بالإمكان أن يُصب غضب الانتهازية على كل الناس .. ومن جملتهم رجال الدين والوعاظ والحكام الكبار. لكن حين يتعلق الأمر بالصحافي فإن الانتهازية تقف عند رجليه، وتريده أن يشَغّلها بالطريقة التي تؤدي دور الفهم والتنوير والمكاشفة في المنطقة التي يعمرها البشر وليس البهائم.. والنقاش في الذاكرة الانتهازية، هو الذي يفرز ما للصحافي من فضيلة على الرأي العام. أقول هذا وأنا أراجع بعض الأحداث التي تعود إلى أيام ماضية قريبة، والتي وضعت أمام عيني "الصحافي الطيب" الذي نعت زميلا له آخر بالانتهازية، وهو يدافع عن وجهة نظر معينة، فيما يُتناقل من صراع بين السيدة الأولى في القناة التليفيزيونية الثانية " سميرة سيتايل " وبين رئيس الحكومة المغربية .. لا داعي لذكر إسمه، فهو مجرجر ومجمجم على كل لسان.. ومن كل ما نقلته وسائل الإعلام التي أولت الحادث العناية المركزة، لم أقف عند شيء يتعلق بموضوع الخلاف بين المواطنة والصحافية فوق العادة سميرة سيتايل، وبين الوزير الذي لا يعلو عليه وزير.. وكل ما نقلته تلك الوسائل، هو رفض الصحافية لإملاءات الوزير الاول، وإعلانها الواضح/ الغامض، بأنها أ تشتغل في دولة أمير المؤمنين.. وتقصد ولا ريب بذلك ملك البلاد.. وكأني بها تريد أن تعلن صراحة أنها تشتغل مع الملك ولمصلحته.. وليس للدولة وباقي مكوناتها..ولو أن الناس في المغرب كلهم يشتغلون في مصلحة الملك ، لأنه رئيس الدولة، وليس في هذا ما يميز " سميرة عن سمير". هذه أول مرة يعرف الناس وغير الناس، من كل الأطياف الطيبة والداهمة معا، أن الدكتورة سميرة سيتايل تشتغل مع الملك ، وأن باقي الشعب من أعلى همة، إلى أسفل قمة.. لا يشتغل أفراده مثلها في منظومة الدولة المغربية التي يتسيدها الملك.. وهنا بالتحديد، فإنني لا أرى هنالك فرقا بين تلك الصحافية الطاغية على رؤوس الأقلام، وبين ذلك الصعلوك المقَرقب الذي يعتدي على غيره، أو يتحدى رجل أمن وهو يصرخ " عاش الملك " .. والمقرقب حين يلجأ إلى هذا النوع من تجاوز الاعتبارات والشعارات الاجتماعية، هو مضطر أن يبحث له عن مخرج من المأزق، كما يبحث عن علاج يعافيه من شر المتابعة، وهو ما يطلق عليه أصحاب علم الاجتماع المغربي المعاصر " التداوي بالأعتاب " .. وبذلك أجزم أن صاحبتنا " الدكتورة " سميرة ، اقتبست أساليب الرعاع لتدافع عن نفسها، وهي تستنجد بدورها ب " التداوي بالأعتاب " .. غير أن هنالك من يقرأ مثل هذه الأمور الغريبة في علاقة الموظفين بالمسؤولين في إدارتنا، ويضع كثيرا من اللوّاحات في مكانها الحقيقي، عن طريق القراءات السبع، و يفسر الأمور من بابها الأقرب إلى الصواب، وهو أن السيدة سيتايل لا تنطق عن هوى، ولا تردد مع الراحل الحياني " أرى ما عندك ياهوى..".. ويؤكدون هذا الزعم من أن كبار رجالات الإدارة في المغرب من الملوثين، كانوا يلجؤون لمثل تلك اللازمات المتعلقة بالظهائر الملكية والولاء من غير أن يفلحوا حتى يهربوا من مصيدة التحقيق والنيابة العامة من أمثال اسليماني والفرعا وبنعلو وعليوة .. ويضيفون: ما دام الرئيس بنكيران يعزف على النغمة الملكية في شد أزره وتشجيعه بضمان استمراره على رأس الوزارة والوزراء، ولا يثق في نفسه وفي اختياراته وفي صناديق الاقتراع. فلما ذا لا تلجأ " الدكتورة سميرة " إلى نفس الأسلوب والملعوب، حتى توهم الرأي العام بأنها تستمد نفوذها من السدة العالية بالله.. ويقول آخرون بأن المستشار السابق " أزولاي" كان يطلقها على خصومه، ضامنا لها مظلة القصر، وأن تلك المظلة ما زالت صالحة لتقيَ " سيتايل " الرياح والعواصف. أما أنا شخصيا فإني أرجح على أن في هذا السلوك نوعا من البطش العشوائي بمقام الملك، الذي لا يكون الاحتكام إليه إلا فيما هو أهم من سياسة البلد اقتصادا واجتماعا وحربا وسلما، وليس متفرغا لإرضاء نزوات سميرة أو سمير.. ومثل هذه الأمور وهي أقرب إلى الخرافة منها إلى الحقيقة توضح بجلاء ، أن تعيين غير المؤهلين على رأس المسؤوليات في الإعلام وفي غير الإعلام هو جريمة منظمة لاتغتفر، كانت سائدة وما زالت سائدة.. للملك مقامه، وهموم بعيدة عن هموم سميرة سيتايل، وإن كانت قريبة من جهة معينة، فهي أقرب إلى هموم ملفات الحكومة.. l ولو كانت السيدة سيتايل تهتم بعملها وتنجزه على أكمل وجه، من غير أن تكون دمية أو صوت آخرين، لعرفت كيف تحافظ على العلاقة المهنية مع غيرها، من غير أن تعتمد على النجدة أو الإغاثة من أي جهة كانت.. في شهر يوليوز من سنة 1973، حدث خلل في خطاب الوزير الأول وقتها أحمد عصمان. كان الخطاب مسجلا من داخل مدرسة تكوين الأطر بالقنيطرة، بمناسبة تخريج أحد أفواجها.. لم يعجب ذلك السيد عصمان، فاتصل مباشرة برئيس التحرير.. المرحوم محمد بناني، وكان صحافيا عالي الهمة وجامعا للحرفة . أزبد عصمان وأرعد وأرهب، فلما انتهى من " جذبته " رد عليه الصحافي الكبير بما يلي: احترم نفسك.. لن أسمح لك بمد رجلك وصوتك إلي.. إن كان لديك ما تقوله فما عليك سوى أن تبلغه إلى المدير العام.. ومن ذلك الوقت أقسم محمد بناني ألا يعود إلى مهنة يهان فيها.. رغم أن الأستاذ أحمد خالص .. المدير العام.. اقترح عليه عطلة مفتوحة لمدة شهر، على نفقة دار الإذاعة والتليفيزيون، في أي منتجع عالمي، حتى تهدأ الأمور، فقد رفض العرض وأصر على موقفه.. لا خير في صحافي لا يحترم نفسه ويصون كرامته.. خير في رئيس حكومة يتداوى هو بدوره بالأعتاب.. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.