القرار السياسي في حقيقته، عبارة عن اختيار بين مجموعة بدائل مطروحة لحل مشكلة ما أو أزمة أو تسيير عمل مصالح معينة . و لاشك إن مناقشة المطبخ الأمريكي في صناعة القرار حسب كتاب "صناعة القرار الأمريكي" للدكتور ماجد عرسان الكيلاني . تحتاج إلى التعرف على ما يجري أولاً في مراكز الدراسات والبحوث ومثيلاتها في الجامعات الأمريكية، حيث يقوم باحثون مختصون بجمع المعلومات وإجراء الدراسات المتعلقة بمجتمعات الأرض ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وبعد أن يتم جمع المعلومات وإعدادها تعقد مراكز البحوث اللقاءات الدورية لمناقشتها وتصنيفها من قبل خبراء مختصين ، وحين تنتهي المناقشة ويتم تقييم الأبحاث المقدّمة تبدأ المرحلة الثانية، وهي مرحلة صناعة القرار ومناقشته عبر مجموعة من المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الحقوقية ، وهذه المرحلة تهدف إلى تحقيق أمرين، الأول: التحقق من مدى منطقية القرار وملائمته، والثاني: تحديد الوسائل والأدوات اللازمة لتنفيذ القرار ووضعه موضع التطبيق. وحين تنتهي المناقشات ويتخذ القرار صيغته النهائية المقترحة تبدأ المرحلة الثالثة وهي مرحلة صناعة الرأي العام محلياً ودولياً، وتشهد هذه المرحلة سجالاً بين مؤيد ومعارض للقرار، إلا أن السلطة السياسية تسعى إلى توفير المناخ السياسي المؤيد للقرار، ولذلك نراها تبتكر التبريرات، وتشن الحملات الإعلامية، وتكثر تصريحات المسؤولين، وتطلق المصطلحات الإيجابية و السلبية و المفاهيم السياسية اللازمة وذلك لكسب تأييد القرار على الصعيد الرسمي والشعبي والدولي ومثال ذلك ما حدث في العراق حول أسلحة الدمار الشامل، وما يحدث ألان حول استعمال الجيش السوري لغاز الأعصاب . ثم تبدأ المرحلة الرابعة وهي مرحلة صياغة القانون، المؤيد للقرار، وحين يصدر القانون يصبح القرار مبرراً وجاهزاً للتنفيذ من قبل الإدارة المكونة من رئيس الجمهورية، ومستشاريه ووزرائه والوكالات والمؤسسات والجيش ووكالة المخابرات المركزية. لكن كيف نفهم القرار الأمريكي القاضي بتوسيع صلاحيات المينورسو ليشمل حقوق الإنسان مع ورود مَعْلُومَاتٌ عَنْ لِقَاءَاتٍ سِرِّيَةٍ لِتَسْوِيَةِ قَضِيَةِ الصَحْرَاءِ الْغَرْبِيَةِ ؟.. لقد شكل الموقف الأمريكي الأخير من قضية الصحراء الغربية صدمة لكثير من الباحثين والمتتبعين والرأي العام المغربي بصفة خاصة، ومن جهة أخرى يعتبر هذا الموقف منعطفا حاسما واستراتيجيا في مسار المواقف الأمريكية تجاه المغرب. الموقف الجديد للولايات المتحدةالأمريكية كشف عن عدة حقائق سياسية واقتصادية و أكثر من ذلك حقوقية ، أولى هذه الحقائق أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتمد أساسا في حسم خيارتها الإستراتيجية على تقارير سفاراتها في الخارج ، فمثلا مباشرة بعد محاكمة معتقلي اكديم ازيك " القاسية" زار وفد من السفارة الأمريكية مدينة العيون ، لذلك يمكن أن نقول أن التقارير التي تنقلها السفارة الأمريكية بالمغرب عن حقوق الإنسان بالمداشر الصحراوية تقارير سوداء فالإعلام المغربي بما فيه " إذاعة الرحيبة " يختزل الصحراء في اللباس والشاي والجمال، إعلام متجاوز لدى الشعب المغربي قبل الحديث عن الرأي العام الدولي الذكي و المتتبع. وقد أثار مشروع القرار الأمريكي توترا غير مسبوق بين واشنطن والرباط التي أقدمت على إلغاء مناورات عسكرية مشتركة بمصب واد درعة ، وقد عبر مسؤولون مغاربة عن قلقهم من التوجه الأمريكي وتحدثوا عن أزمة دبلوماسية تعصف بين البلدين الذين تربطهما صلات وثيقة تعود إلى أزيد من مائتي عام. القرار الأمريكي بدعم فكرة توسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان يمثل تحولا كبيرا في موقف الإدارة الأمريكية التي بدأت منذ سنوات تعدل مواقفها رغم دعمها السياسي الصريح لمشروع الحكم الذاتي ، وقد جاءت إدارة أوباما بتوجهات جديدة جريئة قد تغير سياسة الولاياتالمتحدة حيال هذا الملف، فالديمقراطيون يميلون إلى تبييض صورة الدولة العظمى بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومعلوم أن الديمقراطي " جيمي كارتر" كان قد جعل من الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم أحد أهم محددات السياسة الخارجية الأمريكية، وقد ظل الديمقراطيون أكثر ميلا إلى هذا التوجه من الجمهوريين المعروفين بقربهم من أطروحات اليمين الصهيوني الذي يمثل الجهة أكثر دعما للمغرب فيما يخص قضية الصحراء الغربية تحديدا. الدافع الآخر إلى تحول الموقف الأمريكي هو الضغط الذي مارسته منظمات حقوق الإنسان الأمريكية والدولية خلال السنوات الماضية، وقد لعبت منظمة كينيدي دورا أساسيا في كشف التجاوزات التي ترتكبها الدولة المغربية في حق الصحراويين ، وقد بدأت الولاياتالمتحدة وكثير من الدول الغربية تشعر بالحرج بسبب غض البصر عن الأشرطة المصورة و التقارير المرفوعة من طرف الجمعيات الحقوقية التي تشتغل في قلب مدينة العيون ، كما لعب الناشطون الصحراويون دورا أساسيا في التحسيس بانتهاكات حقوق الإنسان ، و شكلت محاكمة معتقلي مخيم إيزيك أكديم دورا حاسما في تدويل الوضع الحقوقي المتأزم في المنطقة. فمخيم اكديم ايزك يعد حسب مجموعة من المتتبعين شرارة انطلاق مايسمى بالربيع العربي ومن ثَم يمكن النظر إلى الثورات العربية، في جزء منها، باعتبارها ثورة على نمط التنمية بالتبعية المرتبط بالنظام الاقتصادي العالمي؛ فهي تعكس حالة الترهل والضعف التي يرزح تحتها النظام الدولي في جانبه الاقتصادي، حتى بات عاجزًا عن حماية حلفائه المحليين، وتوفير الدعم اللازم لهم، لكي يحافظوا على قدر من الشرعية يضمن بقاءهم. وهي -أي الثورات العربية- تمثل -بالمعنى ذاته- تحديًا جسيمًا لقواعد عمل النظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده الولاياتالمتحدة بشكل أساسي. أما أبعادها الإستراتيجية، فيمكن أن نلمح انعكاس حدة التنافس بين القوة الكبرى، وبشكل آخذ في التزايد، من ثورة عربية إلى أخرى. يقول تشومسكى إنه لو لم يكن الشرق الأوسط يمتلك احتياطي البترول الهائل لَما اهتم صانعو السياسة الأمريكية بهذه المنطقة، فأهميته تكمن في غناه بالبترول وسهولة الوصول إليه، ومن ثم كان إصرار الولاياتالمتحدة على مدى السنين على أن يكون لشركات البترول الأمريكية نصيب الأسد في هذه المنطقة. وهذا هو السبب في تفسير غزو أمريكا للعراق، فالسيطرة على هذا البلد تعني السيطرة على بترول المنطقة كلها والذي يمد أوروبا بأسباب الحياة، وعليه يصبح الأوروبيون معتمدين اعتماداً كلياً على القرارات الأمريكية في كل شيء، وهذه بعينها هي السيطرة الجيو- سياسية. التفسير المنطقي الذي تعطيه أمريكا للعالم هو أنها تحمي الاقتصاد العالمي وطرق الوصول إليه وتؤمن مصالح حلفائها وشركائها ضد كل أنواع التهديدات، ومن ثم فالبترول يمثل كلاً من المصالح الاقتصادية والإستراتيجية والشركات الأمريكية التي أصبحت أكثر ثراء وغني عن ذي قبل حتى مع ارتفاع أسعار البترول ومن ثم فهذه السيطرة من جانبها تعطي لأمريكا فرصة كبيرة لأن تضع كل حلفائها وشركائها في جيبها. ولكن هل البترول في الصحراء الغربية جبهة جديدة في نزاع قديم متجدد ؟ إن الارتفاع الحاد في أسعار البترول والغاز والمرشح للزيادة سيجعل من المناطق البترولية أو المحتمل أن تكون ذات احتياطات بترولية محط اهتمام القوى السياسية والاقتصادية العالمية على المدى المنظور على الأقل، و قد اعتبر الباحث الصحراوي غالي الزبير في أحد محاضرته ، أن الصحراء الغربية هي واحدة من هذه المناطق التي حظيت وتحظى باهتمام الشركات البترولية في السنوات الأخيرة ، ربما يكون البترول و الغاز عامل قوي يدفع الدول الكبرى في اتجاه حل سريع لنزاع الصحراء الغربية ، ضمن إستراتيجية أمريكية وأوروبية تريد أن ترى الصحراء الغربية عامل بناء في الهيكل المغاربي الذي لازالت حالة الضعف المزمن فيه تحرم هذه الدول الكبرى من جني فوائد مرتقبة من التعامل مع هذه الكتلة المهمة بوزنها السياسي والبشري والاقتصادي قبل كل شئ ، و يرى بعض المتتبعين أن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الصحراويين و تحسين أوضاع السجون ، و ضمان عيش كريم للصحراويين بما فيه الحق في السكن و الشغل القار قد تفكك طلاسيم القرار الأمريكي الطازج . و بالتالي الموقف الأمريكي يشير بوضوح إلى أن القوى الكبرى تريد حلا سريعا لقضية الصحراء الغربية . مدير نشر و رئيس تحرير جريدة دعوة الحرية