تعاني جماعة طنجة من خصاص مهول على مستوى الموارد البشرية، في ظل استنزاف كتلة الموظفين عبر الإحالة على التقاعد، وتوقيف عملية التوظيف منذ سنة 2013 إلى اليوم، بالإضافة إلى ضعف الكفاءة والتخصص، مما صعب عملية تدبير الملفات وتجويد الخدمات. وتقول جماعة طنجة إن واقع الموظفين لديها انعكس على جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين، مبرزة أن قطاع التوظيف لا يرقى إلى مستوى تطلعات تدبير الشأن العام المحلي ولا يواكب التحولات المجتمعية. وفي هذا الصدد، دعت فعاليات إلى فتح باب التوظيف، وإتاحة الفرصة للكفاءات لتولي مناصب المسؤولية حسب الاستحقاق والجدارة بدل المصالح الحزبية أو المصالح المنفعية الضيقة، مؤكدة في تصريحات متفرقة لموقع "لكم"، على ضرورة جعل الموظف الجماعي جزء في القرار فهو الحامل للاختصاص والأقرب إلى الرأي الصائب. أرقام دالة وحسب الأرقام التي حصل عليها موقع "لكم"، فإن عدد موظفي جماعة طنجة، كان قبل سنة 2013 يفوق 2000 موظف، حيث تشير المعطيات إلى أن العدد نزل سنة 2013 إلى 1762، و1706 سنة 2014، ثم 1569 موظف سنة 2015، ليواصل نزوله ويصل سنة 2016 إلى 1550، و2017 إلى 1472 موظف، و 1402 سنة 2018، ليتفاجأ الجميع سنة 2019 بنزول عدد الموظفين إلى 1310، و 1296 سنة 2020، و 1210 سنة 2021 موظف بجماعة طنجة. 1210 هو عدد موظفي جماعة طنجة في الوقت الحالي، حيث يتوزع على الجماعة والمقاطعات كالتالي، جماعة طنجة 561، مقاطعة بني مكادة 247، ومقاطعة طنجةالمدينة 172 ، ومقاطعة السواني 117، في حين لا يتجاوز عدد موظفي مقاطعة مغوغة 113 موظف. أما من حيث السن، فإن الموظفين يتوزعون على الشكل التالي، 65% فوق سن 50 سنة، 29% بين 40 و 50 سنة، 6% أقل من 40 سنة. ولا يتجاوز عدد الأطر العليا، 259 إطارا، في مدينة مليونية،135و 135 إطار متوسطا، أما عدد الأطر الصغرى فإن عددها يمثل كتلة مهمة تصل إلى 816. ودائما حسب المعطيات التي حصل عليها موقع "لكم" من جماعة طنجة، فإنه سيحال على التقاعد في هذه الفترة الانتدابية بين 2022 و 2027، 62 سنة 2022، و 23 سنة 2023، و 61 سنة 2024، و 79 سنة 2025، و 76 سنة 2026، و 81 موظف سنة 2027، مما يعني أن جماعة طنجة التي تعتبر من المدن التي تشتغل على نظام وحدة المدينة، ستفقد في أفق 2027 ما يقارب 382 موظف. وتعاني هاته البنية أيضا من ضعف حضور النساء ،( 295 نساء في المقابل 997 رجال) . اختلال بنيوي محمد غيلان الغزواني النائب الأول لعمدة طنجة، في تعليقه على هذه الأرقام، قال في تصريح لموقع "لكم"، يعرف ملف الموظفين اختلال بنيوي تراكم عبر المجالس التي تعاقبت على تدبير الجماعة وعلى راس هذه الاختلالات عملية التوظيف التي كانت لا يراعى فيها معيار الكفاءة والتخصص حيث كان يدبر هذا الملف بتدخل المنتخبين فلا يمكن أن تتوظف دون تدخل من منتخب او رئيس، مشيرا إلى أن هذا الفعل أثر بشكل واضح على الكفاءة والتخصص. الاختلال الثاني، حسب غيلان الغزواني هو توقيف عملية التوظيف منذ سنة 2013 إلى اليوم، بالإضافة إلى استنزاف كتلة الموظفين عبر الإحالة على التقاعد كاختلال ثالت. وأكد النائب الأول لعمدة طنجة، أن هذه المعطيات الرقمية تنعكس على جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين، مبرزا أن قطاع التوظيف لا يرقى إلى مستوى تطلعات تدبير الشأن العام المحلي ولا يواكب التحولات المجتمعية. أما بخصوص ما تحتاجه جماعة طنجة من كفاءات في ظل المهام التي أصبحت تضطلع بها، قال غيلان، نفتقر إلى مهندسين معماريين ومدنيين، وإلى أطباء في قسم الصحة، وإلى تقنيين في المجال البيئي، وأيضا إلى تقنيين في مجال الاعلاميات والبرمجة، هذا فضلا عن تقنيين في الكهرباء، معلقا، وبهكذا خصاص في الكم والكيف يصعب تدبير الملفات وتجويد الخدمات. لجوء الجماعة إلى خدمات القطاع الخاص عدنان المعز رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات وأبحاث التنمية المحلية، فقد اعتبر في حديث مع موقع "لكم"، أن دستور المملكة المغربية لسنة 2011 عمل على ترسيخ خيار اللامركزية ، وهو ما يعني الاعتماد على الجماعات الترابية كرافعة تنموية إلى جانب الدولة ، وبالتالي تم تخويل الجماعات الترابية صلاحيات جديدة وهامة، لا يمكن مزاولتها بصفة ناجعة وفعالة دون الاعتماد على أداء عالي للمنتخبين ولموظفي الجماعات الترابية حتى تتمكن الجماعات من بلورة برامجها التنموية والعمل على تنزيلها على المستوى الترابي في إطار رؤية شمولية. وأضاف الباحث في تدبير الشأن العام المحلي، أنه وبالرغم من المجهودات المبذولة لرفع قدرات العنصر البشري وتأهيله، ليكون فعالا وذا مردودية عالية، إلا أن واقع الحال والمؤشرات المسجلة تظهر ضعف جلي سواء من الناحية الكمية العددية أو من ناحية نوع الكفاءات التي تتوفر عليها الجماعات الترابية . وتعرف الجماعة نقصا حادا في بعض الأصناف الوظيفية ، يضيف عدنان المعز، خاصة الأطر العليا والمتوسطة من قبيل المهندسين المعماريين والمدنيين والأطباء إضافة إلى الأطر التقنية المتوسطة. وهو ما عزز توجه المكاتب المتعاقبة على تدبير جماعة طنجة اللجوء إلى خدمات القطاع الخاص من خلال إبرام صفقات عمومية في تدبير عدد من المرافق والخدمات العمومية الجماعية المقدمة للمرتفقين ، من قبيل تدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها ،صيانة الإنارة العمومية ،صيانة الطرق والمناطق الخضراء ،الحراسة، النقل …،وهو ما مكن الجماعة من تقديم تلك الخدمات التي تدخل باختصاصاتها قانونا وتجاوز عقبة النقص الحاد في مواردها البشرية المتخصصة . تجميد التوظيف بقرار من وزارة الداخلية وقال عدنان المعز، إن قرار فتح الوظيفة الجماعي أمام الأطر الشابة النوعية المتخصصة، اصطدم بقرار وزارة الداخلية بتجميد التوظيف بجميع أسلاك الجماعات مما فاقم الخصاص الحاصل بالموارد البشرية للجماعة ، رغم أن كتلة الأجور بجماعة طنجة لا تطرح إشكالا بحيث أن كتلة الأجور بجماعة طنجة هي كتلة لازالت متحكم بها بالمقارنة بجماعات مثيلة لجماعة طنجة ، بحيث لا تتجاوز نسبة 20 %، وهي من أحسن النسب على المستوى الوطني في قطاع الجماعات الترابية ، حيث بلغ المخصص المالي لكتلة الاجور ما يناهز 112.983.564.14 سنة 2010 و133.595.317.30 سنة 2019 . عوائق تعيق مساهمة الموظف الإيجابية ويعرف الموظف الجماعي، حسب عدنان المعز الأستاذ والباحث في الشأن المحلي، مجموعة من العوائق تعيق مساهمته الإيجابية، من قبيل، تقادم النظام الأساسي الخاص بموظفي الجماعات، والمحدث بموجب المرسوم 27 شتنبر 1977 ،والذي أصبح لا يستجيب البتة لتطلعات الموظفين بل يكرس الحيف بين الموظف الجماعي وبعض القطاعات الحكومية التي تتشابه مهامها مع مهام الموظف الجماعي ، وزارة المالية على سبيل المثال، بالإضافة إلى ضعف وجود هيكل حديث ووصف تحليلي للوظائف والمهام التي تحدد الواجبات والمسؤوليات والمؤهلات المطلوبة في الموظف الجماعي . ومن المعيقات الأخرى التي أشار إليها الباحث في حديثه مع "لكم"، عدم تناسب بعض الموظفين المختارين للمسؤوليات للمهام المطلوبة سواء من ناحية النوع أو الأعداد التي يتطلبها القسم أو المصلحة، فضلا عن وجود فائض في بعض الوظائف ووجود عجز في بعض الوظائف الأخرى، مع عدم تناسب بين الشهادات المحصل عليها من طرف الموظف الجماعي والوظائف المسندة له بالجماعة، ثم غياب إستراتيجية شاملة وواضحة للتكوين المستمر، حيث أغلب الدورات التكوينية هي تقتصر على الشق القانوني النظري وغياب التكوين المتخصص . وخلص رئيس مركز ابن بطوطة، إلى أنه من الصعب الرهان على الجماعات الترابية في موضوع التنمية المحلية في ظل المعيقات المالية والهيكلية التي تعاني منها، وهو ما يفترض مد الجماعات بالموارد البشرية الكفؤة و المتخصصة لتواكب تطور الخدمات المقدمة خصوصا في اطار انخراط المغرب في إطار مبادرة الحكومة المنفتحة ورقمنة الخدمات الجماعاتية، داعيا إلى إتاحة الفرصة للكفاءات لتولي مناصب المسؤولية حسب الإستحقاق والجدارة بدل المصالح الحزبية أو المصالح المنفعية الضيقة ، وجعل الموظف الجماعي جزء مهم في القرار فهو الحامل للإختصاص والأقرب إلى الرأي الصائب، وذلك لكي تنسجم الجماعات الترابية مع روح ومنظور اللامركزية المحلية كقاعدة للديمقراطية المحلية. إغراق الجماعة بالأنصار الحزبيين من جهته، اعتبر هشام ابن السالك الباحث في الشأن المحلي الموارد البشرية بالجماعات الترابية، عنصرا مهما و شريكا أساسيا في دوران عجلة التنمية المحلية، مبرزا في تصريح لموقع "لكم"، أن الموظف الجماعي قد يكون أحيانا هو حجرة الزاوية في إنجاح برامج عمل الجماعات ومخططاتها التنموية، خصوصا في شقها المتعلق بالتنزيل والتنفيذ، كما قد تكون الإدارة الجماعية عائقا أمام كل هذا . وأشار ابن السالك، أن كل هذا يسري على جماعة طنجة خصوصا وأنها من الجماعات الكبرى التي تخضع لنظام المقاطعات، و نظرا للكم الهائل الذي تحتاجه جماعة طنجة من أجل السير الإداري العادي. وأوضح المتحدث، أن مدينة طنجة قد عرفت في عهد المجموعة الحضرية وقبل نظام وحدة المدينة و بسبب حسابات سياسية وانتخابية و حزبية إغراقا بالموارد البشرية غير المؤهلة لممارسة العمل الاداري والفاقدة لأي كفاءة وتفتقد لأي شهادات أو دبلومات، معتبرا أن جماعة طنجة لطالما كانت ساحة مجالا للصراع والتنافس الانتخابي بحيث أنه كلما حل موعد الانتخابات الا وانتقل التنافس إلى داخل الإدارة الجماعية ، كما أنه كلما انتخب رئيس جديد إلا و أغرق مصالح الجماعة بأنصاره وأعضاء حزبه وكل هذا على حساب الكفاءة والاستحقاق الذي لا يمكن تحقيقه الا على أساس التنافس والتباري من اجل الولوج الوظيفة الجماعية. تأجيل التوظيف بسبب إنهاك الميزانية أما الفاعل الجمعوي حسن الحداد، فقد اعتبر أن الحديث عن الموظفين التابعين للجماعات الترابية يدفعنا بالضرورة عن الحديث عن الأدوار المهمة التي تقوم بها الجماعات الترابية وكذلك المقاطعات بالنسبة للمدن التي تعرف نظام وحدة المدينة، مشيرا إلى أن المؤسسات المنتخبة هي الادارات التي تجسد مفهوم إدارة القرب لدى المواطن بسبب كثرت اختصاصاتها، ولهذا فالموظف الجماعي يجب أن تتوفر فيه كثير من الشروط كي يستطيع القيام بواجبه. وأضاف الحداد، بما أن الجماعات الترابية هي الملجأ الأول للمواطنين وفيها تقضى معظم حاجاته بدءا من رخص البناء و الشواهد الإدارية و الرخص التجارية وغيرها، لهذا لا يمكن أن تعرف الجماعات الترابية أي نقص أو خصاص في المواد البشرية و التي يجب أن تكون مؤهلة و مكونة ، متأسفا كون وزارة الداخلية لم تعد تعلن عن مباريات التوظيف التي كانت دائما هي من تتكلف بهذا الإجراء كلما كان هناك نقص بمختلف الدرجات (المحررين، التقنيين، المساعدين التقنيين، المساعدين الإداريين، المهندسين، الأطباء...) حيث أصبح اليوم امر التوظيف متروكا لكل جماعة او إقليم أو بلدية حسب النقص و الاختصاص و الدرجات وهي من تتحمل أداء الأجور ( الجماعة) ، إلا أن هذه العملية أثرت بشكل مباشر على السير العادي لبعض الجماعات. وأشار حسن الحداد، إلى أن جماعة طنجة ظلت لسنوات تعاني من العجز في ميزانيتها بسب غياب الحكامة في التسير وكذلك بسبب كلفة الأجور التي انهكت الميزانية مما جعل جماعة طنجة تؤجل التوظيف رغم الخصاص المهول التي تعرفه كثير من الأقسام، مما أثر على مستوى قدرات الموظف الجماعي على مسايرة إيقاع الإصلاح الإداري الذي انخرط فيه المغرب (الإدارة الإلكترونية). وخلص المتحدث، إلى أن النقص الحاد الذي تعرفه جماعة طنجة على مستوى الموارد البشرية يرجع بالأساس إلى عجز ميزانيتها التي لم تعرف الاستقرار منذ سنوات عديدة وظلت ليومنا غير قادرة فتح باب التوظيف لسد الخصاص ثم كذلك عجز الميزانية لم يترك أية فرصة للجماعة في الانخراط في تكوين الموظفين التابعين لها باستثناء بعض الدورات التكونية المحدودة التي لم تكن ذات نجاعة كبيرة.