تناقلت وسائل الإعلام المغربية ، المقروءة والمسموعة ، باهتمام بالغ وبليغ ، ما أقدم عليه حزب النهضة والفضيلة أخيرا ، وعند انعقاد جموع هيئاته المركزية ، من إلحاق بعض السلفيين بصفوفه . فتناسلت الأسئلة والتصورات والتوقعات بخصوص مستقبل هذا الحزب ، وما إذا كان سينزع عنه جبته السياسية ليستبدلها بجبة دينية سلفية ، بما يشبه ما انفتق أخيرا من أضلاع المجتمعات العربية ، فيما أطلق عليه تسمية : الأحزاب السلفية ، كأحوال ومواضعات جادت بها عجائب ما سمي بالربيع العربي . وما كان لهذه السيناريوهات أن تتفتق بها الخيالات ، لولا أن الإعلام ، كل الإعلام ، فاض احتفاء مضخما بالحدث ، بشكل مفاجيء ، وغير معهود في الوتيرة الإعلامية ، وكأن الناموس الذي يتحكم ويتنزل على الإعلام ، يصدر من معين واحد ، وقديما كانت العرب في غابر الدهر ، ترفع قبائلها أو تضعها بقصيدة شعرية واحدة ، بله ببيت شعري فريد . في الإنجاز الميداني ، لا يعدو الأمر أن يكون سوى إنتاجا حزبيا عاديا ، استهدف استقطاب مواطنين أفرادا ، ممن تشربوا نسبيا ، الثقافة السلفية ، في نمطيتها الراهنة ، مما أصبح متعارفا عليه في الأوضاع الثقافية العربية الحالية . لكن في البعد المعنوي والرمزي ، يكون حزب النهضة والفضيلة ، قد تفرد ببعث رسالة تبشيرية لعموم المواطنين المتشبعين بالوعي السلفي ، أن الحزب لن يتوانى في فتح أحضانه لهم لكل هدف نبيل ، من أجل تهيئتهم للاندماج في النسيج السياسي الوطني ، وتمهيد الطريق لهم للإنخراط في التمثيليات الشعبية ، والمساهمة في تدبير الشأن العام بالولاية أو بالتقويم والمعارضة . وإذن فقد كان ينبغي للرأي العام أن يعي إحاطة وعلما بأن الأمر لا يتعلق باتحاد أو باندماج كما تفسره الصيغ القانونية في التشريعات ذات الصلة بعمل الأحزاب ، حينما تهم تنظيم العلاقة فيما بين الهيئات السياسية أو بين التيارات أو بين الأحزاب بعضها ببعض ، بقدر ما هو بكل بساطة انضمام أفراد لحزب سياسي ، بالشكل الذي لا يحق معه أن يترك المجال للتهويلات المفتعلة ، حول إلتحاق تيار ما ، أو اندماج تيار ما ، أو إلتحاق رموز أو قيادات ما ، فالحالة الثقافية السلفية بالمغرب في مجملها لا تشكل تيارا جامعا خاضعا لمنطومة فكرية أو ولائية واحدة ، ولا تتصدرها رمزيات فاعلة ونافذة ، كفيلة بأن تنفد في الجسم الثقافي السلفي ، فتتمكن من حشد الإتفاق عليها أو الانتظام من حولها . ومن ثم فالقيادة الجماعية السياسية ، لحزب النهضة والفضيلة ، والقواعد التنظيمية المنتظمة حولها ، وهي تنفتح على هؤلاء المواطنين ذوي المشرب الثقافي السلفي ، لضمهم كلبنات في الصفوف والفروع من أجل دعم المسيرة السياسية الرامية إلى بناء المجتمع والمؤسسات ، لا تخرج ولا تشذ عن سابق منهجها في العمل والتنظيم ، وفي ما راكمته ضمن مراحل سابقة من حشد لطاقات تنتسب إلى الحقل الإسلامي ، أو فعاليات إسلامية من ذوي السبق في تأسيس الحركة الإسلامية أو ذوي السابقة في الإعتقال السياسي الإسلامي ، الذي جلل سواده عقود السبعينيات والثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي . غير أن هذه المسيرة السياسية الحزبية لم تكن لتسجن نفسها في ضيق النطاق الثقافي الواحد ، إذ كثيرا ما توطدت العرى التنظيمية ، وتعززت الرؤية الثقافية ، بانضمام طاقات من خارج الطيف الثقافي الإسلامي ، في انسجام تام مع المرجعية السياسية للحزب ، والتي تجد سداها ولحمتها في الهوية الوطنية الجامعة ، والأصالة التاريخية ، والإسلام وعاؤها وخزانها . وظلت هذه المسيرة السياسية الحزبية نتاجا لتلاقح عطاءات فكرية متنوعة جمعت بين الأجيال المتعاقبة للحركة الإسلامية ، والأجيال المتوالية للحركة السياسية الوطنية ، عبر أحقابها وفتراتها في سيرورة الوطن . فمنذ البدايات الأولى لتأسيس النواة التنظيمية والفكرية للحزب سنة 2003 ، عند وضع اللبنة الأولى ممثلة في جمعية اليقظة والفضيلة ، تأتى لهذه الإنطلاقة أن تجمع بين بعض قدماء العمل السياسي ، المنتسبين سابقا إلى حزب الدكتور الخطيب : " الحركة الشعبية الدستورية " : محمد خليدي ، ومحمد كرفاتي ، موسى إيزم ، وبين فعاليات إسلامية متنوعة الثقافة والتجربة : الدكتور حمزة الكتاني ، والدكتور المصطفى كرين ، والمحامي محمد شريف ، والأستاذ الجامعي : العياشي السنوني، إلى جانب قدماء الشبيبة الإسلامية والاعتقال السياسي : المحامي عبد الله لعماري ، وإلى جانب طاقات صحفية ونقابية : مراد بورجى ، بوشعيب زواق ، عبد اللطيف هندي ، وتعززت المسيرة بعد ذلك بمساهمات فكرية لبعض الداعمين لهذه النشأة : ادريس هاني ، والذي ترك بصمته على الأرضية الإيديولوجية في التحضير التأسيسي للحزب. ثم عضد الحزب قاعدته التأسيسية سنة 2005 بفعاليات قادمة من أطر وقيادة حزب العدالة والتنمية ، ممثلة في خالد مصدق ، وخليل معروف ، وعبد القادر ثلاث ، ونور الدين زاوش ، والعلوي لمراني ، وثورية لعيوني ، وقادمة من جمعية البديل الحضاري : حسن عبيدو . وفي سنة 2006 توطدت قيادة الحزب بأول فعالية قادمة من حقل الاعتقال السلفي : وهو الإعلامي سعيد مبشور ، والذي حمل على كاهله وحده ، الإعلام الحزبي في إبان صدور أسبوعية العصر ، ومن ثم تحمل ولا يزال مهام الإدارة التنظيمية للحزب ووضع استراتيجيته ، وتسطير معظم أدبياته ، بما أكسبه شرف الاضطلاع بمهمة المنظر والمخطط الإستراتيجي للحزب . وبعد المؤتمر الوطني الأول ، سنة 2007 ، أصبح الحزب موصولا بالجذور الأولى لتأسيس الحركة الإسلامية بالمغرب ، وبرصيد الاعتقال السياسي الإسلامي خلال سنوات الرصاص ، عندما استرفد من هذه الجذور ، ومن هذا الرصيد النضالي : الشيخ ابراهيم كمال ، والأستاذ عبد الله لعماري ، والدكتور عبد العالي حارث رئيس المجلس الوطني حاليا. وبالنظر إلى الدعم الحقوقي الكبير الذي واكبت به بعض فعاليات الحزب قضية الإعتقالات في صفوف السلفيين قبل سنة 2003 ، وبعده عند صدور قانون الإرهاب ، إذ عكفت ومنذ تأسيسها سنة 2000 جمعية تمكين : " التجمع من أجل كرامة الإنسان " ، والتي أسسها المعتقلون السياسيون الإسلاميون بعد العفو الشامل والمصالحة الوطنية ، عكفت على الإسناد الحقوقي لضحايا حملات الإعتقالات في صفوف السلفيين على خلفية ما سمي بمكافحة الإرهاب ، إلى الدرجة التي أدت معها الجمعية ثمنا غاليا باعتقال رئيسها : عبد الله لعماري سنة 2003 ، وكذلك ما أعقبه من تولي بعض رموز الإعتقال السياسي الإسلامي : عبد الرحيم مهتاد من نصرة حقوقية لضحايا الإنتهاكات والإعتقالات العشوائية في صفوف السلفيين عبر جمعية النصير للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين "، وما بادر إليه الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة : محمد خليدي ، وعضو القيادة به : حمزة الكتاني من إنشاء جمعية للمطالبة بالإفراج عن الشيخ حسن الكتاني . كل ذلك صب في اتجاه تدعيم قيادة الحزب بفعاليات من المعتقلين السلفيين المفرج عنهم ، تمثل ذلك في إلحاق الأستاذ الجامعي : عبد الرزاق مرزوك ، إلى الأمانة العامة للحزب ، بعد سنة 2010 . وقبل المحطة الإنتخابية التشريعية لسنة 2011 تقوت قاطرة الحزب القيادية بفعاليات جديدة قادمة ومنحدرة من مدرسة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية : المحامي محمد كفيل ، والأستاذ الجامعية السعيدة العثماني ، ومن مدرسة النضال الوحدوي بالأقاليم الجنوبية بالصحراء : الصيدلي الختاري العلوي . ومنذ سنة 2011 وإلى غاية انعقاد المؤتمر الوطني الثاني أبريل 2013 عرف حزب النهضة والفضيلة حدثا هاما في قيمته السياسية ، وفي بعده النضالي الجوهري ، بالانفتاح على هيئة تنظيمية كاملة البناء والفروع ، ويتعلق الأمر بنقابة الإتحاد الوطني للشغل "جناح المؤسسيين" ، فيما أسفر عن احتضان الحزب لهذه النقابة الفاعلة ، وإنضاج شروط اندماج واتحاد حقيقيين بين هيئة الحزب وهيئة الجناح النقابي المؤسس ، ترتب عنه القرار التاريخي للحزب بضم نخبة من قيادة الجناح النقابي إلى صلب الأمانة العامة للحزب ممثلة في بعض الرموز التاريخية للعمل الإسلامي وللعمل النقابي والذين كانت لهم اليد الطولى في تأسيس حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية ونقابته الإتحاد الوطني للشغل ، وهم : الحاج عبد السلام المعطي ، وادريس مزيوي ، ومحمد البارودي ، والعلمي الشنتوفي ، وهو الحدث الذي يكتسي أهمية مطلقة في نطاق الإندماج كما يحدده المعيار القانوني المستمد من قانون الأحزاب ، إذ أنه ثمرة قرارين نابعين من قيادتي الهيئتين معا، إلا أنه انحجب صداه عن الرأي العام رغم أهميته، بما غشاه الإعلام العام من غبار كثيف حول واقعة انضمام مواطنين سلفيين معدودين على رؤوس الأصابع. ليس هذا فحسب بل إن هذا الإعلام غشى عن التحاق أحد الأطر العليا من جماعة العدل والإحسان بقيادة الحزب، وهو غريب بهلولي، إضافة إلى ازديان سدة القيادة الحزبية بفعاليات سياسية بارزة مثل أحمد محاش وعياد حلفاوي وعمر فحشوش والدكتور حسن أنجار، وهي القيادات الإقليمية السابقة المعروفة في حزب العدالة والتنمية. وخلاصة القول أن حزب النهضة والفضيلة والذي حفلت مؤسساته بهذه الطاقات المتعددة المشارب والمدارس والتجارب بالشكل الذي لا تبدو فيه نقطة استقطاب بعض السلفيين سوى نقطة في مجرى نهر دافق ، ليس في وارد الاستغناء عن ثقافته المتنوعة ، وتراكم عناصر رصيده النظري والقيمي ووعاء مرجعيته السياسية الوطنية ، لاستبدالها برداء تروج له شائعات سحابة الصيف ، تجاوبا مع مواضعات عربية عابرة في ظروف عربية عابرة .