اعتبر محمد بشير الراشدي، رئيس “الهيئة المغربية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، أنه لن تكون هناك تنمية بالعالم العربي في ظل استشراء الفساد. وفي مقابلة مع الأناضول، قال الراشدي إن “الفساد يضرب مقومات الديمقراطية وأسس وسيادة دولة القانون، وهو السبب الرئيسي في اللامساواة الاجتماعية والمجالية”. وأضاف: “يترتب عن الفساد انعدام ثقة المواطنين في المؤسسات، بل التشكيك في إرادة وعزم المؤسسات وقدرتها على مكافحة الظاهرة، وتحقيق أهداف المواطنين في التنمية، لأن هناك علاقة وطيدة بين انخفاض مؤشرات الفساد وإمكانات التنمية”. وشدد الراشدي على أنه “لا تنمية بالدول العربية في ظل وجود الفساد، منتقدا مؤشرات وأرقام الفساد بالدول العربية، والتي قال إن البعض منها يعود إلى 10 سنوات خلت”، واصفا إياها ب”القديمة”. وحذر المسؤول المغربي من وجود “ضعف في المعطيات الكمية لدى الدول العربية، وافتقادها لأرقام حديثة” بهذا الشأن. وأكد الراشدي على “ضرورة تحديث المعطيات بالدول العربية، من أجل إرساء مرصد لتجميع المعطيات وتحليلها، والقيام بدراسات مكملة للإلمام الموضوعي بالظاهرة”. وبخصوص غياب الإرادة لدى عدد من الدول العربية لمحاربة الفساد، أشار إلى أنه “من الصعب التحدث عن الإرادة السياسية، لأن لكل بلد خصوصيته”. ويرى الراشدي أن “شعار إسقاط الفساد كان حاضرا في (ثورات) الربيع العربي لسنة 2011، وعاد هذا الشعار على رأس مطالب الشعوب والمواطنين حاليا”. وتابع موضحا أن “المطالبة بإسقاط الفساد لم يعد مقتصرا على الدول العربية، بل طال عددا من البلدان الأخرى، بما فيها المتقدمة، حيث يرفع مواطنوها شعارات برفض اللامساواة والفوارق الاجتماعية الناتجة عنه، في مطالب تتقاسمها جل الشعوب”. ومما يفاقم من خطورة الوضع، يقول الراشدي، هو التطور الكبير الذي عرفته ظاهرة الفساد حيث تنامت وازدادت تعقيدا، بالنظر إلى التطور التكنولوجي والقنوات المالية، وتعدد منافع المفسدين وطرق اشتغالهم. ومضى يقول: “لا يمكن محاربة الفساد بمجموعة من الإجراءات المتفرقة، لذلك كان هناك تفكير بالسنوات الأخيرة في المقاربة الشمولية التي تتبنى استراتيجية متكاملة، فرضت نفسها بمجموعة من الدول”. واعتبر أن “هذه الاستراتيجية المتكاملة تستجيب لإدماج التوعية والتواصل والوقاية، أي يجب تخفيض بؤر الفساد من أجل مواجهة المفسدين من أصحاب النفوذ”. ورفض الراشدي مقولة أن الفساد “ثقافة” بعدد من الدول العربية، مؤكدا أن الظاهرة “نتاج لوضع سياسي واقتصادي واجتماعي”. وقال: “يمكن أن يكون الفساد متفشيا بكيفية كبيرة، ولكن الأمر لا يجعله نابع من ثقافة، بل هو نابع من بيئة تدفع المواطنين إلى الفساد والرشوة من أجل قضاء مصالحهم، أو الحصول على ميزات ليست من حقهم”. وبحسب الراشدي، فإن “العزيمة والجرأة في محاربة الفساد تدفع المواطنين للانخراط في محاربته”. استراتيجية متكاملة وفي معرض حديثه عن أهم الخطوات لمحاربة الفساد، قال إنها تتمثل في بلورة استراتيجية متكاملة، تعتمد على جميع الطاقات المؤسساتية والمجتمعية من أجل النهوض بدينامية متكاملة وخلق الجو للحد من الظاهرة. وأوضح: “قبل 2015، كانت البرامج الحكومية في المغرب تضم إجراءات متفرقة تسعى إلى التقليص من الرشوة قطاعيا، وتبين عدم جدوى هذه المقاربة، مما جعل المغرب يعتمد وينفذ استراتيجية متكاملة بدأ تنفيذها عام 2016”. وأشار إلى أن 2019 عرفت محطة لتقييم نتائج استراتيجية محاربة الفساد، وتبين أن أسسها متينة، و لها مقومات متعارف عليها دوليا. ومستدركا: “ولكن من الناحية التنفيذية، كان هناك ضرورة العمل أكثر على التنسيق بين القطاعات، مما جعل الهيئة تقترح إعادة هيكلة الاستراتيجية، وتقوية وتدقيق مضامينها في اتجاه الانسجام وتحديد الأولويات، والوصول إلى الأثر المأمول، سواء تعلق الأمر بالأثر لدى المواطن أو المستثمر أو الفاعل الاقتصادي والمؤسساتي”. وأعرب عن أمله بأن تكون 2020 “سنة تحقيق النتائج الأولية والإيجابية، لأن الفترة السابقة اتسمت بالإنجازات، ولكن النتيجة لم يكن في مستوى الجهود المبذولة والتشريعات والإصلاحات المعتمدة”. مؤشر مدركات الفساد الراشدي أشار إلى أن المغرب تقدم بعدة درجات في ترتيب إدراك الرشوة، معتبرا أنه ذلك “لا يعني أننا في مستوى انتظارات المواطنين والأهداف المحدد في الاستراتيجية، وأن هذا التقدم إيجابي ولكن غير كاف”. وتقدم المغرب في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2018، بثلاث نقاط في التقرير الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، منتقلا من الرتبة 81 إلى 73، من أصل 180 دولة. وكشف الراشدي أن الهيئة بصدد إرساء أسس مرصد لمتابعة ظاهرة الرشوة وقياسها بشكل موضوعي، وكيفية تمظهرها في حياة المواطنين والقطاعات. وقال إن تقريرا للبنك الدولي صدر منذ عشر سنوات، قدر كلفة الفساد على المستوى العالمي بنحو 1000 مليار دولار سنويا. وبحسب المسؤول المغربي فإن “اللجنة الاقتصادية الإفريقية، التابعة للأمم المتحدة، اعتبرت خلال هذه الفترة أن إفريقيا تفقد ما يفوق 146 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل أكثر من 6 % من ناتجها الإجمالي الخام”. وحذر من أن “الانعكاسات السلبية للرشوة أكثر بكثير مما نتوقع، وأن الرشوة تفقد عددا من الدول العربية أكثر من 2 أو 3 من نقط النمو سنويا”. وأكد: “ليس هناك تنمية في ظل وجود الفساد، لأن الظاهرة تضرب قواعد الوصول إلى الموارد والتوزيع العادل للثروة، وبالتالي تضرب قدرات أي بلد في استغلال الإمكانات والكفاءات لتحقيق التنمية”.