باتت حركة طالبان الأحد على وشك الاستيلاء الكامل على السلطة في أفغانستان بعد هجوم خاطف باشرته في ماي ، ولم يتبق أمامها سوى السيطرة على العاصمة كابول المعزولة والمحاصرة. وسيطر المتمردون الأحد على مدينة جلال آباد في شرق أفغانستان دون أن يواجهوا أي مقاومة، بعد ساعات من استيلائهم على مزار شريف، رابع أكبر مدينة أفغانية وكبرى مدن شمال البلاد. وقال أحمد والي، وهو من سكّان جلال آباد، لوكالة فرانس برس "استيقظنا هذا الصباح (ووجدنا) أعلام طالبان البيضاء في كلّ أنحاء المدينة. إنّهم في المدينة. دخلوا من دون قتال". وتمكنت طالبان التي بدأت هجومها في أيار/مايو مع بدء الانسحاب النهائي للقوات الأميركية والأجنبية، من السيطرة خلال عشرة أيام فقط على غالبية البلاد ووصلت إلى مشارف كابول، وهي الآن محاصرة بالكامل. لا يزال هناك عدد من المدن الصغيرة تحت سيطرة الحكومة، لكنها متفرقة ومعزولة عن العاصمة وليست لديها اهمية استراتيجية كبيرة. وتبدو الهزيمة كاملة للقوات الأفغانية رغم إنفاق الولاياتالمتحدة مئات مليارات الدولارات عليها منذ عقدين، ولحكومة الرئيس أشرف غني. وقال غني السبت إنّ "إعادة تعبئة قوّاتنا الأمنية والدفاعية على رأس أولوياتنا". لكن رسالته لم تلق أي استجابة، ولا خيار أمامه سوى الاستسلام والاستقالة، أو مواصلة النضال لإنقاذ كابول لقاء التسبب بإراقة الدماء. وأعلن بدء مشاورات قال إنها "تتقدّم سريعاً" داخل الحكومة مع المسؤولين السياسيين والشركاء الدوليين لإيجاد "حل سياسي يضمن توفير السلام والاستقرار للشعب الأفغاني". وأعلن القصر الجمهوري مساءً أنّ "الحكومة ستشكّل وفداً في وقت قريب، وسيكون جاهزاً للتفاوض". خوف وغضب وإزاء انهيار الجيش الأفغاني، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن السبت رفع عديد القوات الأميركية المرسلة إلى مطار كابول للمشاركة في إجلاء طاقم السفارة ومدنيين أفغان تعاملوا مع الولاياتالمتحدة إلى خمسة آلاف عنصر. ويقدر البنتاغون بحوالى 30 ألفا عدد الأشخاص الذين يتحتم إجلاؤهم بحلول 31 غشت، مع انتهاء المهلة التي حددها بايدن لاستكمال الانسحاب من هذا البلد. وحلّقت مروحيات ذهابا وإيابا في كابول السبت بين المطار الدولي والمجمع الدبلوماسي الأميركي في المنطقة الخضراء الخاضعة لإجراءات حماية مشددة. وتلقى موظفو السفارة الأميركية أوامر بإتلاف أو إحراق الوثائق الحساسة والرموز التي يمكن أن تستخدمها طالبان "لأغراض دعائية". كذلك، أعلنت دول أوروبية هي بريطانيا وألمانيا والدنمارك وإسبانيا والجمهورية التشيكية، الجمعة تقليص وجودها في أفغانستان إلى الحدّ الأدنى، وباشرت برامجا لنقل موظفيها الأفغان. وحذر الرئيس الأميركي حركة طالبان من عرقلة هذه المهمة متوعدا ب"رد عسكري أميركي سريع وقوي" إذا ما هاجمت مصالح أميركية. لكنه دافع أيضا عن قراره إنهاء 20 عاما من الحرب، وهي الأطول للولايات المتحدة، والتي شنت في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 للإطاحة بنظام طالبان بسبب رفضه تسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن. وقال بايدن في بيان السبت إنّ "عاماً أو خمسة أعوام إضافية من الوجود العسكري الأميركي لن تُحدث أي فارق إذا كان الجيش الأفغاني غير قادر أو غير عازم على الدفاع عن بلده". وتابع "أنا رابع رئيس يتولى المنصب في ظل وجود قوات أميركية في أفغانستان"، مؤكدا "لن أورّث هذه الحرب إلى رئيس خامس". وفي حي التيماني وسط العاصمة، فتحت المتاجر أبوابها الأحد كالمعتاد. لكن كل الأحاديث كانت تدور حول تقدم طالبان، وسط مشاعر الخوف والارتباك بين الناس. "القيم الإسلامية" قال التاجر طارق نظامي (30 عاما) لوكالة فرانس برس "نحن نقدر عودة طالبان إلى أفغانستان، لكننا نأمل أن يفضي وصولهم إلى السلام وليس إلى حمام دم. إنني أتذكر الفظائع التي ارتكبتها طالبان، عندما كنت طفلاً صغيراً". وأوضح "آمل فقط أن تؤدي عودتهم إلى السلام، هذا كل ما أريده" مضيفاً "كما ترى، يفر الكثير من الأفغان من كابول كل يوم، وهذا يعني أن لديهم ذكريات سيئة عن طالبان، إنهم يهربون منها". شهدت أغلبية المصارف ازدحاماً، وسط تهافت الناس على سحب أموالهم قبل فوات الاوان. يخشى كثير من الأفغان المعتادين على الحرية التي تمتعوا بها في السنوات العشرين الماضية، وخصوصا النساء، عودة طالبان إلى السلطة. فعندما حكمت البلاد بين 1996 و2001 قبل أن يطردها تحالف دولي بقيادة الولاياتالمتحدة من السلطة، فرضت طالبان رؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية. فمنعت النساء من الخروج بدون محرم ومن العمل. كما منعت تعليم البنات وكانت النساء اللواتي يتّهمن بالزنا يتعرضن للجلد والرجم. غير أن طالبان الحريصة اليوم على إظهار صورة أكثر اعتدالاً، تعهدت مرارا إذا عادت إلى السلطة باحترام حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، بما يتوافق مع "القيم الإسلامية". لكن في المناطق التي سيطروا عليها مؤخرا، اتهم عناصر طالبان بارتكاب العديد من الفظائع، من قتل مدنيين وقطع رؤوس وخطف مراهقات لتزويجهنّ بالقوة.