استخدمت إسرائيل في السنوات الأخيرة برنامج "بيغاسوس" الإلكتروني للتجسّس كسلاح دبلوماسي، لكنّ هذا السلاح القوي بدأ يرتدّ عليها مع سلسلة تقارير تتهم الشرطة الإسرائيلية باستخدامه للتجسّس على عدد من الشخصيات السياسية في الدولة العبرية. وكشف تحقيق نشرته 17 وسيلة إعلامية دولية الصيف الماضي فضيحة مفادها أنّ برنامج "بيغاسوس" الذي وضعته شركة "أن سي أو" الإسرائيلية سمح بالتجسّس على ما لا يقلّ عن 180 صحافياً و600 شخصيّة سياسيّة و85 ناشطاً حقوقياً و65 صاحب شركة في دول عدّة. ويتطلّب تصدير هذا البرنامج موافقة وكالة مراقبة الصادرات العسكرية التي تسمح ببيع هذه التكنولوجيا إلى حكومات أجنبية، وليس لشركات أو أفراد. ويسمح للبرنامج بمجرد تحميله على هاتف جوال، اختراق الهاتف والاطّلاع على الرسائل والبيانات والصور ووجهات الاتصال، كما يتيح تفعيل الميكروفون والكاميرا عن بُعد. وفي السنوات الأخيرة، باعت إسرائيل هذه التكنولوجيا على وجه الخصوص إلى المغرب، البلد الذي قامت للتو بتطبيع علاقاتها معه، والى السعودية التي تأمل في إقامة علاقات دبلوماسية رسمية معها. ووثّقت "منظمة العفو الدولية" أنّ برنامج "بيغاسوس" استُخدم لملاحقة أحد أفرادها، وملاحقة شخص آخر يدافع عن حقوق الانسان في السعودية. وتصرّ الشركة الإسرائيلية على أنّ برامجها مخصّصة فقط للاستخدام في إطار "مكافحة الإرهاب" وجرائم أخرى، لكن لا يمكنها شيء إذا تمّ تحوير استخدامها من جانب حكومات معيّنة. وفي منتصف شهر يناير، كشفت صحيفة "كلكاليست" الاقتصاديّة العبريّة أن استخدام برنامج "بيغاسوس" للتجسّس لم يقتصر على الخارج، إنما استخدمته الشرطة الإسرائيليّة دون الاستحصال على إذن قضائي داخل إسرائيل. ويقول المحامي إيتاي ماك لوكالة فرانس برس إنّه "مع تضاعف مبيعات بيغاسوس في الخارج، كانت هناك عملية تطبيع لاستخدامه داخلياً". ويعمل إيتاي مع آخرين لمقاضاة شركة "أن أس أو"، موكلاً عن صحافيين مجريين تعرّضوا للتجسس بشكل غير قانوني. والاثنين، أثارت صحيفة "كالكاليست ضجة مجددا، عندما نشرت أن الشرطة استخدمت برنامج "بيغاسوس" للتجسس على هواتف عشرات الشخصيات البارزة في الدولة بشكل غير قانوني من خلال برنامج "بيغاسوس"، وبينهم رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو ونجله أفنير. وكتبت الصحافية سيما كادمون في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأكثر انتشارا في إسرائيل، "بعد قراءة كلكاليست، بدأنا نعتقد أن هذا البلد قد لا يكون ديموقراطيًا". وأضافت "إذا كانت الدولة تعمل بالفعل على هذا النحو (…)، فنحن حقًا مثل رومانيا في عهد تشاوشيسكو أو تشيلي بينوشيه". سماع الشهود ودعا وزير الأمن الداخلي عومر بارليف الاثنين وزارة العدل الى تشكيل لجنة تحقيق حكومية في الموضوع. ومساء الثلاثاء طلب رئيس الوزراء نفتالي بينيت فتح تحقيق أولي بشأن الشخصيات ال26 الذين أشارت إليهم صحيفة "كالكاليست"، وفق بيان أصدرته رئاسة الحكومة. وأكّد بينيت أنّ تحقيقاً أشمل سينطلق "في الأيام المقبلة". من جهته طالب نتانياهو بإنشاء "لجنة تحقيق مستقلّة". وبحسب تقارير صحافية، تمّ تصدير بيغاسوس واستخدامه من دون أمر قضائي أثناء وجود نتانياهو في السلطة. وتشير المعلومات إلى أن أفنير نتانياهو وشخصيات رئيسية مدّعى عليها في "القضية 4000" المسماة أيضًا ملف "بيزك"، تعرّضت للتجسّس عبر البرنامج. ويواجه نتانياهو في هذه القضية تهما بالفساد وخيانة الأمانة والاختلاس، وتقديم منافع لأقطاب وسائل إعلام في مقابل تغطية إيجابية له. وبين وسائل الإعلام هذه موقع "واللا" الذي تملكه مجموعة الاتصالات "بيزيك". لكن نتانياهو يدفع ببرائته، متّهما القضاء بتدبير "انقلاب" ضده. وتحدّثت "كالكاليست" الأسبوع الماضي عن استخدام البرنامج للتجسس على شاهد رئيسي في محاكمة نتانياهو وضد نشطاء قادوا الاحتجاجات المطالبة برحيل رئيس الوزراء السابق. ووفقًا للصحافة الإسرائيلية، تم اختراق الهواتف الذكية لمديرين عامين سابقين في وزارة الاتصالات وشهود للمدعي العام وقادة ورؤساء في إطار هذه القضية، بالإضافة الى صحافيين من موقع "والللا". "ارتدت عليه" ويمكن للجنة تحقيق في نهاية المطاف أن تفضح كل ممارسات الشرطة، وربما أن تورط نتانياهو نفسه لأنه كان في السلطة أثناء عمليات التجسس المزعومة، ولكن التحقيق قد يعرقل محاكمة نتانياهو بالفساد إذ يدفع الى التشكيك في قانونية الأدلة التي تم الحصول عليها ضده. وألغيت جلسة محاكمة نتانياهو التي كان مقرّراً عقدها الثلاثاء، وأصدرت تعليمات للمدّعين العامّين بالإجابة عن أسئلة محامي رئيس الوزراء السابق بشأن استخدام التجسّس في قضيته. ويقول المحامي إيتاي ماك "إنه تحوّل مذهل بالنسبة لرجل قيل إنه استخدم برنامج التجسس بيغاسوس كأداة دبلوماسية، وقد ارتدت عليه". ويضيف "أعتقد أنه من المحرج للغاية أن يكون نتانياهو الزعيم الوحيد في السلطة الذي استخدم النظام ضده أيضًا". ويقول يوهانان بليسنر، مدير المعهد الديموقراطي الإسرائيلي، وهو مركز أبحاث في القدس، "الديموقراطية الإسرائيلية تمرّ بلحظة محورية والثقة فيها على المحك"، داعيًا إلى تشكيل لجنة تحقيق بشأن استخدام تكنولوجيا المراقبة. ويحضّ السياسيين على القيام بذلك، وعلى "تحديث" القوانين لحماية الحياة العامة.