زميل صحفي يرسل لي الرسالة التالية " أشعر برغبة عارمة في البكاء" وآخر يقول لي " كل ما أريده في هذه اللحظة هو الهروب من هذا البلد" ، ما الذي تبقى لنا غير البكاء على البلد والتفكير في الهروب منه لأنه لم يعد يسع أحلامنا، تضيق بنا هذه الفسحة التي لا ترتقي لنسميها وطنا يحتضننا، أيها الرومنسيون اجمعوا أشعاركم التي تنظمونها عن وطن شهي وحر، أيها المتطلعون إلى مساحات واسعة نقترف فيها هواية الحلم انسوا كل شيء، كل ما تستطيعون أن تأملوه في هاته اللحظات من تاريخ بلدكم هو أن يتقبلكم كأبناء لهم، حتى هذا الطموح على صغره لا تعقدوا عليه آمالا كبيرة من فضلكم، لكم فقط أن تنتصروا للصمت عن كل ما لا يروق أعينكم الزائغة كثيرا، ليس لكم والله سوى الصمت، لا تفكروا أبدا أن ترفعوا أصواتكم للإشارة إلى خطأ، إياكم أن تحتجوا على قرار رأيتموه غير عادل، إياكم أن تفكروا في ذلك حتى ، هذا خط أحمر، هذا الوطن يمنحكم فقط حق أن تقولوا نعم لكل شيء، إما أن تقبلوه أو تقبلوه، كأنهم يريدون منا أن نكفر بكل شيء ونرحل جميعا عن هذا البلد، فالأوجاع القاسية لهذا الوطن من الجنوب إلى الشمال لا تنتهي أبدا. مساء الجمعة 2 غشت 2013 كان يوما للتاريخ، علينا أن نحفظ هذا التاريخ جيدا لأنه سيكون له ما بعده، لقد أعلن رسميا عن وفاة تلك الفكرة الجميلة عن دولة الحق والقانون، فلنقم لها تمثالا في ساحاتنا كفكرة حلم وحينما نصل إلى تحقيقها فلندمر التمثال، في مساء رمضاني أعلنت الدولة عن نفسها قبيحة من دون مساحيق تجميل هاته المرة، بكل بشاعتها تقدمت لتحاضر في حضرة جناب الشعب مقدمة دروسا فيما يعنيه حب الوطن، أن تخشى على الوطن وكرامة أبنائه المغتصبة وتخرج لتعبر عن رفضك للسماح لمجرم أجنبي بالإفلات من العقاب فهذا يعني أنك تستحق كل لعنات العالم وكل مصطلحات الشتيمة التي لا تسعها القواميس، أنت تستحق الضرب والركل والرفس والتعنيف، على دمائك أن تسيل لأنك تجرأت وخرجت لتقول لا في وجه من قال نعم، من خرجوا يوم الجمعة لم تحركهم أحزاب أو جمعيات معارضة للنظام، كما لم تحشدهم حملة موسمية تمولها الدولة كما اعتادت أن تفعل دائما للاستهلاك الفج . من خرجوا يوم الجمعة كانوا مواطنين عاديين حركتهم صدمتهم لسماع خبر العفو الملكي عن سجين اسباني اغتصب 11 طفلا مغربيا، خرجوا لينتصروا لإنسانيتهم، خرجوا ليقولوا أن ما حدث خطأ، وأن الخطأ خطأ حتى لو كان صادرا عمن يعصمه القانون والدستور المغربي عن الخطأ ويضعه فوق أية مساءلة، أي إنسان يملك عقلا وقلبا يمكنه أن يتقبل أن يوضع مجرم كدانيال خارج القضبان ؟ أي إنسان يمكنه أن يبرر فظاعة كهاته ؟ ، هؤلاء حملوا صرخاتهم الداخلية أمام برلمان يفترض أنه يمثل الشعب ليعبروا فقط عن هاته الفكرة البسيطة : لن نسمح بأن تهان كرامة الوطن، أن يغتصب أبناءنا وتتركوا المجرم يفلت ، لكن العقاب الذي واجهوه كان أشد من العقاب الذي واجهه المجرم الاسباني، يمكنهم العفو عن مغتصب أطفال لكنهم لا يستطيعون العفو عن آلاف خرجت لتقول لا، وتسأل بكل الحزن: كيف يعيش أبناءنا بأمان والوحوش التي تهدد براءتهم يصفح عنها وبتزكية من المؤسسة الحاكمة، ما الذي يمكننا أن نفهمه غير أن عصا الدولة كانت قاسية على مواطنين خرجوا يحتجون ضد تبرئة البيدوفيليا، يالها من مهزلة ، ما الذي سيقوله العالم عنا وعن فضيحتنا ؟ ولأنهم ليسوا مثلنا لا يختلقون لقادتهم ومسؤوليهم ملايين الأعذار ليبرروا قرارات طائشة فإنهم حتما سيقولون التالي : ارتكب رئيس دولتهم خطأ جسيما بالتوقيع على عفو أجنبي مدان بتهمة اغتصاب أطفال قاصرين، وحينما خرج مواطنوهم للتظاهر للتعبير عن غضبهم قمعوا بعنف ومنعوا من التعبير عن رأيهم، سيسألون جهلا بما نحن به نعلم: هل قدم الملك اعتذارا؟ هل استقال وزير؟ وسيكونون أمام هول أجوبتنا، يا للعار يا للعار، أي شعور آخر غير الشعور بالعار في هذه اللحظة سيكون على صاحبه أن يراجع طبيبا يؤكد له سلامة عقله، أي عين لم تر كل هاته الطعنات الموجهة إلى صدر فكرة الوطن الحقيقية فمؤكد أنها تحتاج نظارات طبية، يوم الجمعة بدمائه وقساوته وبشاعته سيبقى يوما استطاع فيه حدث ما أن يجمع ويوحد المغاربة للاحتجاج ضده حينما شعروا أن شيئا ما يسلب ويسرق منهم، خرجوا دون أن تحشدهم البروبغندا الرسمية أو وسائل إعلام الدولة، حركهم فقط إحساسهم بالانتماء إلى ما تبقى من أمل في هذا البلد الذي لم يرتقي بعد إلى درجة وطن، 2 غشت كان انتصارا لوعي مغربي جديد نما وسط سنوات التجهيل وحجب الحقيقة، 2 غشت كان هزيمة معنوية للدولة، لأن التاريخ كما وجب التذكير سيكتب فقط أن الدولة أخرجت البوليس حماية للحق في الإفلات من العقاب، ولم تستطع حماية أطفال الشعب من البيدوفيليا، التاريخ لن يمحو هذا العار أبدا مهما حاولوا تزييف الحقيقة وصبغها . التاريخ سيسجل أيضا السقوط الأخلاقي لأقلام صحفية ولمنتسبين للمجال الحقوقي صموا آذانهم وأغمضوا أعينهم، هؤلاء الذين صدعوا آذاننا بحبهم للوطن ويزايدون على البقية في حبهم له كلما أتتهم الفرصة أظهروا أنهم مجرد راكبي أمواج من الطراز الأول، فحينما حانت لحظة الانتصار للوطن بدأو بتمييع النقاش وتهريبه، في الحقيقة هذا كل ما يجيدونه، كل ما فعله هؤلاء هو الخروج لتذكيرنا أن العفو حق للملك وله وحده السلطة التقديرية لمن يمنحه كما قالت الناشطة من أجل حقوق الطفل السيدة نجاة أنور، سيدتي ألا تخجلين من نفسك ؟ هل تستطيعين النوم ليلا وأنت تقولين أن قرار العفو عن مغتصب أطفال تقدير ملكي غير قابل للنقاش؟ سيدتي أين ذهبت إنسانيتك ؟ أم أن الإنسانية تتعفن أمام امتياز دعم الدولة؟ أ هذا كل ما تستطيع حقوقية مدافعة عن حقوق الطفل أن تقوله لعائلات الضحايا ؟ ، هؤلاء يقولون لنا أيضا أن الغضبة الشعبية مجرد مزايدة سياسية ومحاولة لتصفية الحساب مع المؤسسة الملكية كما يخبرنا الصحفي المختار لغزيوي؟ دعني أسأل عن ضميرك ، يا ترى هل لا زال حيا ؟ أشك في ذلك، أنت تمشي عاريا من إنسانيتك ، بالنسبة إليك أيها الحداثي جدا وأنت تسوق كل عبارات التبرير للمعبد المقدس وتتحدث في نفس الوقت عن آلام الملك الاسباني فإن الأمر يتعلق فقط بتجييش يرغب بمداعبة الوتر الحساس، سيدي هنيئا لك بعقلانيتك ورجاحة فكرك، يا لخسارتنا فعلا ونحن لا نملك عقلا سليما مثلك يجعلنا نفكر بمنطق ودون تسرع، كيف فاتنا أن نتريث قبل أن نفهم حيثيات اتخاذ قرار مماثل ؟ يا إلهي كم نحن أغبياء كم كنا ساذجين، لقد فهمنا، نعم فهمنا، فهمنا أن الضمائر تباع وتشترى، أن الأقلام التي من المفروض أن تكتب دفاعا عن الحق والحقيقة، أن تشير إلى الخطأ مهما كان مرتكبه مقدسا أصبحت تؤجر تحت الطلب، سيدي أريدك فقط أن تتصل بعائلات الأطفال لتشرح لهم كيف أن العفو عن مغتصب أطفالهم يمكن أن يصبح مفهوما أو حتى مقبولا؟ بالمرة أخبرهم أن الذين خرجوا للتضامن معهم وووجهوا بهراوات البوليس مجرد مزايدين سياسيين، كما أتمنى أن يطيل الله في عمرك حتى تقابل هؤلاء الأطفال لما يكبرون لتشرح لهم كيف عفا ملك البلاد عن مغتصبهم، أما نحن فقد فهمنا، فهمنا من الإنسان ؟ عرفنا المواطن الحقيقي من الخائن، وعرفنا التاجر و المنافق والانتهازي، لأن لحظة وجع الوطن هاته كانت لحظة حقيقة فعلية سقطت فيها أقنعة كثيرة، أما الآن فإن أحرار هذا البلد الحقيقيين يشعرون بالعار في انتظار أن يصير لنا وطن، المجد لهم . صحفي مغربي