في قراءة بسيطة لكيفية وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة السلطة؛ وإلى حد الساعة لم يصل بعد إلى الحكم، نستحضر، أمواج بحر الربيع العربي، أفواج وشعارات حركة 20 فبراير، ومنطوق دستور فاتح يوليوز2011، وانتخابات 25 نونبر التشريعية من نفس السنة، والتي تعتبر أول مؤشر على أن للمغرب عزيمة للقطع مع الماضي، مع التزوير، مع التسلط، مع الهيمنة الفوقية. فكان الإختيار صائبا على حزب العدالة والتنمية لقيادة الحكومة الجديدة، وعين الأستاذ بنكيران كرئيس لها. أنذاك الكل صفق وشجع، من دَخَل للحكومة رَحَبَ، ومن بَقِيَ خارجا استلطف الأمر ووعد بمساعدة الحكومة الجديدة لتحقيق الديمقراطية المنشودة لجميع المغاربة عبر معارضة حقيقية في النقد والتصويب. وانفتح الإعلام أيضا على القادمين الجدد للحكم ودفن معهم خلاف الماضي. مع مرور الأشهر الأولى، أو ما يسمى بفترة شهر العسل، قامت حكومة بنكيران بالتشجيع على انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراي، أصدرت مرسوم الزيادة في المحروقات، هاذين الحدثين المهمين لما بعد تمرير الدستور، وكأنهما من أكبر المهام الموكلة إلى بنكيران وحكومته. بعد صدور مشروع دفتر التحملات لإصلاح قطب الإعلام العمومي؛ شحدت الأقلام وأزبدت الأفواه ضدا على ما أسموه الأدلجة الأصولية للإعلام حتى وصل الأمر إلى تغيير رأس المؤسسة العليا لمراقبة الإعلام السمعي البصري (الهاكا)، وبعدها رموا بسهامهم على من له "حق التعيين" في المناصب السامية، واتهمو بنكيران بعدم أهليته كرئيس للحكومة وأنه غير قادر على المنصب، وهل سيستأثر حزبه على هذه الوظائف، ثم بعد ذالك نشب الجدال حول اقتصاد الريع والمؤذونيات، السكن الوظيفي، الموظفون الأشباح، قانون الجمعيات، قانون تزويج القاصر....يلهونه في معارك جانبية لإرهاقه وإبعاده قدر الإمكان عن الملفات الكبرى. كانت المعارضة جدية، تريد رأس بنكيران وبأي ثمن، وتريد حزب العدالة والتنمية جثة هامدة وبذالك تدفن جموح الملتحين في القضايا السياسة، وتفرغ الطريق منهم للإنقضاض على بقرة الحكومة. كانت المعارضة مركزة، في قصف مستمر تدك الحكومة عبر إعلام هجومي وبخطة "بربوغاندا مختبرية" مدروسة لتشويه الحكومة الملتحية ولِتُشِينَ من وضع بنكيران السياسي : يكفي الحكومة نصف إسلامية أنها أدت الأدوار التي جاءت من أجلها؛ تمرير الدستور الجديد، إفراغ الشارع من حركة 25 فبراير، تطبيق القرار المخيف أي الزيادة في أثمان المحروقات مع ضمان تقبل الشارع له، ثم بعد ذالك الوقوف في وجه الأطر المعطلين حيث لم يعد هناك مجال للوظيفة بدون مباراة، وإلى ذالك خلق نقاش حول صندوق المقاصة وكأن الحكومة تطعم الشعب من خزينتها. انتهت أدوار الوزراء الملتحين، القررات الصعبة مُرِرَت بسلاسة ودون مواجهات في الشارع، بفضل الضمان السياسي ذو الخلفية الإسلامية، وعلاقة ممثليه المتينة بمختلف اطياف الشعب. انتهى، لايمكن أن يسمحوا لبنكيران بمحاربة الفساد واقتصاد الريع وتطبيق برنامج حزب العدالة والتنمية الإسلامي. على حليمة العودة إلى عادتها القديمة، الملتحين إلى المعارضة والمعارضة التي أرهبتها فيالق حركة 20 فبرار تريد مكاتب السلطة و الحكومة من جديد. أبان بنكيران وفريقه الحكومي على انسجام سليم أمام الهجوم القاسي للمعارضة، وأمام الإعلام الذي أبان عن عدم صدقيته مع الحكومة في الكثير من الأحداث. وهنا كان حزب الإستقلال يمهد الطريق للدكتور عبد الواحد الفاسي لخلافة الأستاذ عباس الفاسي، وكان السيد حميد شباط يدعم هذا الطرح وعيْنُهُ على رئاسة الحزب لما بعد السيد عبد الواحد الفاسي. الكثير من الماء في الصيف الحار، جرى من تحت القناطر السياسية. استنتجوا على أن قوة وصلابة بنكيران لايمكنها الخلخلة إلا عبر أحد أعمدة الحكومة المنسجمة، فكان السيد حميد شباط ذكيا لاستغلال هذا الطرح، لأن أعداء الأمين العام السابق في حزبه سيؤيدونه من جهة وسيكسب أعداء بنكيران في المعارضة السياسية كحلفاء له خارج الحكومة، وبذالك يربح شباط قيادة سياسة حزب الإستقلال من الداخل و ربما الإطاحة ببنكيران في الحكومة ليربح قيادة المعارضة من الخارج ورسم أفق جديد لقيادة حكومة جديدة. السيد شباط أتى ليحرج السيد بنكيران من داخل الحكومة وعلى نار هادئة(1)، وليزيحه من الرئاسة، و ما بيان الإنسحاب الصادر عن برلمان حزب الإستقلال عشية يوم السبت 11 ماي 2013، إلا لمزيد من الإبتزاز السياسي وهو سهم في مقتل، وإذا ما فُعِلَ ذالك القرار من قبل اللجنة التنفيذية للحزب أو من خلال سؤال للفصل 42 من الدستور الجديد، وما ستكون علاقة هذا الفصل (42) بالفصل (19) من دستور 1996. هنا سنعاين جميا نحن المغربة أول تمرين دستوري حقيقي يواجه تشكيلة الجهاز التنفيذي وعلاقته بأغلبيته في الجهاز التشريعي. أعود لأقول في حالة تفعيل إعلان المجلس الوطني لحزب الميزان، لا محالة سيطالب شباط من داخل البرلمان المغربي بمقترح حجب الثقة عن حكومة بنكيران، وبما أن الحكومة ستكون قد فقدت الأغلبية بانسحاب برلمانيي شباط، فإنها ستتحول أطوماتكيا إلى حكومة تصريف أعمال إلى أن تجرى انتخابات جديدة، اللهم إذا كان الأستاذ الفزيائي بنكيران قد وفر خلطة سياسة نوعية، وجمع في مخيلته كل السيناريوهات مكتملة التي يوفرها له الدستور الجديد والفرق الحزبية المنتخبة، أنذاك سيفك لغز هذا التمرين –المسألة – المعادلة بمجاهيل متعددة- ويقلب بها حسابات معارضيه القدامى والجدد وما الحزب الدستوري وحزب الأحرار إلا في مقدمة الحل، أنذاك سينقلب السحر على الساحر. لنرى ماذا ستحمل الأيام القادمة؟. محاولة إسقاط جدار الحكومة، خلخلة سياسية حقيقية، التشبث بها سيخلف إعصارا سياسيا داخل المغرب لا محالة، الكلام عن الأزمة الإقتصادية، ومشاريع القوانين التكميلية للدستور، والبطالة....وو...عموما واهم من يظن أن الأزمة تمر مرور الماء البارد، فما الوضع إلا ككومة قش تحوم حولها شرارات نيرا نية، وما أكثر "النافخين" في هيجان نيرانها، "فمصرنة" المغرب أو "تونسته" نموذج في مخيلة الإنتهازيين والمصلحيين الذين ألفوا الإسترزاق على آلام الشعب، ولن يكون الضحية الأولى والأخيرة سوى ذلك المواطن المقهور على أمره. *كاتب إعلامي (1) *انظر المقال: "طموحات شباط...أمين عام حزب الاستقلال وماذا بعد؟"بتاريخ 01/10/2012