أخرجت الأنباء التي يتم تداولها بقوة حول قرب تعديل حكومي واسع أعضاء من حكومة عباس الفاسي عن صمتهم للدفاع عن بقاء الحكومة. لكن حتى الوزراء الأكثر دفاعا عن حكومة الفاسي، لم يجرؤوا على الحديث علانية لتبرير دفاعاتهم، حيث اختاروا أساليب الحديث مباشرة مع الصحفيين طالبين منهم عدم الإفصاح عن هوياتهم لتسريب معلومات تنفي أنباء التعديل الحكومي. في الوقت الذي التزم فيه الوزير الأول عباس الفاسي نفسه الصمت المطبق كعادته، أولا، لأنه لا معلومات لديه، بما أن القصر لن يستشيره في التعديل الحكومي إلا بعد أن يصبح أمرا مفعولا. وثانيا لأن "التقاليد المرعية داخل دار المخزن"، تفرض على كبار خدامه التزام الصمت حتى تصدر القرارات أو تأتي التعليمات من صاحب القرار الأول، الذي ليس سوى الملك نفسه. فقد فجأت الأنباء التي تم تداولها بشكل واسع، حول التعديل الحكومي، طيلة يوم الخميس والجمعة 24 و25 فبراير الجاري، أعضاء حكومة عباس الفاسي بما فيهم حتى المقربون منه عائليا. وبما أن الوزارة الأولى لم تتوصل بأي إشعار في الموضوع من القصر، فقد بدأ المقربون من عباس الفاسي وداخل حزب "الإستقلال"، يبحثون عن المستفيذين من بث مثل هذه الأنباء، اعتقادا منهم أنهم هم من يقفون وراء تسريبها. وهكذا تحدثوا إلى الصحافة على أن الأمر مجرد "إشاعة"، أطلقها مناوؤون لعباس الفاسي ولحكومته ولحزب الإستقلال مستغلين أجواء الغضب العارم الذي عبر عنه الشارع في تظاهرات يوم الأحد 20 فبراير، حيث رفعت شعارات ضد الفاسي وحكومته وأسرته. وبما أن الأنباء تحدثت عن احتمال عودة إدريس جطو وعادل الدويري، إلى الحكومة فقد سارع مقربون من عباس الفاسي إلى اعتبار أن الأمر يدخل في باب "تصفية حسابات الشخصية"، خاصة وأن أول وسيلة إعلام بثت الخبر هي "إذاعة" تبث من الدارالبيضاء، ومعروفة بولائها لرجال الأعمال. فبين الفاسي وجطو، ضغينة قديمة، لأن جطو عندما كان مقربا من دوائر صنع القرار كان ضد تعيين عباس الفاسي وزيرا أولا، لأنه خبر امكاناته عندما كان وزيرا بدون حقيبة في حكومته. وقد سبق لجطو أن صرح لصحفيين بعد انتخابات 2007، أن خلفه كان ينبغي أن يكون أكثر شبابا منه. في إشارة إلى عامل السن الذي يقال أنه يعيق آداء عباس الفاسي وينعكس على أداء حكومته. ولإبعاد شبح التعديل عن رأس الحكومة، سرب مقربون من عباس الفاسي خبرا مفاذه أن، مصطفى التراب، المرشح لخلافة الفاسي في حال رحيله، سيخلف منير الماجدي، مدير الكتابة الخاصة بالملك. وفي إطار الحرب النفسية التي أطلقها خبر التعديل الحكومي، نشطت عمليات تصفيات الحسابات الشخصية عبر وسائل الإعلام بين الشخصيات النافذة داخل المربع الملكي. فقد أقدمت إحدى الصحف اليومية التي تصدر باللغة الفرنسية والمقربة من منير الماجدي، مدير الكتابة الخاصة للملك، بنشر خبر مفاده أن فؤاد عالي الهمة، الرجل النافذ داخل المربع الملكي مرشح لتولي منصب سفير المغرب لدى المملكة العربية السعودية. وكان متظاهرون قد رفعوا خلال مسيرات 20 فبراير، لافتات كبيرة حملت صور الماجدي والهمة، تطالب بإبعادهما عن إدارة الشأن العام، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو ماليا. وفي ظل الصمت المطبق الذي يفرضه القصر على الجميع، تنتشر الإشاعات وتنشط حرب تصفيات الحسابات الشخصية داخل الكواليس وعبر الصحافة بين النافذين داخل دوائر صنع القارار. فيما يعيش أعضاء حكومة عباس الفاسي في حالة ارتباك في انتظار يوم السبت حيث من المنتظر أن يعقد مجلس وزاري يرأسه الملك محمد السادس في مراكش. وهو الإجتماع الذي بات الجميع يتنظر منه الكثير من المفاجئات، خاصة بعد التداول الواسع لخبر التعديل الحكومي كقرار أصبح شبه مؤكد. وأيضا بعد التظاهرات الكبيرة التي خرجت في أغلب المدن والقرى المغربية مطالبة بالتغيير. ويبدو أن قرار تنصيب المجلس الإقتصادي والإجتماعي، والقررات الإقتصادية التي أقدمت عليها حكومة الفاسي، كمسكنات مؤقتة، لم تحمل الإجابة النوعية المنتظرة من قبل شرائح واسعة من الرأي العام تطالب بإصلاحات ديمقراطية حقيقية وعميقة. --- تعليق الصورة: عباس الفاسي مغادرا مقر الوزارة الأولى (صورة أرشيفية)