سجلت دراسة نشرها معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية أن تدبير المالية العمومية بالمغرب يعتريه العديد من الاختلالات التي تضعف من نجاعتها وفعاليتها، وتحد من أثر النفقات العمومية على الاقتصاد والمجتمع، وهي الوضعية التي تؤدي الى عجز هيكلي للميزانية العامة، مما ينتج عنه ارتفاع متواصل للدين العمومي. وأكدت الدراسة المنشورة بعنوان "استدامة المالية العمومية بالمغرب" أن التدبير غير الناجع للمالية العمومية قد يؤدي الى مشاكل عويصة تهدد الاستقرار، كما وقع حين فقد المغرب سيادته الاقتصادية والمالية لفائدة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خلال فترة التقويم الهيكلي 1983-1993. وقالت الدراسة إن السلطات العمومية المكلفة بتدبير الموارد المالية يجب أن تحرص على نجاعة تحصيلها للموارد المالية. وفي هذا الصدد رصدت الدراسة أن السياسة الجبائية في المغرب تتميز بضعف العدالة الضريبية، مع ما يرافق هذا الأمر من ضعف الصرامة لدى الدولة في مواجهة المتهربين من أداء واجباتهم الضريبية. وأشارت إلى أن أكثر من 80 بالمائة من الضريبة على الدخل يتم استخلاصها مباشرة من المنبع بالنسبة للموظفين والمأجورين، بينما المهنيون لا يساهمون سوى بالنسبة المتبقية رغم أن عددهم يتجاوز الموظفين والمأجورين، فضلا عن اختلالات في الضريبة على الشركات. أرقام التحصيل الضريبي الصادمة، حسب الدراسة، تظهر بجلاء ضعف الوعي الضريبي لدى المواطن في المغرب، وتظهر بالموازاة كذلك ضعف صرامة الدولة في مواجهة المتهربين من أداء الضريبة، ولعل حملات التصالح التي تطلقها الدولة في بعض الأحيان، والتي كان آخرها سنة 2021، تؤكد هذا الأمر، بل وترسخ ثقافة التهرب لدى الخاضعين للضريبة والذين ينتظرون مثل هذه الحملات لتسوية أمورهم. وشددت الدراسة على ضرورة التعامل بحزم مع مثل هذه القضايا وإخضاع جميع المتهربين للمتابعة القانونية بشكل علني، مع ضرورة عدم استثناء أحد مهما كانت درجته الاقتصادية ومكانته الاجتماعية، بما يسمح بترسيخ ثقافة الشفافية والمساواة. وإلى جانب ذلك، ينبغي تقوية الحكامة القضائية وتعزيز دورها في الحد من الممارسات المتعلقة بالتهرب الضريبي، مع توفير المعلومات لفائدة الإدارات المكلفة بتحصيل الموارد والديون العمومية، وربط النظم المعلوماتية المصممة لتدبير الموارد المالية وتحصيلها، ناهيك عن العمل على خفض الضرائب ف"كثرة الضرائب تقتل الضرائب". وإلى جانب المشاكل الضريبية، رصدت الدراسة أن الميزانية تتميز بهيمنة كتلة الأجور على باقي النفقات العمومية، وهو أمر في تزايد، على حساب نفقات الاستثمار. ودعت الدراسة إلى تعزيز نجاعة نفقات الاستثمار، فنفقات الاستثمار تمكن من الحصول على عائد يسمح بتغطية كلفتها وفي بعض الأحيان تحقيق فوائد إضافية على هذه النفقات والتي من الممكن إعادة استثمارها، وهو ما يتطلب بالضرورة ان تكون حصة هذه النفقات كبيرة في الميزانية السنوية. وعلى الدولة الحرص على نفقات استثمار ذات تأثير أكبر على الاقتصاد والمجتمع، وذلك عبر اختيار مشاريع منتجة من الناحية الاقتصادية وقابلة للتسويق من الناحية التجارية. وبخصوص الدين العمومي، فالدولة حسب الدراسة مطالبة بتنويع مصادر الدين حتى لا تفقد سيادتها المالية لصالح أي طرف أجنبي، ومن أجل الحفاظ على السيادة الاقتصادية للمملكة والاقتراض بكلفة مالية أقل، فإن اللجوء للدين الداخلي يظل الخيار الأمثل. وأكد ذات المصدر أن الدولة مطالبة أثناء برمجة مشاريع الاستثمار العمومي وقبل اللجوء الى أي دين لتمويل إنجازها، بالحرص على إنجاز دراسات جدوى تقييم أثر المشروع على الاقتصاد والمجتمع، وتقييم كلفته على ميزانية الدولة. وخلصت الدراسة إلى التأكيد على أن استدامة المالية العمومية في هذه الظروف، تستلزم تعبئة جميع الموارد المالية المتاحة، الجبائية وغير الجبائية، و التحكم في المديونية، والعمل على تقليص كلفة الدين في الميزانية العامة.