في وقت رفعت الشعوب شعار الحرية،تسطر بدماء زكية معالم غد قريب، مازلنا نجد في مغرب الاستثناء أصواتا نشازا تحاول الالتفاف على المستقبل بعدما تأكد هيمنتها على الماضي والحاضر، تحاول ذلك وهي تصيخ السمع لأسئلة أخرى لا تعني الانسان المغربي في شيء؛ أو لعلها تعني شريحة محدودة من الباحثين عن فقاعات إعلامية وآخرين من خلفهم يحملون بذور العداء الأيديولوجي لكل من هو ''إسلامي'' ... ذاك هو حال الإخوة الأعداء في حزبي الاتحاد الاشتراكي و الاستقلال، اللذين جعلا من أهداف '' معارضتهما البديلة'' - التي أعلن عنها خلال اجتماع مشترك للحزبين يوم 15 يوليوز 2013- مواجهة التطرف الديني والمنهج التكفيري والمذاهب الرجعية الدخيلة ! فالحزبان وبعد قراءة متفحصة لما يجري في بلاد الربيع العربي، وبعدما تأكدا من الخطر الذي تمثله التيارات الرجعية على مستقبل المنطقة بما تحمله من مشاريع استبدادية ، عزما على شحذ همم كل الديمقراطيين على اختلاف شرائحهم ومستوياتهم للوقوف صفا واحدا ضد الخطر المحدق بالمشروع الحداثي الديمقراطي ،فاعجب ! إن السؤال البدهي الذي يفرض نفسه بهذا الصدد هو عن أي تطرف يتحدث هؤلاء، وما صوره ؟! تطرف المخزن، واستفراده بكل شيء، أم تطرف حزب العدالة والتنمية في الخضوع حد المسخ، حتى صارحزبا بلا هوية، مذبذبا بين كل المرجعيات، لا إلى هؤلاء ينتمي ولا إلى أولئك؟؟ أم تلك الجماعات''المتطرفة'' –سابقا- و التي يتهافت قادتها فرادى وزرافات للالتحاق بمائدة المخزن؟؟؟ عن أي هيمنة على الإعلام يتحدثون؟ إن كل متابع بسيط للقنوات المغربية يتأكد له بالملموس أن حزب العدالة والتنمية ليس سوى شاهد زور، لا يملك من أمر هذه القنوات شيئا، حتى إن أمين عام الحزب ورئيس الحكومة يستنجد بنواب الأمة ومستشاريها يطلب نصرة الجميع ضد حيف سميرة سطايل، بعدما تأكدت هزيمة وزيره في الإعلام والاتصال في ''معركة ''دفاتر التحملات الشهيرة ! وأخيرا ما معنى الحديث عن مشاريع حكم استبدادية في مغرب يعرف الجميع أن الحكومات فيه مجرد ديكور يؤثث المشهد، حكومات تبصم ولا تحكم!؟ فإن سلمنا جدلا بوجاهة ما يصفه الحزبان، واقتنعنا بجدوى طروحاتهما، فأي رصيد يؤهلهما لقيادة حراك يهدف إلى تحصين مشروع حداثي ديمقراطي ؟! أي رصيد للحزب الذي شارك في ''حكم'' البلاد منذ الاستقلال، والذي أسهم في كل الخراب الذي آلت اليه الأوضاع حتى يوم الناس هذا؟! الحزب االذي سرق –وما زال- أحلام المغاربة في دولة الحرية والعدالة الاجتماعية، الذي هيمن على المشهد السياسي واستفاد من ريعه، الحزب الذي لما يتطهر من خطيئة ''النجاة'' تلك التي فاق عدد ضحاياها 40ألف شاب مغربي! وأي رصيد تبقى لحزب كان ملجأ الحالمين بعدالة اجتماعية تحفظ كرامة المواطن، قبل أن تهب عليه ريح الانتهازية فتحوله الى حزب مستعد لبيع بلد بأكمله ، في سبيل قليل حظ من كعكة الحكم القائم. ولتذهب القيم الاشتراكية الى الجحيم ! كلنا يحترم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نحفظ جيدا تاريخه ونضالاته في سبيل الحرية والديمقراطية، مثلما نحفظ نكوصه وخضوعه حين ماسمي بتجربة التناوب التوافقي وما تلاها ، حتى صار عصيا على الجميع التفريق بين الاتحاد وأحزاب تربت وأينعت في دار المخزن!! كنت أحسب أن ما جرى في بلدان الربيع سيكون حافزا لمزيد من رص الصفوف، مشجعا لا نفتاح كل الأطراف على بعضها البعض بحثا عن سبل التقارب ثم التنسيق في أفق تشكيل جبهة موحدة للنضال ضد أخطبوط الفساد والاستبداد، خاصة وقد تبين للجميع كيف استرد أنفاسه وقام يعاود تسييج حصونه. – كنت أحسب ذلك- لكن واقع الحال يؤكد أن أحزابنا ماتزال وفية لخطها العبثي المرسوم بإتقان ، ماتزال تصر على حرف بوصلة النقاش والقفز بالوعي نحو حروب دونكيشوتية ، تخلق أعداء من ورق وتسعى لمحاربتهم بقاموس منحط ! لقد كان من أخطاء الحراك العشريني، وقوفه مغازلا أحزابا شاخت عن حمل أمانة مشروع مستقبل شاب يجد فيه كل مغربي ما يحقق شروط مواطنيته. فات الجميع أن يوسع من شعار الثورة على الفساد والاستبداد ليشمل مقاولات سياسية تجبرت انتهازيتها حتى صارت إلى المافيا السياسية أقرب، تتاجر بكل القضايا وتحمل كل الشعارات لتحقيق بغية شيخ الحزب ومريديه . نعم، صحيح أنه لا ديمقراطية دون أحزاب سياسية في دول تعي نخبها معنى الانخراط المبدئي في السياسة، لكن في حالنا فالحقيقة تقول وبشكل لا يحتمل أي تأويل، إنه لا سبيل إلى الديمقراطية بوجود هذه الدكاكين السياسية.