من بين الأشياء التي يتم تغافلها أو لعلها تغيب كليا عن أذهان الكثير ممن يسعفهم الحظ في التسلق إلى المناصب العليا ببلادنا، أن دورهم الأساسي ينحصر في بناء الوطن وخدمة المواطنين، وليس في بناء مستقبلهم وخدمة مصالح أبنائهم. وهو الدور الذي يرتكز على عدة عوامل أهمها التحلي بروح المواطنة والحس بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، مع ما يتطلب ذلك من حكمة وتبصر ورؤية استشرافية في رفع التحديات وكسب الرهانات المطروحة بحدة، من خلال الانشغال الدائم بالقضايا الكبرى للفرد والمجتمع، وليس استغلال المنصب في الإخلال بالواجب واعتباره سوطا للتنكيل بالمواطنين أو أداة لاقتراف مخالفات وظيفية يرقى بعضها إلى جرائم أخلاقية، من قبيل ممارسة القهر والقمع والترهيب وإذلال الغير… ولعل عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير العدل، واحدا من الشخصيات المثيرة للجدل والتي ينطبق عليها ما ورد في مقدمة هذه الورقة المتواضعة، من حيث عدم قدرته على التمييز بين موقعه في المعارضة والعمل عضوا بارزا في الحكومة. إذ مازال مصرا على تماديه في استفزازته الرعناء، من خلال إطلاق الكلام على عواهنه دون مراعاة مشاعر مخاطبيه وصون كرامتهم. ولا أدل على ذلك أكثر من واقعة تارودانت الأخيرة التي أبى إلا أن يضيف بواسطتها إلى مهامه الرسمية، مهمة الكشف عن ألوان "تقاشر" الغير حتى دون رؤيتها من قريب… ذلك أن تسجيلا مرئيا تم تداوله على أوسع نطاق بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يكشف عن الوجه الحقيقي لعبد اللطيف وهبي، الذي يفترض فيه أن يكون منصفا ومسالما وليس متسلطا وعدوانيا، خاصة أنه يجمع بين منصبي وزير العدل ورئيس المجلس الجماعي لمدينة تارودانت. حيث أنه توجه بدون خجل ولا وجل بحضور كل من وزير الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد وعامل إقليمتارودانت وعدد من الشخصيات المدنية والعسكرية، بخطاب أقل ما يقال عنه أن خطاب سوقي ولا يليق بمستوى من أنيطت به مسؤولية "العدل"، إلى المدير الإقليمي لوزارة الثقافة بذات المدينة المسمى عبد القادر صابر خلال حفل افتتاح المركز الثقافي هناك بالقول: "شوف انا وزير العدل، شنو هو الدور ديالي؟ هو الأمن، وأنا المؤسسات كلها كتشتاغل معايا" قبل أن يدنو منه أكثر ويهمس له في أذنه: "شوف كانعرف عليك كلشي وكانعرف حتى لون التقاشر اللي انت لابس" وإذا كان المدير الإقليمي يحمل اسم "صابر" فهو بالفعل والقوة صابر، لأنه نأى بنفسه عن الدخول في جدل عقيم مع سيادة الوزير "النحرير". فالفيديو المتداول بين المواطنات والمواطنين أثار حنق واستياء جميع المواطنين وجعلهم يتساءلون بحرقة عن خلفيات الخطاب الأهوج، الذي يؤنب من خلاله الوزير وهبي بأسلوب قاس وممزوج بنوع من التعالي والعجرفة مسؤولا أمام رئيسه المباشر، حيث مازالت تداعيات المقطع متواصلة، بعد أن اعتبر مشاهدوه أنه يشكل وصمة عار على جبين مغرب اليوم وطالبوا في الوقت نفسه برد الاعتبار للمتضرر. إذ متى كان دور وزير العدل استخباراتيا وممارسة العنف اللفظي؟ وهل من الأمن في شيء بث الرعب في القلوب؟ وماذا لو كان الشخص المهان ينتمي إلى قطاع سيادة الوزير؟ ثم كيف أجاز لنفسه التنصل من مهمته التي يتقاضى بموجبها مقابلا ماديا من أموال دافعي الضرائب ويتحول إلى "منجم"، بمقدوره معرفة حتى أشكال الملابس الداخلية للمواطنين وليس فقط جواربهم التي يمكن لأي كان رؤيتها؟ وغير ذلك من التساؤلات الأخرى… إنه ومهما حاولنا التغاضي عن هذه الفضيحة المزلزلة، فلا يمكن أن نلتمس العذر لمعالي الوزير بدعوى أن الأمر لا يعدو أن يكون زلة لسان غير مقصودة، ولا أن نحجب حقيقة مزاجه الحاد وطابعه الصدامي اللذين يتميز بهما، لاسيما أنه تجاوز كل الأعراف والمعايير المعمول بها في حقول المسؤولية بالمغرب. فهل نسي سيادته وهو المحامي الذي ما فتئ يرافع عن قضايا المظلومين منذ سنين ووزير العدل حاليا، أن دستور المملكة المغربية الجد متقدم جاء لصون كرامة المواطنة والمواطن المغربيين وحمايتهما من كل أشكال الغبن والجور والتمييز والتعنيف، وضمان المساواة لهما وعدم الخضوع لكافة أصناف التهديد والترهيب والتجريح، وكذا الحق في اللجوء إلى القضاء في حالة تعرضهما لأي تعسف أو اعتداء على حقوقهما، والانخراط في تدبير وتسيير الشؤون العامة؟ وإذا كان دفء المنصب وامتيازاته المغرية أنسياه ذلك، فليعلم أن ذاكرة المغاربة عامة قوية وخاصة أهل تارودانت ممن اختاروا التصويت على رمز "التراكتور"، لم ينتخبوه لإهانة الناس والحط من كرامتهم، بل من أجل النهوض بأوضاعهم وإشاعة قيم التسامح والتعاون والأخلاق الفاضلة، وهو ما لن يغفروه مستقبلا له ولحزبه ردا على سلوكه غير السوي… إن ما لا ينبغي أن يغيب عن ذهن وزير العدل عبد اللطيف وهبي وغيره من المسؤولين الحكوميين، هو أن المسؤولية ليس معناها استغلال المنصب في الاعتداء على المواطنين وهضم حقوقهم. فأن يكون الشخص مسؤولا عليه أولا وقبل كل شيء الامتثال للقوانين والأنظمة واحترام حقوق الإنسان، الحرص على أداء واجباته في أحسن الظروف والأوقات المحددة، التمتع بروح المبادرة والتعاون مع جميع الفرقاء. وأن يكون سباقا إلى محاربة مختلف مظاهر الفساد، المساهمة في تنمية المجتمع وابتكار المشاريع المفيدة للوطن والمواطن، حتى يستطيع من خلال كل ذلك أن يشكل القدوة والصورة المشرفة لمنصبه ووطنه.