أثيرت في الآونة الأخيرة عدة نقاشات وإشكالات دستورية على اثر قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي بالانسحاب من الحكومة وتفويض أمر تصريفه للجنة التنفيذية ، هذه الأخيرة التي رفعت مذكرة إلى عاهل البلاد تشرح فيها أسباب ودواعي هذه الخطوة وذلك بالاستناد إلى الفصل 42 من الدستور "هذا الأخير الذي عوض الفصل 19 من دستور 1996" هكذا نجد الفصل 42 ينص على كون الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الأسمى بين مؤسساتها يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة... وعليه فاللجوء لهذا الفصل كان منطقيا خصوصا إذا تم العودة إلى القاموس المتداول منذ مدة من طرف قيادة حزب الاستقلال التي تدعي فيه بأن المشكل يكمن في السير العادي للحكومة الأمر الذي يستدعي تدخل الملك باعتباره الساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية كما يدعي حزب الاستقلال بأن الخيار الديمقراطي الذي يتطلب نهج المقاربة التشاركية والحوار بين كافة الفرقاء فيما يخص مسألة تنزيل الدستور انحرف عن سكته مما يهدد أحد ركائز الدستور المغربي والذي يعتبر الملك ضامنا له لهذه الأسباب والمبررات ما دفعت بحزب الاستقلال إلى اللجوء لهذا الفصل 42 ولم يلجأ للفصل 47 من الدستور مباشرة هذا الفصل الذي يمنح للملك بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم كما يعطي نفس الفصل لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة كما يمكن له أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية. انطلاقا من مضمون ما سبق يظهر جليا أن الأمر يتجاوز مسألة تغيير وزراء بآخرين أو حتى مسألة انسحاب حزب واستبداله بآخر وإنما الأمر يتجاوزه الى اعتبار المؤسسات الدستورية مهددة مما يتطلب تدخل ملك البلاد في إطار صلاحيته التحكيمية. يبقى أن نشير كذلك إلى أن وقوع هكذا أزمات تستدعي من كافة الفرقاء إعمال منطق العقل واللجوء إلى روح الدستور من أجل إيجاد الحلول الديمقراطية المتضمنة في الوثيقة الدستورية خاصة إذا ما فشلت المساعي التحكيمية والسياسية ، وهنا يجب الانتقال مباشرة إما إلى حل مجلس النواب من قبل الملك وذلك يكون بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية واخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وتوجيه خطاب للأمة ( السيناريو الأول). وهنا لا بد من انتخاب المجلس الجديد في ظرف شهرين على الأكثر بعد تاريخ الحل كما لا يتم حل هذا المجلس الجديد إلا بعد مضي سنة على انتخابه عدا في حالة تعذر توفر أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد. أما السيناريو الثاني فيتجلى في حل مجلس النواب من طرف رئيس الحكومة وذلك بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري ويقدم رئيس الحكومة أمام مجلس النواب تصريحا يتضمن بصفة خاصة دوافع قرار الحل وأهدافه. والسيناريو الثالث يتمثل في إمكانية ربط رئيس الحكومة لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه وهنا لا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب كما لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية. السيناريو الرابع يمكن لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على ملتمس للرقابة ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية وإذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه طيلة سنة. وفي جميع الأحوال ووفق أي من السيناريوهات الدستورية المتبعة يمكن القول بأن الفاعلين السياسيين أمام تمرين ديمقراطي سيوضح مدى نضج النخبة السياسية وكذا مدى استحضارهم للروح الديمقراطي في تنزيلهم للمقتضيات الدستورية ، هذا الحدث الذي سيشكل لا محالة منعطفا في المشهد السياسي وسيؤسس لمرحلة الاحتكام للدستور عوض الرضوخ للتوافقات التي في الغالب ما تكون على حساب إعمال مقتضيات الدستور الذي صوت عليه أغلبية المغاربة والذي يعتبر الفيصل في أي خلاف بين المؤسسات الدستورية. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.