أَدْلَتِ الرفيقة نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، وهي في الجنوب تُقَدِّمُ لائحة مرشحيها على مستوى أكادير، بتصريح تقول فيه : "احنا في الحزب الاشتراكي الموحد 25 ألف عضو على الأقل اللي معروفين من غير الناس اللي التحقوا بنا جداد. ماوصلاش 200 الناس اللي استقلوا"(1). للوهلة الأولى قد يعتقد الكثيرون أن هذا التصريح هو مجرد زلة لسان فقط، ولكن الأستاذة منيب عادت لتؤكد المضمون، ذاته، في مرورها التلفزي(2)، وهذا يعني، بالطبع، أنها كانت تَعِي ما تقول، ولم تشعر بأي حرج ولم يراودها أدنى قلق، وهي تقدم لملايين المشاهدين المغاربة رقما من وحي الخيال المحض ولا علاقة له، البتة، بالواقع. وسينضاف هذا الرقم إلى سلسلة المعلومات المخالفة للحقيقة والتي طالما أدلت بها في مناسبات عدة، ومن بينها مثلاً، تصريحها بأن هناك عملية تزوير طالت اللائحة الوطنية التي كانت ترأسها، في انتخابات 2016، أدت إلى حرمانها من 11 مقعداً التي تَمَّ الحصول عليها فعليا، وانتزعوها منها، على مستوى هذه اللائحة (؟ !) لكن، بعملية حسابية بسيطة، نخلص إلى أن فوز كل هذا العدد في اللائحة الوطنية يتطلب الحصول على أكثر من 600 ألف صوت، في المجموع، وهو ما يجعل من الحزب، أو اتحاد الأحزاب الحائز لهذه المقاعد، القوة الانتخابية الثالثة في البلاد ! وللتذكير، مثلاً، فإن حزب العدالة والتنمية، الذي يضم، اليوم، حوالي 40 ألف عضو حسب مصادر الحزب، لم يكن يتوفر، حين دخوله تجربة المشاركة الحكومية، إلا على عدد من الأعضاء أقل بكثير من 25 ألف، باعتراف العديد من قادته. لقد كنا، في السابق حينما كان يجمعنا بالأستاذة نبيلة منيب، رسمياً، نفس الإطار الحزبي، نقدم لرفيقتنا، بطريقة مباشرة، ملاحظات حول بعض تصريحاتها التي ترد فيها معلومات غير دقيقة والتي تسيء إلى رفيقتنا وقد تدفع الناس، مستقبلا، إلى عدم تصديق كلامها، بما في ذلك المعلومات الصحيحة والهامة التي يتضمنها، مما يؤثر سلبياً على صورة الحزب ككل. واليوم، نحن كمتتبعين للحياة السياسية خارج البنية الحزبية الرسمية، من حقنا أن نقدم ملاحظاتنا، عَلَناً، بخصوص ما يرد على لسان نبيلة منيب كفاعلة سياسية نحترمها ونُقَدِّرُها ونُثَمِّنُ مجهوداتها ونتمنى لها النجاح والسداد وتصحيح الأخطاء متى وُجِدَتْ. إن الطريقة السليمة لاحتساب أعضاء أي حزب تقتضي الرجوع إلى عدد البطاقات الموزعة، أما القول بأن عدد أعضاء الحزب "المعروفين" هو 25 ألف، بالإضافة إلى "الملتحقين الجدد"، فليس له أي معنى بدون الاستناد إلى بطائق العضوية، فكيف يكون الأعضاء معروفون إذا لم نتمكن من تبطيقهم، فحيازتهم للبطاقة هي التي تجعلنا "نعرفهم" وبدون ذلك يحق لنا التساؤل عن الأعضاء "المعروفين" غير المبطقين: ما هي الجهة التي تعرفهم؟ أو بعبارة أخرى : هم معروفون لدى من يا ترى؟ هل تعرفهم الأمينة العامة وحدها ولا تعرفهم الفروع والأقاليم والجهات واللجنة الوطنية للتنظيم؟ أما بالنسبة إلى "الملتحقين الجدد" فكيف نعتبرهم أعضاء إذا كانوا لم يحصلوا، بعد، على بطائقهم الحزبية؟ وعليه، وتنويراً للرأي العام، أُقَدِّمُ، في ما يلي، بعض التوضيحات حول مسألة العضوية في الحزب الاشتراكي الموحد، اعتماداً على وثائق وتقارير ومحاضر أشغال مؤسسات الحزب، وأكثرها منشور أو يمكن للعموم الاطلاع عليه: أولاً- من المشاكل القارة والمزمنة التي يعاني منها الحزب الاشتراكي الموحد، هي مشكلة ضبط العضوية، فإذا استثنينا فترة الإعداد للمؤتمرات، فإن لوائح العضوية لا تُضْبَطُ ولا تُحَيَّنُ سنوياً بشكل دقيق ونظامي، ويظل مركز الحزب، ولجنته التنتظيمية، عاجزين عن تكوين صورة دقيقة عن عدد المنخرطين(3). إن هذا النقص في المعلومات، حول الأعضاء، يشكل إحدى نقاط الضعف البارزة في سير العملية التنظيمية داخل الحزب الاشتراكي الموحد(4) ولهذا فلا مناص من الرجوع إلى أشغال المؤتمرات لأخذ فكرة عن العضوية. ثانياً– بلغ عدد أعضاء الحزب في مرحلة انعقاد المؤتمر الوطني الثالث (16-17-18 دجنبر 2011) ما مجموعه 3674 عضواً(5)، وكان عدد المؤتمرين 621 وشارك منهم في التصويت على الأرضيتين اللتين طُرحتا على المؤتمر 538 حيث حازت أرضية الديمقراطية هنا والآن على 417 صوتا (نسبة 82,08 في المائة) وحازت أرضية اليسار المواطن على 91 صوتاً (نسبة 17,91 في المائة)(6). ثالثاً – يجب الاعتراف أن الحزب، في الفترة الفاصلة بين المؤتمرين الثالث والرابع، عرف نوعاً من الانتعاش التنظيمي والتحقت به أفواج جديدة من الشباب، وكان ذلك نتيجة لتدخل ثلاثة عوامل: – حركة 20 فبراير حيث ظهر لعدد من الشباب أن خطاب الحزب هو الأكثر تجاوباً مع مطامح الأنوية الأصلية للحركة. – تحركات وتنقلات الأمينة العامة للحزب الأستاذة نبيلة منيب وفعاليتها التواصلية وطبيعة الشعارات والمواقف التي عبرت عنها في تصريحاتها، آنذاك، والتي مَيَّزَتْهَا إلى حد كبير عن تصريحات وخطابات رؤساء الأحزاب الأخرى. – النَّفَسُ الجديد الذي ضَخَّهُ الرفيق عمر بلافريج في الحياة السياسية المغربية، والقيمة المضافة التي منحها للحزب الاشتراكي الموحد، كبرلماني شاب يمارس دوره بشكل مختلف، ولانمطي، وقدرته على مخاطبة الأجيال الجديدة بلغة تجمع بين الصراحة والعمق والدقة والوضوح. وهكذا تَوَصَّلَ الحزب، قبيل المؤتمر الوطني الرابع، بحوالي 6000 طلب انخراط، أُحيلت على الفروع من أجل الإشراف على إدماج أصحابها في الدورة التنظيمية؛ ولكن الحصيلة كانت هزيلة جداً ومخيبة للآمال. وسجلت القيادة، بمرارة، أن الحزب "لم يستفد من ذلك الزخم الذي رافق الإقبال على الحزب بشكل كبير. وقليلة هي الفروع التي تمكنت من إدماج الرفيقات والرفاق في دورتها التنظيمية"(7). ومن باب الإنصاف والموضوعية لا يمكن أن نُحَمِّلَ مسؤولية ضياع فرص التوسع التنظيمي إلى المكتب السياسي أو الأمينة العامة، بل إن التنظيمات المحلية هي المسؤولة، أساساً، في نظرنا، عن "عدم القدرة على حسن استقبال الوفادة الجديدة" وعن كون "المنخرطين الجدد يحسون بأنفسهم ضائعين بلا بوصلة" وعن "ظاهرة الهدر التنظيمي، ففي كل مرحلة يظهر كما له أنه محكوم علينا بفقد جزء من مناضلينا"(8). ومع اقتراب موعد المؤتمر الوطني الرابع، لاحظنا، من الناحية العملية أننا لم نحقق التوسع التنظيمي المأمول وأن طلبات العضوية لم تُتَوَّجْ بانخراط المعنيين بها في التنظيم الحزبي، وأن العدد الإجمالي للأعضاء لم يزد، من المؤتمر الوطني الثالث إلى المؤتمر الوطني الرابع أي خلال ست سنوات، إلا ب 1261 عضوا جديداً فقط، ولهذا اضطرت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الرابع إلى تخفيض نصاب انتخاب المؤتمرين ثلاث مرات (من مؤتمر عن كل 10 أعضاء، إلى مؤتمر عن كل 8 أعضاء، إلى مؤتمر عن كل 6 أعضاء) وذلك من أجل ضمان عدد "محترم" من المؤتمرين ! رابعا- انعقد المؤتمر الوطني الرابع للحزب أيام 19 و20 و21 يناير 2018، وبلغ عدد أعضاء الحزب الذين على أساسهم تَمَّ انتخاب المؤتمرين 4935 عضواً، بينما بلغ عدد المؤتمرين 912 مؤتمراً ومؤتمرة(9) (وإذا أضفنا عدد أعضاء لجنة التنظيم وبعض الضيوف، فإن الذين حضروا المؤتمر كانوا في جميع الأحوال أقل من 1200 فرداً). وشارك في عملية التصويت على الأرضيات 773 مؤتمراً ومؤتمرة، وبناء عليه نالت أرضية الأفق الجديد 614 صوتا بنسبة 80 في المائة، ونالت أرضية اليسار المواطن والمناصفة 125 صوتا بنسبة 16 في المائة، ونالت أرضية التغيير الديمقراطي 32 صوتاً بنسبة 4 في المائة(10). وأصبح عدد الفروع الحزبية 115 فرعاً قبيل المؤتمر الرابع، بينما كان عددها قبيل المؤتمر الثالث 86 فرعاً فقط، ومع ذلك فإن الهدف الذي كان الحزب قد حدده لنفسه تنظيماً هو الوصول عشية المؤتمر الرابع إلى 140 فرعاً. ولم يستطع الحزب أيضاً إجراء انتخابات المؤتمرين في 13 نقطة تنظيمية(11). نستنتج مما سبق أن الحجم التنظيمي للحزب الاشتراكي الموحد جد متواضع، وعدد أعضائه، وطنياً اليوم، يقل عن 5000 عضو بكل تأكيد، ورغم بعض التطور المحدود في العضوية، والذي جرى في محطات 2011 و2015 و2016، فلقد حصل تراجع في ما بعد، وهكذا مثلاً تَبَيَّنَ، من خلال المؤتمر الجهوي لجهة الرباط – سلا – القنيطرة، أن عدد المنخرطين في الجهة كلها –وهي من أهم الجهات عددياً في الحزب- لا يتعدى 575 عضواً، خلال 2019، بينما كانت الجهة، قبل هذا التاريخ، قد عرفت توسعاً تنظيمياً ملحوظا. ولم يحضر المؤتمر سوى 98 عضوا من أصل 132 مؤتمراً منتخباً(12)، وعلى صعيد فروع الجهة، مثلاً، ظهر أن فرع أكدال تَمَكَّنَ من التوفر على ما يفوق الثمانين عضواً في 2016 ولكنه فَقَدَ نصف أعضائه في ما بعد(13). الرفيقة نبيلة منيب، وهي تقول إن عدد أعضاء الحزب الاشتراكي الموحد "المعروفون" هم 25 ألف، لم ترتكب خطأ في الحساب على هذا القدر من الجسامة، ولم تختلط في ذهنها الأرقام بهذا الشكل المثير للدهشة، ولم تقع ضحية عطب أصاب حاسوب المقر المركزي للحزب أو حاسوبها الخاص، ولم تَضِعْ منها وثائق وتقارير وسجلات الحزب في زلزال ضرب بناية المقر دون غيرها.. إنها، فقط، تريد أن تُقَلِّلَ من شأن موجة الاستقالات التي عصفت بالحزب وأن تستصغر حجم المنسحبين منه. لكن المشكلة التي ستظل تواجهها في هذه القضية، وفي قضايا أخرى مماثلة، هي أن إمكانات التوثيق التي تتيحها الوسائل المتوفرة في القرن الواحد والعشرين، تتحدى الزمن وتقاوم المحو ولا يمكن التشطيب على المعلومات المسجلة فيها بجرة قلم! وفي انتظار أن يتدخل حكماء الحزب ومسؤولو اللجنة الوطنية للتنظيم لتصحيح المعلومات المقدمة(14)، نذكرهم بأن الصمت على ترويج معلومات غير دقيقة عن الحزب من شأنه أن يمس بمصداقيتهم ومصداقية جهودهم الهادفة إلى بناء حزب عصري بآليات حداثية وأرقام مدققة وعضوية مضبوطة، وقد يصبحون هم أنفسهم، في يوم من الأيام، ضحايا "الأرقام المنفوخ فيها"! هوامش (1)- منيب تشرح خلفيات ما حدث في فيدرالية: https://youtu.be/XeGAjFEV-LQ (2)- برنامج مواجهة للإقناع بمشاركة نبيلة منيب- القناة التلفزية Medi 1 TV- يوليوز 2021 (3)- التقرير الأدبي المقدم إلى المؤتمر الوطني الرابع للحزب الاشتراكي الموحد، المنعقد أيام 19، 20 و21 يناير 2018- الصفحة 30 مطبوع مستقل ضمن الوثائق المسلمة إلى المؤتمرين. (4)- مرجع سابق- الصفحة 30. (5)- تقرير لجنة فحص العضوية المقدم إلى المؤتمر الوطني الثالث للحزب الاشتراكي الموحد المنعقد بالرباطوبوزنيقة -16-17-18 دجنبر 2011. (6)- الحزب الاشتراكي الموحد – الديمقراطية… هنا والآن – المؤتمر الوطني الثالث – الطبعة الأولى- الدارالبيضاء – 2013- مطبعة تيسير- الصفحة 147. (7)- الحزب الاشتراكي الموحد – وثائق المؤتمر الوطني الرابع- دعم النضالات الشعبية من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية – 19، 20، و21 يناير 2018 – الطبعة الأولى 2021- مطبعة النجاح الجديدة- الدارالبيضاء- الصفحة 62. (8)- أرضية الأفق الجديد، منشورة في كتاب: وثائق المؤتمر الوطني الرابع- مرجع سابق- الصفحة 158-159. (9)- تقرير لجنة فحص العضوية المقدم إلى المؤتمر الوطني الرابع للحزب الاشتراكي الموحد- 19،20 و21 يناير 2018. (10)- بلاغ الرئاسة عن أشغال المؤتمر الوطني الرابع للحزب الاشتراكي الموحد- بوزنيقة في 23 يناير 2018- رئيس المؤتمر أحمد السباعي. (11)- كتاب : وثائق المؤتمر الوطني الرابع للحزب الاشتراكي الموحد- مرجع سابق-الصفحة 62. (12)- تقرير لجنة فحص العضوية، المؤتمر الجهوي لجهة الرباط – سلا – القنيطرة- المنعقد بالرباط في 03 و04 ماي 2019 تحت شعار (يسار فاعل لتحقيق العدالة المجالية). (13)- تدخل للرفيق عمر الحياني الكاتب العام المستقيل لفرع أكدال بالرباط، خلال حضوره أشغال المؤتمر الجهوي للرباط –سلا- القنيطرة في 3 و4 ماي 2019. (14)- للإشارة فإن التصريح بأن عدد أعضاء الحزب الاشتراكي الموحد هو 25000 عضو، يتناقض منطقياً مع كون الحزب المذكور لم يستطع أن يرشح في الانتخابات الجماعية لاقتراع 8 شتنبر 2021 سوى 2912 مرشحاً، ما السبب الوجيه، في هذه الحالة، الذي جعل 22 088 من "الأعضاء" جميعاً غير معنيين بالترشيح؟