قبل البدء ينبغي التنبيه لمنزلق مفاهيمي خطير يهم توصيف اندماج الحزب العمالي و الحزب الاشتراكي داخل الاتحاد الاشتراكي عبر توصية باندماج العائلة الاتحادية، و الحال ان مفهوم العائلة يتعارض مع مفهوم المشروع الحداثي المبني بالأساس على التعاقد ، بينما مفهوم العائلة مبني على رابطة الدم، هذا التوصيف يدل على كون الرؤية المحافظة مغروسة بقوة في أصاحب التوصيف، و الحال أن تجميع الحركة الاتحادية، هي مرحلة تنطلق بالوعي بالمرحلة ، بضرورة التكتل من اجل اتحاد اشتراكي قوي يكون أساسا لكتلة حداثية تجمع كل القوى الحداثية، بغية الإعلان عن مشروع حداثي واقعي تقتضيه المرحلة لتجاوز صدمة التحديث التي تستوجب استلهام الثقافة الحداثية من رحم المجتمع المغربي. الكتلة الحداثية و فق ما تستلزم اللحظة، هي مفهوم أضيق من مفهوم الكتلة التاريخية لأنطونيو غرامشي ، و مختلفة من حيث الأطراف عن الكتلة الديمقراطية التي جمعتنا كاتحاد اشتراكي و حزب الاستقلال، على اعتبار أن الأولى كيفها الأستاذ عبد الجابري لمواجهة الاستبداد، بينما الثانية جمعت أحزاب الحركة الوطنية بهدف النضال الجماعي من أجل تكريس الخيار الديمقراطي . إن المطلبين تحققا بالفعل، بدسترة الخيار الديمقراطي أضحى خيارا لا رجعة فيه و بوصول حزب العدالة و التنمية للحكومة. هذا التحول النوعي يقتضي معه إعادة فرز طبعي، و هو الواقع الذي أفرزته انتخابات 25 نونبر 2011 بتشكيل حكومة بنكيران بأغلبية محافظة ، و بخروج الاتحاد الاشتراكي للمعارضة بغية تشكيل اختيار بديل عن اختيار حكومة بنكيران المحافظة . هذه المحطة عرفت ارتباكا في صفوف أعداء التغيير من الجانبين : الجانب الاتحادي ببروز النخبة العائلية التي تريد المحافظة على تحالف قديم بدستور جديد غير في المبنى و المعنى من خلال رفعها تحالف الكتلة الديمقراطية، و بعض القوى الانتهازية التي تدعو عن استحياء بضرورة الدخول في التجربة البنكيرانية من خلال الكتلة التاريخية. ان الجانبين لم يستوعبا التحول الذي افرزه الحراك الشبابي المطالب بالإضافة للحرية و الكرامة ، و الوضوح القيمي و هو الأمر الذي جعل المشهد السياسي يعرف لغطا بفعل تضارب المصالح و صل حد الانهيار القيمي بفعل طغيان العبث السياسي، الممارس من طرف جماعة بنكيران الأمر الذي يندر بصعوبات في عملية التحول الديمقراطي، و يؤشر بوجود منعطفا خطيرا يهدد الدولة والمجتمع، يستوجب منا كاتحاديات و اتحاديين وقفة حقيقة و إظهار الحذر و المسؤولية و الفطنة ، و التخلي عن الأنانية و التعاطي مع الشأن العام بمنطقنا المترسخ بالوطنية أولا و أخيرا . بعيدا عن عقدة الصراع الذي استطعنا بكل شجاعة و مسؤولية ضمان لتصالح الدولة مع ماضيها، و تفعيل قيمنا الاشتراكية التي تجعل منا كقوى باعت الأمل في للديمقراطية، مدافعين عن فوائدها في ترسيخ الشعور بالكرامة والحرية ، هذه المميزات تدفعنا بالضرورة لأن نكون صمام أمان للوطن . نعلن بميلاد تحالف جديد بتكتل جديد- كتلة حداثية ديمقراطية-، تتناول النقاش الحقيقي بدل مجارة واقع الانحطاط الفكري الذي يهدد البلاد والعباد ويحط من الثقافة القائمة على الاحترام المتبادل للأشخاص مهما اختلفت الأفكار، بفعل تعاطي الحزب الاغلبي مع الانتخابات بمنطق الغزوة الانتخابية، تحركه عقليته الشمولية حتى ولو "تدمقرطوا وتدستروا " فذلك لا يكون الا تقية في غاية بلوغ التمكين، و هذا الامر اتضح بوضوح للاصطدامات المتجددة لحزب العدالة و التنمية مع كل المؤسسات، ابتداء من شركائها في الأغلبية والمعارضة وبعض المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الدستورية( المحكمة الدستورية)، فضلاً عن صراعات أخرى مع المثقفين والنشطاء، يضاف إلى ذلك صدام صامت مع القضاء، ومواجهات تضرب في كل الجبهات مما لا يدع مجالا للشك ان جماعة بنكيران تلعب في آن واحد، في كل المسارح ، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب قبل الانتخابات المقبلة. ف "الإستراتيجية البنكيرانية" تقوم على افتعال التصادم مع كل المؤسسات في وقت واحد بغية تغطية الانتباه وربح أكبر وقت ممكن من أجل إحكام سيطرتها على أكبر قدر من مؤسسات الدولة، بهدف تشكيل نواة لدولة عميقة تخولها نشر فكرها وضمان التواجد السياسي بشكل أو بآخر مُستقبلاً. تحقيقاً لحلم "التمكين".هذا الواقع يقتضي توافقا وطنيا بين كل القوى الحداثية نظرا لصعوبة انفراد تيار سياسي واحد بمهام التحديث وإعلان كتلة حداثية تنشد التغيير السلمي بطريقة ديمقراطية في شكل كثلة حداثية تعمل على تجاوز دعاوى التنسيق بين الأحزاب الحداثية الممثلة في المؤسسة التشريعية إلى كل القوى الحداثية التي لها فعل في المجتمع أو التي بإمكانها الفعل، و لا يستثنى منها بصورة مسبقة إلا القوى الحداثية التي تضع نفسها خارجها" هذه الكتلة كما نتصورها بكونها ليست اندماجا بين أطرافها ولا تحل محلهم، بتشكيل حزب سياسي واحد بل هي فيدرالية أحزاب تعمل في إطار برنامج مشترك وعلى أساس برنامج اقتصادي و اجتماعي، يكون بديلا حداثيا. يمكن لأطراف الكتلة الحداثية العمل بكل حرية وشفافية، ويفسح المجال لإمكانية التنافس بين أطراف الكتلة الحداثية، على اعتبار أن التنافس هي قيمة صحية تخدم الصالح العام، وتمكن من تدبير اختلاف وجهات النظر، فالاختلاف هو أساس الفكر الحداثي، الذي يهدف إلى صيانة الخيار الديمقراطي. هذه الغاية تستلزم منا كحداثيين، صبرا وجهدا وروحا للإبداع، وما تتطلبه ممارسة السياسة بالتخلي عن كل أشكال الحقد والكراهية وصراعات الماضي، والانتصار للوطن أولا وأخيرا، والإيمان بكون المشروع الحداثي الديمقراطي يستوجب فسح المجال للجيل الجديد عبر بروز نخب حزبية حقيقية من كافة فئات المجتمع تشكل النواة الصلبة والدافع وراء الكتلة الحداثية ، والتي تجعل مصلحة الوطن فوق كل المصالح الشخصية أو الحزبية وتؤمن بقدرة الإنسان المغربي على الفعل والتغيير من أجل الوصول للتحرر والعدالة والكرامة. عبر تجاوز الأفكار الجاهزة ومراجعة التوابث الإيديولوجية المنغلقة ، وجعل فضاء الكتلة الحداثية فضاءا حرا ومسؤولا للتبادل والتأطير والالتزام ، يجمع المواطنين والمواطنات ويدبر الاختلافات والتناقضات وساحة لمقارعة المشاريع السياسية والتصورات المجتمعية ذات الارتباط القوي بالإنتظارات الوطنية الكبرى، هذا الفضاء يمكنه استيعاب تواجد الرأي المخالف الذي يبقى له الحق الكامل والحرية المضمونة في التفكير والتعبير والإبداع. بهذه القيم يمكن خلق حركية طبقية تساهم في تغيير التفاعلات داخل النسق الاجتماعي، على اعتبار أن الحركية الاجتماعية هي عملية بناء واكتشاف مستمرين من داخل المجتمع، وليس مشروعا منجز بشكل قبلي ومملوك لنخب بعينها دون أخرى . والتي تقف عاجزة مستسلمة أمام فزاعات الوهم واليأس والفشل والجمود والتقليد .فاللحظة تستوجب منا التزاما مسئولا ونوعا من الشجاعة والمحاسبة والمكاشفة ، تمكننا من مواجهة قوى البؤس الفكري والانغلاق الثقافي . فالكتلة الحداثية كتلة حزبية و إطار سياسي يستلزم مثقفين عضوين و سياسيين محنكين متشبثين بقيم الإخلاص للوطن، و ليس مثقفين انتهازيين تحرروا من كل القيم ، لا تحركهم سوى المنافع المادية و المعنوية، يغرقون الساحة السياسية في حركية العبث و التسفيه، بجعلها فضاء مبدعا يتجاوز اصحاب القوالب الايديلوجية المتقوقعين عن الذات و الرافضين للتغيير الممنهج و ان إدعوا التقدمية فهم غارقون في المحافظة، يرون من مصلحتهم الإبقاء على الوضع الراهن؛ و يحاربون بروز قيادات حداثية تقدر المسؤولية وترقى إلى مستوى اللحظة التاريخية ، وتتحلى بالعمل الجماعي بتشارك مع الآخرين، على اعتبار ان بناء المستقبل يقتدي تجاوز الجمود و النزعة العنترية ذات المعادلة الصفرية الغارقة في العقلية الإقصائية والاستعلائية وادعاء امتلاك الحقيقة ، فالمجال السياسي مجال يستوجب ممارسته بقواعده التي تستوجب البراغماتية ومراجعة الذات ، و الاعتماد على العقل بدل العاطفة في وضع برنامج العمل، والتصدي للتحديات، واستيعاب أخطاء الماضي من أجل تجاوزها وتقسيم العمل والاستعانة بالخبراء المتخصصين بدل الاتباع. إن توفر هذه المقومات ستمكن الكتلة الحداثية بالقيام بمهامها وإعادة التوازن للمجتمع عبر استخدام المساحات المتاحة للتحرك و كسب فئات جديدة متطلعة لولوج عالم الحداثة. عبر النزول إلى قاع المجتمع، من أجل تعبئة الشارع بشكل فعال، وكسب تأييد الأغلبية الصامتة من الجمهور والوصول على دعم الفئات المؤثرة من نخب المجتمع من مثقفين ورياضيين وتشجيع كل الحركات التي تنادي بالحداثة والكرامة والعدالة الاجتماعية وسط فئات المجتمع المختلفة والاستفادة من التحركات للضغط من أجل الإصلاح و تسريع المنجزات.