يعم الاحتجاج عددا من المدن منذ أيام، رفضا لإعلان الحكومة تسقيف سن اجتياز اختبارات التعليم إلى 30 عاما، وسط إصرار حكومي على تنفيذ القرار الذي يشكك قانونيون بدستوريته. وبينما يُصر المحتجون على أن القرار "إقصاء" لحقهم في التوظيف، فإن الحكومة ترى فيه محطة أولية لإصلاح قطاع التعليم. وفي 19 نوفمبر المنصرم، أعلنت وزارة التربية المغربية شروط خوض اختبارات المعلمين في 11 ديسمبر الجاري، ومنها ألا يتجاوز عمر المتقدم 30 عاما، وهو ما أثار ردود أفعال رافضة وجدلا في الإعلام المحلي ومنصات التواصل. وطيلة الأيام الماضية، نظم طلاب ومجازون مسيرات ووقفات احتجاجية ضد القرار بعدد من المدن، منها مراكش وفاس ووجدة وتطوان ومرتيل وأكادير . وردد المحتجون هتافات تدعو السلطات إلى إلغاء قرار سن ال30 والعودة إلى السماح لمن لم يتجاوز عمره ال45 بخوض اختبارات التعيين في وزارة التربية، وفق مقاطع مصورة تداولها رواد على منصات التواصل. بينما قال يوسف بلقاسمي، الكاتب العام للوزارة، في تصريحات متلفزة، إن "تقليص السن معتمد في عدد من الدول الأخرى". وأضاف أن "القرار يهدف إلى تحسين جودة التعليم، عبر التأكد من أن المتقدمين يمتلكون القدرة على العمل كمعلمين". إصرار حكومي في خضم الاحتجاجات، أعلن شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في 25 نوفمبر، إن "عامل السن سوف يساعد المنظومة التعليمية على تقوية قدرات وكفاءة مواردها البشرية". وأضاف في تصريحات متلفزة، أن "تسقيف سن المتقدمين للاختبارات تعتمده مجموعة من القطاعات"، لافتا إلى أن "القانون لا يمنع تضمين شروط خاصة لولوج المباريات التي تساعد في تنزيل الأهداف النبيلة لإصلاح التعليم". وفي نفس اليوم، قال مصطفى بايتاس الوزير والناطق الرسمي باسم الحكومة، في ندوة صحافية، إن "تحديد السن سيمكن من الاستثمار الأفضل في التكوين المستمر حتى تستفيد منه بلادنا، والقطاعات تختار ما يناسبها من شروط"، متسائلا: " هل التعليم وحده سيبقى بدون شرط؟". وأضاف: "لابد من الشجاعة السياسية من أجل الإصلاح". تنديد بالقرار أعلنت نقابات وأحزاب رفضها لقرار تسقيف سن الولوج لاختبارات التعليم، من بينها حزب الحركة الشعبية الذي كان ينتمي إليه وزير التربية المغربي السابق سعيد أمزازي. وفي 23 نوفمبر، قال حزب الحركة الشعبية في بيان، إن "قرار الحكومة يشكل تراجعا غير مبرر عن المكتسبات المحققة في مجال التأسيس للوظيفة العمومية الجهوية كدعامة للنهوض بمنظومة التربية والتكوين". وأضاف أن "القرار لا يستند على أية مرجعيات دستورية وقانونية، ومخالف لأحكام النظام الأساسي للوظيفة العمومية وللنظام الأساسي الخاص بأطر وأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين". بدوره، قال حزب التقدم والاشتراكية في بيان، بتاريخ 24 نوفمبر، إن "مسألة إصلاح التعليم تقتضي معالجة شمولية متكاملة، كما أنها تقتضي التشاور والإشراك والإقناع". ودعا الحكومة إلى "التحلي بحس وتقدير سياسيين رفيعين ولزوم اعتماد مقاربات حكيمة تُنصت وتتفاعل بشكل بناء مع نبض المجتمع". كما أعلنت "التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين" عن مقاطعة حراسة مباريات (اختبارات) التعليم التي ستجرى يوم 11 ديسمبر الجاري. ومنذ فرض التعاقد يشارك مئات الأساتذة المتعاقدين بمسيرات احتجاجية بمختلف مناطق البلاد، لإدماجهم بالقطاع العام. وفي فبراير 2018، أعلن رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، أن "التعاقد المبرم مع الأساتذة نهائي وغير محدد المدة"، وهو ما لم يثنِ الأساتذة عن مواصلة الاحتجاج. وفي 2017، أطلقت الحكومة المغربية، برنامج التوظيف بالقطاع العام بموجب عقد يمتد عامين قابل للتجديد، وبدأ تنفيذه في التعليم. ويبلغ عدد المعلمين المتعاقدين أكثر من 100 ألف، حسب تقارير إعلامية. قرار دون تشاور اعتبر خالد السطي المستشار البرلماني عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، أن "قرار تسقيف سن التوظيف في التعليم اتخذ دون تشاور أو إشراك للمتدخلين". وأضاف السطي أن "قرار تسقيف سن الولوج لاختبارات التعليم تراجع خطير عن مكتسبات المغاربة المتمثلة في رفع سن التوظيف من 40 إلى 45 سنة في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي (1998-2002)". ودعا إلى "تدخل رئيس الحكومة للتحكيم بسبب ردود الفعل الغاضبة تجاه القرار". وأوضح السطي أن "هذا القرار سينعكس سلبا على فئات كبيرة من الشباب المجازين المعطلين أو غيرهم ممن لهم مهن أخرى غير مستقرة". افتقاد المستند القانوني وفق الأكاديمي عبد الحفيظ اليونسي أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، فإن "قرار الحكومة كان صادما لفئات اجتماعية واسعة من الناس، خصوصا الشباب خريجي الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح الذين وبحسب إحصائيات رسمية ترتفع في صفوفهم نسبة البطالة". وأضاف اليونسي ، أن "هذا القرار يفتقد للمستند القانوني وأيضا القصدية والجدوائية في السياسات العمومية". وأوضح أن "القرار يطرح 3 مشكلات كبرى، أولها اجتماعية الأفق أي انحسار فكرة أن التعليم آلية للترقي الاجتماعي، وثانيها غياب رؤية واضحة لإصلاح التعليم بعد حسم الورش التشريعي مع الحكومة السابقة". وتابع: "أما المشكلة الثالثة فهي معقولية ومقبولية هذا النوع من القرارات لأن الحزم الذي تم به اتخاذ القرار والإصرار على تنزيله لا يوازيه نفس التوجه في قرارات أخرى من قبيل تسقيف سعر المحروقات أو تقوية القدرة الشرائية للفئات الهشة أو تحسين مؤشرات التنمية البشرية بالمغرب".