أكد محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن المرتبة التي يحتلها المغرب في مؤشر مكافحة الفساد مرتبة غير مرضية، وأن جميع الفاعلين، سواء الحكوميين أو غيرهم، يقرون بهذا الوضع. وعزي الراشدي، الذي عينه الملك محمد السادس سنة 2018 على رأس هذه الهيئة الدستورية المشكلة بموجب دستور 2011، ذلك لأسباب متعددة. وقال الراشدي، في حوار مصور مع موقع "لكم"، إن انتظارات المجتمع المغربي وكذا المجتمع الدولي هي انتظارات تتطور بشكل مستمر، وأن "ما نقوم به اليوم ليس هو ما ينبغي القيام به إذا أخذنا بعين الاعتبار هذه الانتظارات، ولو كان وضعنا الحالي هو نفسه في العشر سنوات التي خلت لكانت مرتبة متقدمة، فينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن وتيرة التقدم ينبغي أن تساير الانتظارات، وتساير تعقيد ظاهرة الفساد التي هي ظاهرة متشبعة ومعقدة، والمفسدون يطورون أساليب عملهم، فمن الضروري أن نعمل بوتيرة أكبر وبفعالية". وحول سؤال نجاعة الإجراءات التشريعية والمؤسساتية في الحد من ظاهرة الفساد يقول الراشدي أن "هناك إجراءات متعددة على المستوى التشريعي والمؤسساتي والإجرائي، لكن حينما نرى العوامل التي تؤدي للفساد وما قمنا به، فليس هناك علاقة مباشرة دائما، فبعض الإجراءات المتخذة ليست دائما هي ذات الأولوية"، مضيفا أنه ينبغي التركيز على الشمولية والإلتقائية بين جميع محاور محاربة الفساد لتجفيف بؤره، وأن الإجراءات المتخذة ينبغي أن يكون لها وقع قوي، فمثلا "إذا جعلنا منظومة التصريح بالممتلكات منظومة فعالة فسيمكننا ذلك من أن نتقدم بكيفية واضحة، وإذا كان هناك تأطير لأوضاع تضارب المصالح فسنتقدم ونقلص بكيفية واضحة من أوضاع الفساد، وإذا حاربنا الإثراء غير المشروع بكيفية تضمن الحقوق والواجبات لكل فاعل فسنتقدم، هذا إضافة للتعبئة فإذا انخرط الجميع من موقع مسؤوليته وكان هناك بناء لإعادة الثقة فسنتيح إمكانية خلق جبهة موحدة ضد الفساد" يقول الراشدي، دون إغفال "أنه في المستوى الزجري ينبغي إعطاء إشارة قوية أنه لم تعد هناك إمكانية الإفلات من العقاب". العزيمة والجرأة قبل الإرادة وحول سؤال الإرادة السياسية ونجاعة المؤسسات المخول لها الحد من ظاهرة الفساد يقول الراشدي أنه أكثر من الإرادة "ينبغي أن تكون هناك عزيمة وجرأة"، وأن "النتائج هي المحدد، ومادام ليس هناك نتائج فأن تكون هناك إرادة أو لا تكون ليس هذا هو المهم، فالمهم هو أن تكون لدينا قدرة لنصل لنتائج ويكون لها وقع ملموس من طرف الفاعلين والمواطنين والمستثمرين، وهذه النتائج ينبغي البحث عن تحقيقها في المدى القصير..وينبغي أن تكون هناك استراتيجية ورؤية متعددة الأبعاد". وعن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد(2015_2025) التي تدخل عامها السابع دون أن تحقق أهدافها المسطرة، حيث أن من بين الأهداف هو تحسين تموقع المغرب دوليا في مؤشرات إدراك الفساد، يجيب الراشدي بالقول إنه "من الأخطاء التي نسقط فيها أن نضع استراتيجية لمدة سنوات ونعتقد أننا سنقوم بالتقييم في نهاية المسار، الاستراتيجية موضوعة لنقوم بالتقييم بشكل مستمر وتحديد الأوليات ينبغي أن يكون بشكل ديناميكي .. فحين أتحدث عن استراتيجية جديدة فبالطبع ينبغي استثمارالاستراتيجية الوطنية المعدة سلفا .."، مضيفا أن أول تقرير نشرته الهيئة التي يرأسها سنة 2019 كان حول الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد و"كان بهذا التقرير تحليل موضوعي ونقدي يسير في اتجاه التقوية وأخذ الإيجابي وتجاوز المحدودية التي وقعت فيها الاستراتيجية الوطنية" موضحا أنه "على مستوى الحكامة كان هناك ضعف وهذا يمكن أن يفسر لماذا لم تكن هناك نتائج " مؤكدا أن "التكامل بين جميع القطاعات والمؤسسات هو أساسي ولا يمكن تحقيق نتائج دون هذا التكامل، والتسريع ليس في تسريع الإجراءات بل في الفعالية وكيفية التعامل مع الفساد والتضييق المستمر على الفاعلين في الفساد.." الفساد عائق اساسي أمام الديمقراطية وفيما يخص العلاقة بين مؤشري الديمقراطية وإدراك الفساد يفسر الراشدي أنه "لا يمكن أن تكون الديمقراطية متقدمة مع مستوى فساد عالي، فالديمقراطية تعني أن للمواطنين نفس الحظوظ ونفس الاستفادة من التنمية.. والفساد هو عائق أساسي أمام بناء ديمقراطية صلبة وأمام التنمية كذلك، و جميع الدراسات، منها لمنظمات دولية، تتحدث عن هذا، وعن وأن الفساد يعيق حتى الحفاظ على الديمقراطية، فإذا تفشى الفساد في بلد ديمقراطي فسيكون لذلك تأثير..". وحول فعالية مؤسسة القضاء في مكافحة الفساد يقول الراشدي إن "القضاء له حساسية كبيرة في مكافحة الفساد، وينبغي التقدم في هذا المستوى كي يكون أكثر نزاهة وأكثر نجاعة في محارة الفساد" موضحا أن عمل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة " لا يعوض المؤسسات الأخرى، ولكن القيمة المضافة للهيئة هو أنها ستطور إمكانيات خاصة في مجال الإلمام بتعقد ظاهرة الفساد وتكون لها إمكانية أن تلم بملفات معقدة، فالإفلات من العقاب لا ينبغي أن يظل له محل في الواقع المغربي، وأن توفر الهيئة للقضاء ملفات لها ثبوتية، إلا إذا ثبت العكس، وهذا سيجعل مساهمة الهيئة يكون فعالا وأن تأخذ الملفات التي ستتحرى حولها الهيئة مدى بعيد." وحول ما أثير من جدل حول سحب الحكومة لمشروع القانون الذي يتعلقبالإثراء غير المشروع يقول الراشدي" يمكن أن يكون السحب لإعادة النظر، وليس لدي معطى يقول أنه لم يبق له مكانة في التشريع المغربي، فتجريم الإثراء غير المشروع موضوع مهم وينبغي التعامل بحكمة وعقلنة وليس الدخول في بوليميك، وخلص الراشدي إلى القول: ""ليس هناك معطى يفيد أن تجريم الإثراء غير المشروع لم تبق له مكانة في التشريع المغربي وسننشر قريبا رأيا متقدما حول هذا الموضوع". وكشف الراشدي أن من بين التوصيات التي تقدمت بها الهيئة في هذا المجال هو تخصيص قانون لجريمة الإثراء غير المشروع لضبطها أكثر، لأنه ينبغي أن تكون لها المقومات القانونية كجريمة وكيفية إثباتها وكيفية ضمان حقوق المعنيين بالأمر لاحترام المقتضيات الدستورية، مشيرا إلى أنهم "في إطار تثمين رأي متكامل ومتقدم جدا في هذا الموضوع وكيفية التعامل معه من خلال خبرات بلدان أخرى تعاملت مع الموضوع، وسننشر قريبا رأيا متقدما حول هذا الموضوع".