تقرير إخباري - انتشرت على المواقع الاجتماعية العالمية، وخاصة على صفحات الرواد المغاربة لهذه المواقع، صورا للملك محمد السادس أثناء جولته الإفريقية الأخيرة، تظهره وهو بعيد عن البروتوكول في لقطات شخصية مع أناس عاديين من الجالية المغربية في السنغال، وداخل بيت مسؤول إفريقي بساحل العاج، وهو يجلس في صالة الاستقبال وقد قدم له التمر وكأس من عصير الفواكه الإستوائية، وبدا في لقطات أخرى وهو يلتقط صورا تذكارية مع أفراد أسرة المسؤول الإفريقي وقد بدت سيدتان منها وقد ارتدين لباسا تقليديا مغربيا، مما يفترض أنهما يعرفان المغرب. ومن خلال إحدى الصور يبدو الملك إلى جانب المسؤول الإفريقي الذي ليس سوى سفير ساحل العاج السابق لدى المغرب، وهو نفس الشخص الذي تداولت المواقع الإجتماعية في بلاده وفي المغرب والعالم، صورته وهو يحاول تقبيل يد الملك أثناء وصوله إلى ساحل العاج، مما أحرج الملك الذي سحب يده بسرعة، لأن تقليد تقبيل يد الملك الذي يعتبره بعض المغاربة، خاصة الموالون منهم للمخزن، أحد طقوس بروتوكول السلام على الملك، غالبا ما يقابل بالنقد من قبل وسائل الإعلام المستقلة داخل المغرب وفي العالم. من سرب صور الملك؟ الصور الخاصة للملك في جولته الإفريقية، أثارت وما زالت تثير الكثير من الجدل، على صفحات رواد المواقع الإجتماعية والمواقع الرقمية المغربية، ما بين معجب ومنتقد وممتعض.. لكن المهم هو أن الصور أدت مفعولها كأسلوب "ماركوتينغ" جديد لتلميع صورة الملك، عندما أظهرته كإنسان عادي "يأكل الطعام ويمشي في الأسواق"، كما كتب أحد المواقع الرقمية المغربية. فهل كان ذلك هو الهدف من وراء تسريب تلك الصور؟ أم أن تلقائيتها هي التي كانت وراء انتشارها بشكل واسع ووراء فعلها الذي ترك انطباعا إيجابيا على صورة الملك الذي ظهر لأول مرة منذ عدة سنوات بعيدا عن البروتوكول في لقطات تلقائية تركز على الطابع العادي في حياته كإنسان قبل أن يكون ملكا؟ حرص الملك على صوره الجواب عن هذا السؤال يقتضي معرفة ما إذا كانت تلك الصور مسربة عن قصد، أم أنها سربت خلسة. فالمعروف أن الملك محمد السادس يحرص كثيرا على اختيار صوره وصور أفراد أسرته الصغيرة التي تنشر في وسائل الإعلام الرسمية. ومنذ مجيئه إلى الحكم عام 1999، منع الملك حضور مصورين، باستثناء مصوريه الشخصيين، الأنشطة الرسمية التي تقام في القصر، ونادرا ما يتم التساهل مع المصورين لحضور أنشطة رسمية للملك خارج القصر ونفس الشئ ينطبق على رحلاته وأسفاره خارج المغرب. وحتى الصور التي يلتقطها له فريق مصوريه، الذين يوجد على رأسهم "علي لينه"، وهو من أصول أسيوية ورث منصبه وعمله عن والده الذي كان ضمن فريق مصوري الملك الراحل الحسن الثاني، فإن إرسالهم إلى وكالة الأنباء الرسمية "لاماب"، أو صحف "ماروك سوار" الرسمية، لا يتم إلا بعد موافقة الملك الذي يختار بنفسه الصور التي يريد هو أن تنشر. فما الذي حصل حتى سمح هذه المرة بتسريب صور خاصة للملك، وبعضها بجودة غير عالية، وفي وضعيات تظهر أن بعضها التقط من طرف هاو وبدون مراعاة استعداد الملك لالتقاطها؟ تسريب هذه الصور يذكر الرأي العام بالصور التي انتشرت مع بداية تولي الملك محمد السادس الملك عام 1999. فخلال فترة حكم والده ظل الملك الحالي يعيش خلف ظل والده، ولم يكن المغاربة يعرفون عن الحياة الشخصية لولي العهد آنذاك غير ما كانت تريد وسائل الإعلام الرسمية ترويجه عنه. ومباشرة بعد توليه الملك انتشرت الكثير من الصور الخاصة للملك الحالي، تظهر الجانب الإنساني والشخصي فيه الذي كان يجهله مواطنوه. فانتشرت في الأسواق الشعبية صور للملك وهو يمارس رياضته المفضلة "التجيت سكي"، وصور أخرى وهو يمارس رياضة التزحلق على الثلج وصور أخرى يظهر فيها وهو يصطاد السمك أو في زي قناص يلتقط صورة تذكارية وهو جالس قرب طريدة نجح في قنصها. وخلال تلك الفترة كانت الصحافة الفرنسية، وليس بمحض الصدفة، أول من أطلق على الملك لقب "ملك الفقراء". عملية "ماركوتينغ" مدروسة لقد كانت الغاية من حملة "الماركوتينغ" تلك هي تقديم الملك الجديد لشعبه كإنسان قريب منهم. وما يدل على أن الأمر لا يعدو أن يكون عملية "ماركوتينغ" مدروسة هو التوقيت الذي يتم اختياره دائما لإخراج الصور الخاصة للملك: حدث ذلك أثناء عرس الملك عندما ظهر وهو يعتلي العمارية، وتكرر عند ولاية ولي العهد وشقيقته أو بمناسبة أعياد ميلاد ولي العهد، أو في المرة الوحيدة التي فتحت فيها أبواب الإقامة الخاصة للملك بدار السلام لمجلة باري ماتش الفرنسية. إن المتتبع لتاريخ نشر الصور الخاصة للملك، سيجد أنها كانت دائما ترتبط بلحظات حاسمة يكون الهدف من ورائها إما تلميع صورة الملك أو التأكيد تلك الصورة الإيجابية التي تظهره وهو قريب من الناس العاديين سواء في مظهره أو مأكله أو تصرفه وحتى في حالات ضعفه الإنساني عندما ظهر في نشاط رسمي وهو يتكئ على عكاز. صور لم تغضب الملك فهل الصور الأخيرة التي تم تسريبها من رحلة الملك إلى إفريقيا تشد عن هذه القاعدة؟ الملاحظة الأولى هي أن تسريب هذه الصور لم تغضب الملك، وإلا لما أقدم موقع "منارة" التابع لمؤسسة "إتصالات المغرب"، على نشرها ضمن ألبوم خاص ضم 14 صورة. فقد جرت العادة أن الملك المعروف بصرامته مع التعامل مع صوره، غالبا ما يثير غضبه نشر بعض صوره التي لا تروقه، وقد حدث ذلك مع مجلة "لوجورنال" عندما نشرت صورة للملك التقطت له أثناء زيارة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، وقد بدا فيها الملك وهو في حالة غضب عكستها ملامح وجهه. كما كان شائعا لدى مقربين من القصر أن صورة أخرى لم تكن تروق للملك يبدو فيها مع الوزير الأول الأسبق عبد الرحمن اليوسفي، ظهر فيها اليوسفي وهو يواجه الملك وجها لوجه وملامح وجهيهما صارمة كمن كانا في حالة خصام. لذلك فإن الصور الأخيرة للملك وهو في جولته الإفريقية لا يمكن أن تخرج عن القاعدة، وبالتالي فلا يستبعد أن يكون تسريبها يدخل في عملية "ماركوتينغ"، لمتلميع صورة الملك بعد ما أصاب هذه الصورة من اهتزاز لدى الفئات الشابة من الشعب المغربي، خاصة من رواد الفيسبوك، الذين غالبا ما يلجئون إلى تركيب صور عن ملكهم تقدمه في صورة ملك مستبد أو مستحوذ على الثروات أو قامع للحريات.. وهذه الصور المركبة التي تغزو الشبكات الإجتماعية تعكس الشعارات الكبيرة التي رفعها المتظاهرون خلال سنتين من الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب، حيث رفعت لأول مرة شعارات تنال من الملك شخصيا وتستهدف المؤسسة الملكية. وقد ساهمت بعض الكتابات داخل وخارج المغرب على تقديم صورة أخرى عن الملك غير تلك الصورة "المؤطرة" التي تحرص وسائل الإعلام الرسمية على تقديمها عن الملك والتي تقدمه دائما كملك قريب من شعبه يغوص وسط الحشود البشرية، أو كملك يعطف على الفقراء يسلمهم معونات مادية أو ملك حنون ينحنى على المرضى وأصحاب الحاجات الخاصة ليقبلهم، أو كملك مؤمن يحرص كل جمعة على آداء الصلاة في المسجد... احتواء شعبية بنكيران هذه "الصورة"، هي نفسها التي دأبت عملية "الماركوتينغ" الرسمية على ترسيخها لدى الرأي العام وذلك منذ 13 سنة ونيف، هي عمر عهد الملك محمد السادس. وما نشر الصور الأخيرة عن رحلة الملك لإفريقيا إلا جزء من عملية "الصيانة" المستمرة لهذه الصورة، خاصة بعد التشويش الذي ألحق بها مؤخرا. فبعد تولي عبد الإله بنكيران رآسة الحكومة، ظهر رئيس الحكومة الإسلامي، أكثر تواصلا من الملك مع عامة الشعب، حتى إذا كان ذلك التواصل عبر الخطاب، حسب ما هو مسموح له به حتى الآن. وخلال أول حوار مباشر لرئيس الحكومة عبر التفزيونات الرسمية حطم الرقم القياسي لعدد المشاهدين، عندما تابع ذلك الحوار الذي دافع فيه بنكيران عن الزيادات في أسعار المحروقات نحو سبعة ملايين مشاهد، فيما لم يتجاوز عدد من تابعوا أهم خطاب ملكي منذ وصول محمد السادس إلى الحكم خمسة ملايين مشاهد، كان ذلك بمناسبة إعلان الملك عن أو تعديلات دستورية في عهده بضغط من الشارع في 20 مارس 2011. ومازالت حتى اليوم مداخلات بنكيران أمام البرلمان، أو أشرطة الفيدو لأنشطته الحزبية تستقطب عددا كبيرا من المشاهدين. وحسب ما تداولته بعض وسائل الإعلام المغربية، فقد لجأ القصر منذ وصول أو حكومة يقودها الإسلاميين المعرفين ببساطة ومباشرة خطابهم السياسي، إلى إنشاء خلية هدفها احتواء تأثير "الظهور الإعلامي" لرئيس الحكومة وبالمقابل العمل على "صيانة" صورة الملك من التشويش الذي ساهمت أجواء الحرية التي هبت مع نسيم "الثورات الديمقراطية"، في إلحاقه بها. وفي هذا السياق تحدثت بعض وسائل الإعلام عن إلحاق مختص في التواصل و"الماركوتينغ"، هو كريم بوزيدة، كمكلف بمهمة بالقصر الملكي بدرجة "كاتب دولة"، تنحصر مهمته أساسا في "تلميع" صورة الملك في وسائل الإعلام التقليدية والرقمية وعبر المواقع الإجتماعية. وبوزيدة، هو من الرجال المحسوبين على المستشار الملكي النافذ فؤاد عالي الهمة، فقد سبق لبوزيدة أن أشرف على الحملة الانتخابية للهمة عام 2007 في منطقة الرحامنة، وتولى الإشراف على العلاقات العامة داخل مؤسسة الهمة الإعلامية "مينا ميديا"، التي اشتراها الهمة من الثري السعودي عثمان العمير، الذي كان مقربا من الملك الراحل الحسن الثاني. صورة بعيدة عن طبق الأصل يبقى أن الصور الأخيرة للملك في جولته الإفريقية نجحت في بلوغ هدفها في إظهار الملك كإنسان مثل أيها الناس "يأكل الطعام ويمشي في الأسواق"، لكنها في نفس الوقت فسحت المجال للمعلقين من رواد الفيسبوك ليعلقوا بحرية ويعيدوا التذكير بالصور التي لخصتها شعارات المتظاهرين لملك: مستبد ومستحوذ... مما دفع أحد رواد الفيسبوك إلى التعليق بالقول بأن الصورة كانت ستكون متطابقة مع تواضع وبساطة صاحبها لو أنه اختار أن يكون ملكا يسود و لا يحكم، ملك متحرر من كل بروتوكول كما ظهر في صوره، يرعى مشاريعه في افريقيا ويلتقط الصور التذكارية لسفرياته عندما لا تكون على حساب موال الشعب...