قال الصحافي عبد الصمد الصالح، إن منه منذ اعتقال بوعشرين لا يمكن أن نقنع أحدا أن حرية الصحافة بخير. كيف تعرفت على توفيق بوعشرين؟ تعرفت على بوعشرين أول مرة خلال تجربته في رئاسة تحرير يومية “المساء”، وخصوصا من خلال عموده الذي كان يحتل موقعا في الصفحة الثالثة للجريدة. وكنت حينها أستعد لدخول معهد الصحافة، وقد مثلت لي تجربة “المساء” تحت قيادة بوعشرين وصحافيين آخرين حينها نموذجا للصحافة المهنية التي رغبت في العمل فيها مستقبلا. وفعلا، عملت لاحقا في يومية “المساء”، لكن بعد سنوات من مغادرة بوعشرين لها وبدئه تجربته الصحافية المميزة على رأس صحيفة “أخبار اليوم”، وهي بلا شك إحدى أنجح تجارب الصحافة المستقلة في المغرب، وسط واقع مهني نعرف جميعا أمراضه وعلاته. كيف تجد تجربته الصحافية؟ من الصعب أن يجادل أحد، بمن فيهم خصوم بوعشرين ومنتقدوه، حول تفرد تجربته المهنية المتميزة، وامتلاكه زمام الكتابة الصحافية، وخصوصا من خلال افتتاحياته اليومية التي كانت تحتل واجهة “أخبار اليوم”. وشخصيا أجد تجربة بوعشرين الصحافية مثالا للصحافة السياسية التي لا تكتفي بنقل أخبار الأحزاب والهيئات والمؤسسات، بل تضطلع بدورها الحيوي في التحليل الرصين للسياق السياسي للبلد، وتنخرط بشكل مهني في دعم الديمقراطية في البلاد والدفاع عن حرية التعبير وعن صحافة حرة ومسؤولة وذات مصداقية. تجربة بوعشرين المهنية تستحق فعلا أن تقدم نموذجا عمليا لإرساء أسس صحافة جادة تبتعد عن الرداءة والتهافت والجري وراء الإثارة الفارغة، لتقدم للقارئ خدمة إخبارية وتثقيفية وترفيهية ذات جودة. ويكفي أن جريدة “أخبار اليوم” ظلت دوما مفتوحة أمام الكتاب من مختلف الاتجاهات الفكرية والانتماءات السياسية. كيف تنظر إلى اعتقاله والحكم الابتدائي الصادر في حقه؟ من المؤسف جدا أن يقبع صاحب قلم متميز وكاتب لامع مثل بوعشرين خلف القضبان، خصوصا عندما نرى الطريقة التي جرى اعتقاله بها والتهم التي حوكم بسببها، والتي تسيء كلها إلى صورة بلد يكافح من أجل مواصلة مسار البناء الديمقراطي. لا يمكن أن نقنع أحدا أن حرية الصحافة في المغرب بخير ونحن نشاهد الطريقة التي جرى بها اعتقال بوعشرين، وباقي أطوار التحقيق معه ومحاكمته. أما الحكم القاسي الصادر في حقه ابتدائيا فتجاهل ما شاب أطوار الاعتقال والتحقيق والمحاكمة من شوائب أثارت العديد من الملاحظات الحقوقية والقانونية، وطرحت الكثير من علامات الاستفهام حول الملف ككل، في المغرب كما في خارجه. والمؤمل أن يستدرك الحكم الاستئنافي تلك الهفوات، وتأخذ القضية حجمها الطبيعي، ويكتفي القضاء بالقيام بدوره المجرد والحكم بناء على الأدلة القانونية والموثقة والأصلية. ما لا نريده ولا نتمناه لهذا الوطن هو أن تلتصق به صورة بلد يجيد البعض فيه الالتفاف على طبيعة الأشياء، من أجل الدخول من النوافذ بدل الأبواب في التعامل مع المخالفين، والتأثير على استقلالية الهيئات في سبيل تحقيق أهداف لا تخدم مسيرة مملكة تتطلع بأمل نحو المستقبل.