في ذكرى ميلاده ال53، نشرت صفحة الصحافي توفيق بوعشرين على موقع "فيسبوك" شريطا مصورا يضم شهادات في حق الصحافي المعتقل، أكدت على ما تميزت به افتتاحياته على صدر جريدة "أخبار اليوم" من أسلوب مبدع ورصانة وعمق في التحليل، ما جر عليه إلى جانب الإغراءات التي قاومها متاعب وقضايا كثيرة بالمحاكم. الشهادات التي تأتي تزامنا مع إطفاء بوعشرين لشمعته الخامسة خلف قضبان السجن، أجمعت على الصيت الذائع لافتتاحياته التي كانت تضع الأصبع على مكامن الخلل في كل القضايا، وتميط اللثام عن هموم المواطن، وتنشد المساهمة بناء صرح الديمقراطية، معربة عن الأمل في أن يطوى هذا الملف قريبا. صحافي مؤثر وجريدة مستقلة محمد الأشعري الكاتب وزير الثقافة الأسبق، أكد في شهادته أن تجربة الصحافي بوعشرين من أنضج التجارب وأقواها في تاريخ الصحافة الوطنية، والدليل أن كتاباته كانت تحظى بمتابعة واسعة من القراء، وباهتمام واسع من طرف الفاعلين السياسيين، وأيضا باهتمام مباشر من كل المؤسسات التي كان يخصها بنقده وأسئلته. وأرجع الأشعري نجاح بوعشرين في أن يكون مؤثرا وفاعلا أساسيا في النقاش العمومي وفي الوسط السياسي، إلى التزامه بالمقومات الأساسية للكتابة الصحافية الناجحة، المبنية على البحث الدائم عن الحقيقة، والمعتمدة على التحليل العميق والرصين. نجاح بوعشرين، عكسه نجاح مولوده الإعلامي؛ جريدة "أخبار اليوم"، التي أكدت الأستاذة الجامعية لطيفة البوحسيني مكانتها الرائدة في المغرب، ففي الوقت الذي انتشر فيه التضليل، وجد الناس ضالتهم في أخبار اليوم، وكان القراء والقارئات يتجهون يوميا صوب افتتاحياته، بغض النظر عن الأطياف والتيارات والعائلات السياسية التي ينتمون لها. فبوعشرين، تضيف البوحسيني، كان حريصا على ضمان الصوت المستقل، وآمن بالرسالة النبيلة للصحافة كسلطة رابعة، تناط بها مسؤولية ضمن مختلف السلط الأخرى لإقامة دولة الحق والقانون. هذا التنوع الذي كانت تزخر به كتابات مؤسس "أخبار اليوم" أكده المؤرخ والحقوقي المعطي منجب، الذي أبرز أن بوعشرين "كان يؤيد كل التوجهات الديمقراطية الطامحة إلى بناء دولة قوامها حكومة تحكم وملك يترأس دون تدخل في الشؤون السياسية اليومية"، فقد كان "منتقدا للسلطة في اعتدال". تعبير جيد وتحليل دقيق وأشار منجب إلى أن جمع بوعشرين بين التعبير الجيد والتحليل السياسي الدقيق المبني على تتبع القضايا المحيطة به وطنيا وعربيا، جعله يكون ذا قلم رائع، يكتب افتتاحياته كما لو كان يقرض قصيدة شعر. وإلى جانب حسن البيان وعمق التحليل، تميزت كتابات بوعشرين بالحرقة والوطنية التي تساهم في تبليغ هموم الشعب المغربي، وفي بناء الدولة الديمقراطية التي ننشدها، حسب شهادة آمنة ماء العينين القيادية بحزب العدالة والتنمية. وقد كانت لبوعشرين، حسب الصحافي حميد المهدوي، قدرة عجيبة على بناء الأفكار بسلاسة وانسيابية، وكان يتفوق في اختيار الفكرة المركزية، ويتفوق أكثر في اختيار الأفكار الداعمة للفكرة المركزية، لهذا كانت افتتاحيته تثير شهية الجميع. فراغ كبير ولم تنحصر الشهادات التي تضمنها شريط الفيديو على الشخصيات الوطنية، فإكناسيو سامبريرو الصحافي الاسباني أشار بعين الصحافي إلى أن الساحة الإعلامية بالمغرب تفتقد قلم بوعشرين وجريدته، "فاليوم في المغرب ليس هناك الكثير للقراءة والمتابعة، والصحافة لا تقوم بدورها الحقيقي.. ومقابل ذلك هناك الكثير من الأخبار والمعلومات المهمة التي لا يتم التطرق إليها ولا التحقيق فيها". واعتبر سامبريرو أن بوعشرين الذي استخدم الحد الأقصى لهامش الحرية المسموح به، دفع ثمنا باهضا للغاية. افتقاد الساحة الإعلامية لبوعشرين أكدته ماء العينين عضو الأمانة العامة للبيجيدي التي أبرزت أن غياب توفيق بوعشرين خلف فراغا كبيرا في الساحة الإعلامية. ومن جانبه، يتوقف حسن بناجح القيادي بجماعة العدل والإحسان في شهادته بحسرة على تغييب الحكم الصادر في حق بوعشرين لصحافي مرموق، من أصحاب الرأي الذي له تأثير في المجتمع، مشددا على أن بوعشرين وكل الصحافيين المهنيين يقومون بأدوارهم التي تمليها مهنة الصحافة لتنبيه السياسيين ومدبري الشأن العام إلى مواطن الخلل، والمفروض أن يتم التعامل مع هذا الدور كقيمة مضافة، فبلد بدون صحافة حرة وقوية يفتقد لركن من الأركان الأساسية لتوازن السلط. اعتقال تعسفي وإلى جانب تأكيده على أهمية افتتاحيات بوعشرين، وما تميزت به من وصف دقيق للأحداث والتعليق الجيد عليها، يتوقف الأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي في شهادته على الإجماع بأن محاكمة مؤسس "أخبار اليوم" شابتها خروقات قانونية، أظهرت أن القضية في المقام الأول سياسية. وفي ذات الصدد، عبر النقيب عبد اللطيف أوعمو عن أسفه للحكم الصادر في حق بوعشرين شكلا ومضمونا، والذي يؤكد أن استقلال القضاء بالمغرب له معنى خاص وليس عاما، معربا عن أمله في إطلاق سراح بوعشرين وكل معتقلي الرأي، كمؤشر لمواصلة المسار الحقيقي نحو إعادة بناء هرم الحريات والقضاء المستقل النزيه الذي نتمناه. الحقوقي والأستاذ الجامعي، عبد العزيز النويضي، تأسف بدوره لكون اعتقال بوعشرين حرم المغرب من قلم رفيع وتحليلات مفيدة، وألقى بظلال ثقيلة على وضعية حقوق الإنسان بالمغرب. وتوقف النويضي على موقف فريق العمل الأممي حول الاعتقال التعسفي، الذي وجد أن هناك مجموعة من المعايير المنتهكة، والتي تؤكد أن اعتقال بوعشرين تعسفي، وأكد النويضي على ضرورة أن يخرج المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن صمته في هذا الموضوع، ويتخذ موقفا على أساس مبادئ باريس، فإطلاق سراح بوعشرين لن يكون إلا إنصافا له. وخلصت الشهادات إلى التعبير عن الأمل في أن يطوى ملف الصحافي توفيق بوعشرين، وأن يخرج من زنزانته لممارسة المهنة التي اختارها طواعية رغم علمه المسبق بأخطارها، وأن يطفئ شمعته ال54 بين أحضان أسرته وقرائه.