توفي كبير أساقفة جنوب إفريقيا السابق ديسموند توتو أحد أبرز رموز الكفاح ضدّ نظام الفصل العنصري في البلاد وحائز جائزة نوبل السلام، الأحد عن 90 عاما وفق ما أعلن الرئيس سيريل رامابوزا. وعبّر الرئيس "أصالة عن الشعب برمّته، عن عميق الحزن بوفاة" وجه بارز من وجوه التاريخ في البلد هذا الأحد، وفق بيان صادر عن الرئاسة. وأضاف سيريل رامابوزا أن "وفاة كبير الأساقفة الفخري ديسموند توتو هو فصل جديد من فصول حداد أمّتنا على جيل مذهل من أبناء البلد الذين تركوا لنا جنوب إفريقيا محرّرة". وتابع أن توتو كان "رجلا يتميّز بذكاء لافت ونزاهة ولم تقوَ عليه قوّات الفصل العنصري (الابارتايد). وكان على قدر كبير من الرقّة في تعاطفه مع الذين كابدوا القمع والظلم والعنف في نظام الفصل العنصري ومع المظلومين والظالمين على حد سواء في العالم أجمع". وقد تراجع الوضع الصحي لديسموند توتو في الأشهر الأخيرة. ولم تعد له إطلالات علنية، لكنه كان يوجّه دوما تحيّة إلى الصحافيين الذين يتابعون تنقلاته، ببسمة أو نظرة معبّرة، كما حدث مثلا خلال تلقّيه اللقاح المضاد لكوفيد-19 في أحد المستشفيات أو خلال قدّاس في مدينة الكاب احتفاء ببلوغه 90 عاما في أكتوبر. شخصية مرحة وجامعة اكتسب ديزموند توتو، ذلك الأسقف الباسم من جنوب أفريقيا، أصدقاء ومعجبين في شتى أرجاء العالم، بفضل شخصيته الجامحة. وُلد ديزموند توتو في عام 1931 في بلدة صغيرة يعمل معظم سكانها في مناجم الذهب في إقليم ترانسفال. بدأ ديزموند توتو برفع صوته ضد الظلم في جنوب أفريقيا عندما كان رئيس الكنيسة الانجليكانية في جوهانسبرغ، ثم عندما أصبح الأمين العام للمجلس الكنائسي في جنوب أفريقيا في عام 1977. وبالرغم من أنه كان شخصية معروفة قبل اندلاع انتفاضة 1976 في البلدات التي يقطنها السود، لم يعرف المجتمع الأبيض في جنوب أفريقيا توتو بوصفه مناضلا من أجل الإصلاح إلا قبل اندلاع أعمال العنف في سويتو ببضعة شهور. حاز ديزموند توتو على جائزة نوبل للسلام في عام 1984 بفضل الجهود التي بذلها في التصدي لنظام الفصل العنصري، في خطوة اعتبرت بمثابة إهانة كبرى من جانب المجتمع الدولي لحكام جنوب أفريقيا البيض. علاقته بمانديلا كان ديزموند توتو من أشد المعجبين بنيلسون مانديلا، ولكنه لم يتفق معه دائما وخصوصا في ما يتعلق بجواز استخدام العنف لتحقيق هدف عادل. وفي نوفمبر 1995، طلب مانديلا، وقد أصبح آنذاك رئيس جنوب أفريقيا، من توتو أن يرأس لجنة للحقيقة والمصالحة مهمتها البحث عن أدلة عن وقوع جرائم إبان حقبة الفصل العنصري، وإصدار توصيات بشأن ما إذا كان يجب العفو عن أولئك الذين يعترفون بضلوعهم بتلك الجرائم. وفي نهاية أعمال اللجنة، هاجم توتو قادة جنوب أفريقيا البيض السابقين، وقال إن معظمهم كذبوا على اللجنة. ضمير الشعب ظل القس ديسموند توتو يمثل ضمير شعبه حتى وهو في أرذل العمر، فقد وجّه انتقادات لحكومة الأغلبية السوداء التي تولت الحكم عقب سقوط نظام الفصل العنصري، وشن هجمات لاذعة على حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي التي كان يقودها الرئيس ثابو امبيكي. وادعى أن حزب المؤتمر الوطني لم يقم بما يكفي من أجل محاربة الفقر وأن قدرا كبيرا من الثروة والسلطة السياسية تتركز في أيدي نخبة سياسية سوداء جديدة. وبعد سنتين، حث توتو جاكوب زوما، الذي وجهت إليه تهم فساد واقتراف اعتداءات جنسية، على التخلي عن سعيه للفوز بمنصب الرئاسة. نصير المظلومين لم يخش ديزموند توتو من البوح بآرائه أبدا. ففي أبريل 1989، أثناء زيارة لمدينة برمينغهام في إنجلترا، انتقد ما وصفه ب"بريطانيا ذات الأمتين"، وقال إن السجون البريطانية تعج بالنزلاء السود. كما أغضب الإسرائيليين عندما شبّه – أثناء زيارة – الأفارقة السود في جنوب أفريقيا بالفلسطينيين الذين يقطنون الضفة الغربية وقطاع غزة. وقال توتو إنه لا يستطيع أن يستوعب كيف يمكن لشعب عانى الأمرين كاليهود أن يفرض هذا الكم من المعاناة على الشعب الفلسطيني. وعند زيارته فلسطين عام 2009 قال توتو إن الغرب يشعر بالذنب تجاه إسرائيل بسبب المحرقة "لكن من الذي يدفع الغرامة؟ إنهم العرب، الفلسطينيون". وأضاف توتو أن العبرة التي على إسرائيل تعلمها هي أنها لن تحصل على الأمن أبدا من خلال بناء الأسوار والجدران واستخدام البنادق، في إشارة إلى جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية. وأشار إلى أن النظام العنصري بجنوب أفريقيا حاول الحصول على الأمن بواسطة البندقية "لكن تم تحقيق ذلك فقط بعد أن اعترف بحقوق الإنسان لكافة البشر واحترمها من دون تمييز".