ليس الأمر قضية مصرية فقط، وإلا ما كان تدخل يوسف القرضاوي ليدعو المصريين لعدم خروج المصريين للتظاهر.. القرضاوي مفتي "الجزيرة" والداعي لخونجة العالم، نعم العالم بآسره، وإلا لما أسس هيئة لذلك بأوربا يترأسها.. فما المشكلة في الخونجة؟ تنسب "الخونجة" ل"الإخوان المسلمين" بمصر، وهي الحركة السياسية التي تأسست سنة 1928 على يد حسن البنا معتمدة مقومات دينية خاصة وفق تحليل خاص للوصول إلى السلطة.. وبقي "الإخوان" في مد وجزر منذ ذلك الوقت، مرة يساندون نظاما سياسيا كما وقع في بداية حكم جمال عبد الناصر ومع أنور السادات الذي "تصالح" مع إسرائيل.. وكانوا يواجهون في بعض الأحيان بقمع أو تتم محاصرتهم.. لكنهم حافظوا على تنظيم جد مهيكل، ثم توفروا على قوة اقتصادية، والآن على ملشيات شبه عسكرية، ولهم امتداد شعبي، خاصة أنهم يعتمدون "الدعم المادي" لبعض الفئات الاجتماعية، ما يجعل الفقراء وذوي الحاجة متعلقين بهم لظروفهم المعيشية الصعبة في غياب سياسة تنموية تقوم بها الدولة، وهناك تساؤلات يطرحها المصريون حول التمويل الخارجي لهذه الجماعة كما يكتب عن ذلك باستمرار علاء الأسواني في الصحف، ومع رفض الجماعة الإخوانية الكشف عن حساباتها ومصادر التمويل.. استغل "الإخوان" التذمر الذي خلفه النظام السابق، ورغبة المصريين في التغيير وضعف بقية المنافسبين بعد خلع حسني مبارك وإجراء الانتخابات.. ليستفيق المصريون على رغبة محمومة من تنظيم "الإخوان" للاستيلاء على الدولة برمتها وأساسا القضاء الذي بقي رافعا لواء "الاستقلالية" منذ زمن سابق، فغير الرئيس مرسي المدعي العام خارج المسطرة القانونية.. ثم أعلن الإخوان عن رغبة عارمة للاستيلاء على وسائل الإعلام وحصار الفنون وتعيين وزير للثقافة جاء لتصفية الحساب مع الثقافة والمثقفين، والشروع في تعيين محافظين من جماعة الإخوان.. وعلى المستوى الخارجي يسقط الحاكمون الجدد يوما بعد آخر في براثن الوهابية المدعمة من طرف دول خليجية، وقد احتضنوا اجتماعا موسعا للسنة برئاسة القرضاوي نفسه وتم التحريض على الشيعة ونعتهم بأقذح النعوت مما ألب البعض ضد الشيعة في مصر وتم قتل أحد زعمائها.. كما تعرض المسيحيون للحصار وحرق كنائسهم.. أصبح المصريون أمام واقع شبيه بعهد حسني مبارك، وتبخرت أمال الثورة في الحرية والإنعتاق، ووجدوا "رئيسهم" تابع لمجس الإرشاد وهو أعلى هيأة للإخوان المسلمين عوض أن يكون رئيس كل المصريين.. ولن ينسى المصريون قرار الرئيس بتغيير بنود الدستور اعتمادا على "مجلس الشعب" المطعون في صلاحيته، لقد غير أهم بند يمكن أن يحاسب الرئيس، ليصبح هو الحاكم المطلق في البلد.. أتاح مرسي الفرصة لتتجمع ضده كل الأطياف، من ليبراليين ويساريين وبقايا النظام السابق.. وحتى السلفيين لم يعودوا ينظرون إليه باعتباره حليفا لهم، واستقال أعضاء هذا التنظيم من المسؤوليات التي كانوا يتحملونها، خاصة في الاستشارية الرئاسية.. أصبح هم غالبية المصريين هو إزاحة الرئيس المنتخب، رغم أنه قضى فقط ما يفوق بقليل السنة في الحكم، ومبررهم هو تخليه عن الوعود التي جاء بها، وهي تطبيق مبادئ الثورة، وصيانة الحريات وتحسين مستوى العيش.. لقد توحدت كل أطياف المعارضة ضد سياسة الرئيس، وجمع نشطاء المجتمع المدني 16 مليون توقيع لإقالته، ودعوا الشعب لاحتجاجات مكثفة في كل ربوع مصر يوم الأحد 30 يونيو، (للأحد دلالة الدعوة لدولة مدنية وليس لدولة دينية)، وقد شرع المصريون منذ مساء الجمعة في التجمع بساحات المدن الكبرى.. فلماذا يعنينا ما يقع في مصر؟ كل عاقل وموضوعي يتشبث بمبدأ عدم التدخل في القضايا الداخلية لدولة أخرى، وهذا ما نؤمن به، فليس ما يعنينا في حالة مصر هو مناصرة طرف ضد آخر، ولكن هو استخلاص الدروس، فهل يجب أن نقف مع إقرار التعددية الحزبية والفكرية والثقافية في المجتمع؟ هل سنسعى لتكون الدولة في خدمة جميع المواطنين على قدم المساواة؟ أم تكون في خدمة فئة معينة وتحت سيطرة فئة معينة؟ هل ندافع عن الدولة المدنية التي تتيح لجميع الرؤى والأفكار والتنظيمات التواجد والعمل والسعي للسلطة عبر الانتخابات؟ أم يبقى التعدد شكليا أو ينمحي على مراحل بالمرة إلى أن ينقرض، فتجد الديكتاتورية كل المتطلبات لتنمو وتعشش وتمدد جذورها؟ فقد هدد مثلا منسق "لجنة دعم الرئيس" المصري جميع المصريين بتحويل مصر إلى دولة دينية كما نقلت ذلك القنوات الإخبارية ذلك طيلة يوم الجمعة وهو يخطب في حشد من الأنصار.. إن مكانة مصر وثقلها الثقافي والتاريخي والبشري وموقعها الجيوستراتيجي يجعل الأحداث التي تعرفها تؤثر في بقية البلدان المحيطة بها.. قلبنا على مصر، نتخوف من أن يتحول الخلاف إلى صراع دموي، ستكون الخسارات فادحة ليس على مصر فقط بل على محيطها كذلك.. وعلى "الجماعة الحاكمة" أن تعي أن الزمن اختلف وأن التعدد حق مشروع وأن الدولة يجب أن تبقى للجميع..