الآن وقد حسم الشعب المغربي يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 اختياراته في استحقاقات انتخابية ثلاثية غير مسبوقة، جمعت بين الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية، شهدت لها دول عديدة ومراقبون دوليون ومنظمات حقوقية بالشفافية والنزاهة وحسن التنظيم، فضلا عن الإقبال الجماهيري الكثيف، حيث بلغت نسبة المشاركة 50,35 على الصعيد الوطني، مما يؤكد توق المغاربة إلى التغيير … إذ جاءت النتائج منسجمة مع المزاج العام للمغاربة، حيث تمت معاقبة حزب "العدالة والتنمية" قائد الائتلاف الحكومي لولايتين متتاليتين، الذي تذيل سبورة النتائج ب"13″ مقعدا فقط من بين 395 مقعدا مخصصا لمجلس النواب، جراء سوء تدبيره للشأن العام المحلي والحكومي، إخلاله بتعهداته الانتخابية على تخليق الحياة العامة، محاربة الفساد، تحسين مناخ الأعمال وظروف عيش المواطنات والمواطنين، الحد من نسب الفقر والأمية والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية، إصلاح قطاعات التعليم والصحة والقضاء والإدارة وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. علاوة على اعتماده سياسات عمومية فاشلة واتخاذه قرارات جائرة، تمثلت في إغراق البلاد في مستنقع المديونية، الإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية من إضراب وتقاعد ووظيفة عمومية، وضرب القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة… وفي المقابل تم تبويء حزب "التجمع الوطني للأحرار" صدارة النتائج بحصوله على 102 مقعدا، متبوعا بحزب "الأصالة والمعاصرة" ب"86″ مقعدا، ثم حزب الاستقلال ب"81″ مقعدا، فحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" ب"35″ مقعدا، والحركة الشعبية ب"29″ مقعدا، "التقدم والاشتراكية" ب"21″ مقعدا و"الاتحاد الدستوري" ب"18″ مقعدا، فيما حصل حزب العدالة والتنمية فقط على "13" مقعد وباقي الأحزاب على "10" مقاعد. وحيث أن الفصل 47 من الدستور ينص على: "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها…" وأن العادة بعد إقرار دستور 2011 جرت في المحطتين السابقتين خلال 2012 و2016 على تعيين الأمين العام للحزب الفائز رئيسا للحكومة، فإن الملك لم يتأخر في استقبال عزيز أخنوش يوم الجمعة 10 شتنبر 2021 بالقصر الملكي العامر بفاس وتعيينه رئيسا للحكومة، وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة، لا نعتقد أنه سيجد صعوبة في تكوينها بعد إجراء المشاورات اللازمة مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية، واختياره منها ما يرى برامجها تتقاطع مع برنامج حزبه، كما سبق له التصريح بذلك. بيد أن ما لا ينبغي أن يغيب عن ذهن "العريس" الجديد، هو أن الناخبين الذين توافدوا بحماس منقطع النظير على مكاتب التصويت في جميع أقاليم ومناطق وجهات المملكة، لم يأتوا فقط لإلحاق الهزيمة بحزب "العدالة والتنمية"، بل لأن أغلبهم لامسوا خلال جولات حزبه التواصلية نوعا من الصدق في عرضه السياسي، وأنهم رغم ما تعرض إليه من استهداف حتى قبل الحملة الانتخابية واتهامه ب"الفساد"، والتشكيك في وفائه بوعوده الجد مغرية ومدى قدرته على التعجيل بوتيرة الإصلاحات الكبرى، ومعالجة الملفات الشائكة وتحقيق ما عجز عنه سابقوه، آمنوا بما تضمنه برنامجه الانتخابي الذي أسماه "برنامج المعقول" من التزامات، يحدوهم الأمل الكبير في أن يكون في مستوى الثقة التي منحوه إياها وألا يتكرر من جديد خذلانهم وإجهاض آمالهم وأحلامهم. ولعل ما زاد في تأجج جذوة الأمل في النفوس المؤمنة بالتغيير الإيجابي، أن أخنوش صرح غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية يوم الخميس 9 شتنبر 2021، بأن حزبه سيكون له شرف تشكيل أغلبية حكومية قوية ورصينة وقادرة على تفعيل التوجيهات الملكية ومواكبة الأوراش الكبرى والمهيكلة، التي أطلقها ملك البلاد الضامن لنجاح العملية الديمقراطية. ثم إنه لم يلبث أن عاد ثانية عقب تعيينه رئيسا للحكومة المقبلة، للتأكيد على أنه سيسعى جاهدا إلى أن يكون عند حسن ظن المغاربة، من خلال فتح مشاورات جادة ومسؤولة مع الأحزاب السياسية، لتشكيل أغلبية حكومية منسجمة ومتماسكة وذات برامج متقاربة، وأعرب عن أمله في أن تأتي تشكيلة فريقه الحكومي متضمنة أعضاء في المستوى، ينفذون الاستراتيجيات الكبرى لجلالة الملك والبرامج الحكومية. من هنا بات من اللازم أن يدرك أخنوش ومن سيختارهم للعمل معه في الائتلاف الحكومي الجديد، أن الناخبات والناخبين الذين أطفأوا مصباح "البيجيدي"، لم يفعلوا ذلك من أجل سواد عيونهم، وإنما قاموا بذلك انتقاما منه لإخلاله بوعوده وفشله في تلبية تطلعاتهم وتحقيق مطالبهم، خاصة أنه لم يعمل لا على محاربة الفساد ومساءلة ناهبي المال العام، ولا هو حرص على تجويد الخدمات الاجتماعية وتحسين المعيش اليومي للمواطنين، ولا على جلب الاستثمار وإحداث فرص شغل للشباب. واكتفى في معالجة الكثير من الإشكالات المطروحة باللجوء إلى الحلول السهلة على حساب المواطنين سواء عبر الزيادات المتلاحقة في الأسعار والضرائب أو الإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية… إن أخنوش وبعد أن حقق حزبه نتائج مبهرة في استحقاقات 8 شتنبر 2021، مطالب بالوفاء بالتزاماته وتدارك الزمن الضائع من الإصلاحات، لاسيما أن المغرب استطاع في ظل تداعيات جائحة "كوفيد -19″، أن يبرهن للعالم أجمع على أنه يشكل استثناء حقيقيا في منطقة شمال إفريقيا، حيث أبان عن نضج كبير في مساره الديمقراطي، وهو ينظم ثلاثة استحقاقات انتخابية (تشريعية محلية وجهوية) في آن واحد. فهل تسير حكومته بنفس حماس الحملة الانتخابية وبروح المواطنة الصادقة، في اتجاه رفع التحديات وكسب رهان التغيير؟ لننتظر القادم من الأيام.