط حقيقي لتنظيمات الإسلام السياسي،لا في الدعوة للتظاهر،و لا في المشاركة و الحضور الوازنين لنشطائها كما نعهدهما في التفاعل مع قضايا خارجية(التضامن مع مرسي ومعارضي بشار و حماس).لقد اكتفت هذه القوى إما بالتنديد و المشاركة الخجولة أحيانا(العدل و الإحسان)و إما بالتجاهل أو الدفاع عن وزير العدل و الحكومة و تبرئتهما(التوحيد و الإصلاح)و إما الصمت المتواطئ الحقير(شيوخ السلفية). لقد كنت و مازلت من المدافعين و المقتنعين بأنّه لا إمكانية للتغيير بدون تنسيق بين كل القوى و الفعاليات و الحساسيات على أرضية المشترك الوطني،و الذي مدخله حوار بين كل هذه القوى ،حوار يطرح كل المواضيع الخلافية للتداول و النقاش العلني،و يفضي أو بالموازاة مع ذلك يتم خوض معارك مشتركة ضد الفساد و الاستبداد و السلطوية و التحكم و احتكار السلطة و الثروة . هذا الحوار و ذاك التنسيق لا يفترضان إلغاء التمايزات الإيديولوجية و القيمية، بل العكس يمكن بقليل من الذكاء الجماعي أن ننسق ميدانيا في المشترك، و بالموازاة مع ذلك نمارس حق الاختلاف إيديولوجيا و قيميا،فكل طرف ليس مطالبا بتأجيل الصراع الإيديولوجي و القيمي بمبرر التنسيق الميداني. لذلك كان غضبي من انسحاب الإسلاميين من المعركة الأخيرة المرتبطة بمواجهة عفو ملكي عن مغتصب براءة أطفالنا،فمبررات المشاركة الحكومية عند فصيل أو مبررات الاعتكاف عند طرف آخر أو تخريجة اجتناب الفتنة عند مكون ثالث، كلها غير مقنعة البتة. الدعوة للتظاهر هذه المرة لم تكن من طرف فصيل سياسي معين حتى يتم التعامل معها بمنطق الحزبوية الضيقة،بل كان فعلا عفويا شبابيا في أغلبه. حقيقة لا أستوعب غياب مكون معتبر مثل العدل و الإحسان عن المحطات النضالية التي تكون فيها مواجهة مع القصر، لم يشاركوا في حفل الولاء للحرية و الكرامة المعترض على طقوس البيعة المهينة للكرامة،و لا في الوقفات ضد ميزانية القصر المبالغ فيها،ولا في فعاليات التنديد بالعفو الملكي. ما كتبته هو بدافع الخيبة،و أنا الذي كنت و ما زلت أدافع عن التنسيق بين القوى اليسارية و الإسلامية و الأمازيغية و كل الطامحين للتغيير الحقيقي،، لم أزايد سياسيا على الإسلاميين حين تحدثت عن غيابهم (أو حضورهم الباهت في بعض المدن)في المعركة الأخيرة،بقدر ما عبرت عن مرارة و خيبة أمل من تنظيمات لا تتوانى عن حشد الأنصار للدفاع عن مرسي و للتنديد ببشار، و لكنها تغيب في معركة هزت الرأي العام الوطني، أتمنى لو يمتلك نشطاء و مناضلو التيار الديني قليلا من الجرأة لمساءلة قياداتهم عن سر هذا الحضور في معارك الخارج و الغياب عن معارك الداخل منذ الانسحاب من حركة 20 فبراير. لا نزايد و لكن نضع الجميع أمام مسؤولياته التاريخية.