تعديل ثالث لحكومة عباس الفاسي أو لا تعديل.. تلك هي الأحجية التي شغلت، على امتداد نحو خمسة أشهر، بال المتتبعين للمشهد السياسي المغربي، وحبست أنفاس الطبقة السياسية بمختلف تلويناتها، وأطر الأحزاب الطامحة في الاستوزار والأخرى التي كانت مهددة بفقدان مراكزها، قبل أن يتأكد للجميع أن ما يروج عن تعديل وشيك الوقوع مجرد «جعجعة بلا طحين» على حد قول قيادي استقلالي في حديثه إلى «المساء». وعاشت الطبقة السياسية طيلة الأشهر الماضية على تداول خبر قرب وقوع تعديل جديد على تشكيلة الحكومة بعد تعديلي 30 يوليوز 2007، ويناير 2010، لفسح المجال أمام حزب الاتحاد الدستوري كي يدخل إلى الحكومة بعد تحالفه مع حزب التجمع الوطني للأحرار وتكوين الفريق التجمعي الدستوري، حيث تحدثت مصادر من الأغلبية عن صيغتين، أولاهما تتعلق بتعديل قوي قد يمس حتى تشكيلة الأغلبية، بإضافة حزب واحد، يتمثل في الاتحاد الدستوري أو أكثر، فيما تتعلق الصيغة الثانية بالدفع بحكومة الفاسي وتقويتها في اتجاه الانكباب على الملفات الكبرى وإنجاحها، ومنها ملفات الصحة والتعليم والسكنى، من خلال تقوية مشاركة حزبي التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي، بإسناد حقائب وزارية أو إدارة بعض المؤسسات الكبرى كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي أو المجلس الأعلى للتعليم. ومع دنو موعد الدخول السياسي كثرت التوقعات حول الوزراء المرشحين لمغادرة حكومة عباس الفاسي، والأسماء الممكن التحاقها بالفريق الحكومي العامل بجانب الوزير الأول، حيث تداولت أخبار عن إسناد منصب الأمين العام إلى وزير الاتصال خالد الناصري، في حالة ما عوض إدريس الضحاك وزير العدل محمد الناصري، ورحيل أحمد توفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتوفيق احجيرة وزير الإسكان، وعبد اللطيف معزوز وزير التجارة الخارجية، وبنسالم حميش وزير الثقافة، وياسمينة بادو وزيرة الصحة. فيما تحدثت مصادر حزبية عن إمكان التحاق محمد الأبيض أو عبد الله فردوس عن حزب الاتحاد الدستوري، ولحسن حداد ولحسن السكوري عن حزب الحركة الشعبية بالحكومة في حال إسناد حقيبة وزارية تنضاف إلى حقيبتي وزير دولة وكاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون. غير أن اللافت في قصة التعديل الحكومي الثالث هو التسابق المحموم الذي عاشته أطر الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية من أجل الظفر بالحقيبة الوزارية الغالية، حيث اختار بعضهم في ظل ذلك التنافس اللجوء إلى تنظيم مآدب للترويج لأنفسهم كمرشحين لأحزابهم، وبعث نهج سيرهم إلى الأمناء العامين لأحزابهم، وإجراء اتصالات بدوائر قريبة من الحكم. وبالرغم من أن المشهد السياسي اعتاد منذ سنوات أن يبدأ التمهيد لحصول تعديل حكومي بإشاعات يروم مطلقوها قياس نبض الشارع وردود فعل الطبقة السياسية - وهي إشاعات وإن اختلفت حول توقيت حصول التعديل فقد كانت دائما مصيبة في حدوثه- إلا أنها هذه المرة لم تتحول إلى حقيقة استفاقت عليها الطبقة السياسية بمناسبة الدخول السياسي الجديد. وهو الأمر الذي تأكد من خلال تصريحات قائد الائتلاف الحكومي، عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزبه الأسبوع ما قبل الماضي، حين أقفل الباب في وجه الأحزاب والشخصيات الطامحة في الاستوزار، باستبعاده أن تعرف الحكومة التي يقودها منذ سنة 2007 تعديلا حكوميا ثالثا في الأسابيع القادمة، معتبرا أن الحديث عن هذا التعديل مجرد «كلام جرائد» وشائعة يروجها بعض الطامحين في الاستوزار. وفي الوقت الذي أشار الفاسي إلى أن التعديل الحكومي، الذي راجت منذ يونيو الماضي أنباء عن قرب حدوثه لتمكين حزب الاتحاد الدستوري من الدخول إلى الحكومة، لا يعنيه كوزير أول وإنما هو حق دستوري يخوله القانون للملك، اعتبر قيادي استقلالي، طلب عدم ذكر اسمه، الحديث عن التعديل الحكومي «مجرد جعجعة بلا طحين أثارها طامحون في الاستوزار داخل الأحزاب، وجهات لها مصلحة في التشويش على عمل الأغلبية الحكومية»، مشيرا إلى أنه «لم تكن هناك أي مؤشرات، ونحن الآن على بعد سنتين من محطة 2012، تدل على حدوث التعديل الحكومي المزعوم». من جهته، يرى محمد أتركين، الباحث في العلوم السياسية، أن التعديل لزم حكومة عباس الفاسي منذ بداية تشكيلها، إذ طرح في البداية بسبب أنها أسست على إقصاء مكون كبير جدا هو حزب الحركة الشعبية، وفي مرة ثانية بسبب خروج حزب الأصالة والمعاصرة إلى المعارضة، مشيرا بخصوص الحديث عن تعديل حكومي ثالث اليوم إلى أن هناك ظرفا موضوعيا لهذا التعديل يمكن أن نميز داخله بين أمرين أساسيين، الأول هو دخول فريق جديد إلى دائرة الأغلبية ممثلا في الاتحاد الدستوري، الذي يدعم الحكومة دون مقابل تمثيلي في أجهزتها، وهو ما سيؤدي، حسب أتركين، في حال عدم الاستجابة إليه إلى نوع من الاصطدام على مستوى الفريق التجمعي الدستوري أو في علاقته بالحكومة. ويرى أتركين أن خصوصية التعديل الحكومي تطرح من قبل مكونات حكومية بمعادلات مختلفة، فحزب العنصر يطرحه لكونه يعتقد أن ما أخذه مقابل دعمه للحكومة لم يكن سوى شوط أول في انتظار شوط ثان يمنحه حجما أكبر، وهو الخطاب الذي دأب الأمين العام للحركة على تقديمه لطمأنة جزء كبير من قياديي الحزب، فيما يجد صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، كقائد للتحالف التجمعي الدستوري، مطالبا بإرضاء شريكه اليوم. ويسجل الباحث في العلوم السياسية من جهة أخرى أن التعديل الحكومي يطرح من قبل مكونات الأغلبية الحكومية وليس من خارجها من قبل الرأي العام وأحزاب المعارضة، وهو ما يصعب عملها، مشيرا إلى أن هذه الأغلبية مدعوة اليوم إلى ترجمة مضامين الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية الحالية المطالبة بأغلبية منسجمة، خاصة بمناسبة مناقشة قانون المالية الذي يفرض وجود أغلبية من هذا القبيل، خاصة أنه أثناء مناقشة بعض القوانين كقانون إدماج المكتبين الوطنيين للماء الصالح للشرب والكهرباء في مؤسسة واحدة وجدت المعارضة نفسها وحيدة في مجلس المستشارين. وحسب أتركين، فإن «السؤال الذي يطرح بغض النظر عن الضرورة الموضوعية للتعديل، هو: ألا يمكن للتعديل أن يزيد من إضعاف حكومة ضعيفة أصلا؟»، مشيرا إلى أن استشراف الإجابة عن هذا السؤال هو ما دفع حزب الاستقلال، من خلال افتتاحيات عدة لجريدة «العلم»، إلى أن يبلور دفاعا قويا من خلال اعتبار الحديث عن التعديل الحكومي يندرج في باب خطاب التشويش. وبالنسبة للمصدر ذاته، فإن السؤال الذي يتعين طرحه الآن على نحو سنتين من انتهاء ولاية الحكومة الحالية هو: «هل يمكن للتعديل الحكومي أن يخرج من إطار المعادلات السياسية إلى معادلات أخرى تطرح أساسا سؤال الفاعلية الغائب حاليا؟»، مشيرا في تصريحاته إلى «المساء» إلى أنه إذا كان سؤال الفعالية وتقوية الأداء الحكومي طرح خلال التعديل الحكومي الثاني، إلا أن الكثير من علامات استفهام تثار حول ما إن كان الوقت كافيا في حال إجراء تعديل لتحقيق هذه الفعالية..