ملف الصحراء امام أنظار الاممالمتحدة منذ مدة طويلة. الهدف هو العمل على وضع حد للنزاع المفتعل حول الأقاليم المغربية الجنوبية منذ استعادتها من دولة الاحتلال (اسبانيا) في منتصف سبعينيات القرن الماضي. غير ان الاممالمتحدة قد تعاملت مع هذا الملف كما لو كانت تجهل طبيعة الصراع القائم بين المغرب والجزائر التي دفعت بوكيلها الى الواجهة ممثلا في قيادة جبهة البوليساريو الانفصالية التي حاولت بعض الدول العظمى التعامل معها كما لو كانت الطرف الاصلي في النزاع وهي تعلم علم اليقين انها لا تملك من امر نفسها شيئا وان واضع استراتيجية النزاع ومختلف تاكيكاته هو القيادة الجزائرية في مختلف مراحله الدعائية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية. ففي الوقت الذي يحاول فيه المغرب التركيز على مختلف جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأقاليم الجنوبية وجعلها على سكة التقدم على مختلف المستويات، تحاول الجزائر عبر وكيلتها جبهة البوليساريو عرقلة كل الجهود التي تبذلها الرباط في هذا الاتجاه عبر التصعيد المسلح في مراحل النزاع الاولى وعبر بلورة السياسات والخطط المعرقلة لكل مبادرات التسوية السياسية للملف سواء من خلال خطة تقرير المصير او من خلال الحل السياسي المتفاوض عليه بعد فشل خطة الاممالمتحدة لتنظيم الاستفتاء وخاصة بعد طرح المغرب لمبادرة الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية وهي المبادرة التي لقيت ترحيبا ملحوظا في مختلف اوساط المجتمع الدولي لواقعيتها وجديتها في التعامل مع جوهر المشكلة مراعاة لمستجدات النزاع بمرور السنوات على مستوى التطور الديمغرافي والانساني لساكنة الأقاليم الصحرواية الجنوبية ومحتجزي مخيمات تيندوف على حد سواء وفي إطار من التنظيم الجهوي الديمقراطي لمغرب الغد. قيل ان المغرب قد راهن على دعم الولاياتالمتحدة في ملف الصحراء وهو قول مجانب للحقيقة منذ انطلاق النزاع كما قيل انه سلم امر الدفاع عن موقفه في هذا الملف الى فرنسا وهو محض افتراء ما بعده افتراء لأن المغرب يدرك تمام الإدراك أن المراهنة على العوامل الخارجية بالنسبة للقضايا الوطنية الجوهرية خطأ فادح لا يقع فيه إلا من فقد كل صلة بالوقائع الموضوعية وسلم زمام أموره لتقلبات السياسات الخارجية للدول والقوى العالمية وهو أمر لا ينطبق على المغرب بأي حال من الأحوال. صحيح ان المغرب اعتقد دائما ان عدالة قضيته الوطنية وتماسك موقفه منها واضح وضوح الشمس امام أعين الدول المؤثرة داخل مجلس الأمن الدولي، واعتبر بالتالي ان اعتماد منطق العدل والعقلانية السياسية يقتضي اتخاذ مواقف تنحو نحو التخفيف من توتر العلاقات في منطقة المغرب الكبير ووضع ملف النزاع حول الصحراء على سكة الحل السياسي، غير ان المغرب لم يراهن قط مراهنة غير واقعية على اي جهة كانت للدفاع عن موقفه وانما اعتمد منذ البدء على الموقف الوطني العميق للشعب المغربي الذي اعتبر قضية استكمال الوحدة الترابية للبلاد مسألة إجماع راسخ لم يتأثر قط ببعض الأصوات الشاذة المؤيدة للانفصاليين والتي لم تجد لها صدى يذكر داخل مختلف شرائح المجتمع المغربي بفضل قوة انتمائه الوطني ورهافة إحساسه بهذا البعد العميق في ثقافته السياسية بغض النظر عن التوجهات الفكرية والسياسية الحزبية لمكونات المشهد السياسي المغربي وتموقعها ضمن خندق الأحزاب الحكومية أو أحزاب المعارضة السياسية. غير أن هذا لا يعني، كما هو اضح، تجاهل المغرب او استخفافه بمواقف الدول المؤثرة في المجتمع الدولي من ملف الصحراء لذلك فقد سعى في كل مرحلة من مراحل تطور النزاع الى شرح ملف استعادة اقاليمه المحتلة ووضع مختلف عناصره امام عواصم كل دول العالم بحثا عن الدعم السياسي والدبلوماسي للحق المغربي في استكمال وحدته الترابية وتصفية الاستعمار في أقاليمه الجنوبية لما يحققه ذلك من استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة. وبهذا المعنى يمكن القول والتأكيد للمرة الألف أن وعي الشعب المغربي بقضيته الوطنية بمختلف أبعادها وتماسكه في الدفاع عنها هو المعول عليه دوما في حالات التوتر والحرب المفتوحة كما في حالات النضال السياسي الدبلوماسي الإقليمي والدولي. فهل يساهم التقرير الأممي الذي يتم تداوله في الوقت الراهن في الدفع بالملف الصحراوي إلى آفاق الحل السياسي التفاوضي كما كان مؤملا أم انه عامل سلبي إضافي قد يؤدي بالنزاع إلى مواقع من التوتر أقل ما يقال فيها إنها قابلة للانفجار؟ إن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة يعقد الملف في رأينا على مستويات عدة نكتفي منها بذكر المستويين التاليين: اولا، عندما حاول إرضاء المغرب، ظاهريا، من خلال الدعوة الى التقدم في تطوير العلاقات البينية في شمال افريقيا غير انه حاول إرضاء الجزائر من خلال الدعوة الى فصل قضية الصحراء عن هذا المسعى والحال انها اصبحت جزءا لا يتجزأ من مختلف السياسات المعتمدة من قبل المغرب والجزائر وأن وضع الملف جانبا افتراضي ووهمي مادام المغرب يضع نصب عينه دعم سيادته على كامل ترابه الوطني في كل السياسات التي يقدم عليها وما دامت الجزائر تضع على صدر قائمة أولوياتها العمل على المساس بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية والعمل على فصلها عن الوطن الأم. وباالتالي، فإن الحديث عن بناء المغرب الكبير القائم على تجاهل هذا الواقع يصب الماء في طاحونة أعداء الوحدة الترابية للمغرب حتى في الوقت الذي يتم فيه التأكيد على أن الهدف من تطوير التعاون بين المغرب والجزائر ضمن فضاء شمال افريقيا هو تخفيف التوتر وتوسيع دوائر التعاون بينهما وخلق بيئة سياسية ملائمة للتقدم على طريق معالجة ملف الصحراء. ثانيا، عندما حاول إرضاء المغرب، ظاهريا كذلك، بتوسيع دائرة الاهتمام بمسألة حقوق الانسان لتشمل واقع المحتجزين في مخيمات العار في تيندوف في تجاهل تام لحقيقة ان تلك المخيمات تدار اصلا بطريقة غير قانونية وغير شرعية من قبل الدولة الجزائرية وان كان ذلك بواسطة بعض قادة جبهة البوليساريو الانفصالية الذين لا يملكون من أمرهم شيئا. وهناك محاولات دعائية تبسيطية وتسطيحية لهذه المسألة تزعم أن الأممالمتحدة لم تعمل هنا إلا على أخذ أحد مطالب المغرب بتوسيع دائرة الاهتمام بمسألة حقوق الإنسان لتشمل مخيمات اللاجئين على التراب الجزائري وبالتالي ما كان عليه إلا أن يصفق لهذا الأمر غير أن هذه الدعوى باطلة لعدم مراعاتها ما هو جوهري في المطلب المغربي وهو أن هؤلاء المواطنين المغاربة يعيشون تحت سلطة اللاقانون المطلق وأن أوضاعهم تستدعي التدخل الدولي الحازم لدى السلطات الجزائرية لرفع الحيف الذي يتعرضون له على المستويات الوطنية والسياسية والاجتماعية والإنسانية. أما محاولات إقامة نوع من التناظر بين حالة الأقاليم الجنوبية المغربية وبين تلك المخيمات فهو مجانبة للصواب بصورة جوهرية ولا يمكن عقد مقارنة بين الواقعين مع وجود الفارق بين أقاليم تدار في واضحة النهار وبقوانين لا غبار عليها وبين مخيمات لا يكاد يتسرب من أحوالها المزرية إلا القليل القليل نظرا لسياسات التعتيم التي تعتمدها الجزائر والبوليساريو في إدارة تلك المخيمات. تشيرالفقرة 119 من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن " الحاجة إلى رصد مستقل وحيادي وشامل ومستمرة لحالة حقوق الانسان في كل من الصحراء الغربية والمخيمات تصبح أكثر إلحاحا" وهذه الفقرة تتحايل في الواقع من خلال عبارات فضفاضة للتنقيص من سيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية وربما تمت الإشارة إلى المخيمات التي يشملها الرصد المشار إليه للإيحاء بأن هناك مساواة في التعامل بين الطرفين والحال أن الطرفين ليسا متساويين أصلا. فالمغرب دولة مستقلة وذات سيادة بينما البوليساريو لا تعدو كونها حركة سياسية وعسكرية ترغب في اقتطاع جزء من الأراضي المغربية بإشراف من السلطات الجزائرية. ولعل التحرك الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضمن مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية لترسيم توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء وفي مخيمات تندوف يشكل عنصرا معرقلا جديدا لمساعي تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. إذ يبدو ان الادارة الامريكية الحالية ووزارة خارجيتها بقيادة جون كيري ترغب في التأثير على مجرى الاحداث على مستوى ملف الصحراء بطريقة لا تساعد على تجاوز الجمود الراهن للمفاوضات حول الحل السياسي وانما بطريقة تدفع الى كسر الجمود بخلق شروط توتر إضافي قد يعيد علاقات المغرب مع الجزائر والبوليساريو الى مربع انطلاقه الصدامي الذي حاولت الاممالمتحدة وضع حد له من خلال مخططها لتقرير المصير الذي انتهى إلى الفشل الذريع عند محطة تحديد الهيئة الناخبة الصحراوية، ومن خلال الدعوة الى مفاوضات مباشرة بهدف التوصل الى حل سياسي متوافق عليه. والحال ان المطلوب ليس توسيع صلاحيات المينورسو وانما تقليصها الى مستوى واحد وهو أدنى المستويات متمثلا في السهر على احترام وقف اطلاق النار ورصد الخروقات التي من شأنها ان تهيء ظروف استئناف النزاع المسلح في المنطقة والذي لن يقتصر هذه المرة على المغرب وجبهة البوليساريو وانما سيزج بالجزائر مباشرة في الصراع لان المغرب لن يقبل هذه المرة ان تشن عليه الجزائر عدوانها عبر عصابات مسلحة تتلقى الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي واللوجستي من قبل الجزائر التي اصبحت دولة الانطلاق الرسمي لتلك العصابات في اعتداءاتها على المغرب. فهل فرض توسيع صلاحيات المينورسو ليتم قضم جزء من سيادة المغرب على اقاليمه الجنوبية عامل مساعد على ايجاد حل سياسي لنزاع الصحراء ام انهعامل تعقيد وتوتر وعنصر استفزاز جديد تنخرط فيه وتتصدره دولة عظمى كان منتظرا منها ان تبادر على العكس من ذلك الى تكريس جهودها الدبلوماسية وتوجيه ممارسة تأثيرها المعنوي على مختلف الأطراف بما يساعد على تجاوز حالة المراوحة التي عليها ملف الصحراء خاصة ان لدى واشنطن كل المعطيات الدقيقة حول دور الجزائر المعرقل والقوي لأي مسعى جدي الى ايجاد حل سياسي قابل للحياة في المنطقة لأسباب وغايات استراتيجية لم تعد تخفى على اي كان في المنطقة وفي مختلف عواصم صنع القرار الاستراتيجي في العالم؟