أطرف ما يمكن قراءته أو سماعه في ثورة الغضب، التي أطاحت ب"الدكتاتور العادل"، هو ما قاله معمر القذافي، زعيم آخر زمان، والذي لم تَعْلُ وجهه حمرة خجل حين صرح أن زميله حسني مبارك فقير ولم يكن يملك ما يشتري به ملابسه. مسكين. وكأن القذافي هو الذي كان يتكلف بمصروف جيب "الرَّيس" لشراء نصيبه من "الكوشري"، أو هو من كان يتكلف بشراء لعب عاشوراء لعيال السيدة سوزان، وربما أن "الزعيم" هو من كان يبعث كبشا ليبيا إلى حاكم المحروسة، كل سنة، بمناسبة عيد الأضحى. القذافي كان يُكَذِّب، في ذلك، التقارير التي نشرتها صحيفة بريطانية رصينة وكشفت أن ثورة آل مبارك تتجاوز 70 مليار دولار، أي أنها تفوق ثروة الملياردير بيل غيتس، مؤسس مايكروسوفت. غير أن غيتس صنع ثروته بإبداع خدمة جديدة للعالم، ومبارك جمع ملياراته بسرقة أموال الشعب، الذي اضطر كثيرون إلى أن يمتهن "الشحاتة" في "أم الدنيا"، فيما تزاحم آخرون على السباق للحس قافة حواريي الطغمة الحاكمة التي نهبت البلاد وحولتها إلى ضيعة خاصة لا يدخلها إلا المحظيون والراسخون في علم الفساد. الآن، دكتاتور آخر مْشَى كما مَشَى سلفه زين العابدين بن علي، رجل "الكوافورة"، والذي حول تونس، بالفعل، إلى محل كبير للحلاقة، لحلاقة رؤوس كل من يتجرأ على قول "اللهم إن هذا منكر"، قبل أن تدور الأيام ويهرب حاكم قرطاج ككلب، تاركا وراءه الجمل بما حمل، وأصبح أقرباؤه منبوذين في كل أنحاء العالم كأنهم مصابون ب"الجربة". لقد حان زمن ربيع الشباب العربي، وآخر الدكتاتوريين العرب يتحسسون الآن أحزمة سراويلهم، والقذافي زعيم الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، الذي أصبح محاصرا من طرف ثورتين شعبيتين حقيقيتين -وليس على دبابة عسكرية-، قد لا ينعم بالنوم العميق داخل خيمته، بعدما فشلت "تحركاته" في الإبقاء على زميلين في الحكم اشتركا معه في القبض من حديد على رقاب العباد، قبل أن ينجح خريج جامعي، اضطر لبيع الخضر، في إسقاط نظام صوَّره الغرب أو صوَّر نفسه نموذجا لحاكم يمكن أن يكون مستبدا ومحققا للتنمية في الآن نفسه. محمد البوعزيزي أسدل الستارة عن مسرحية استمر عرضها 23 سنة، بل أن البوعزيزي لم يلهم التونسيين وحدهم، حين امتد صداه إلى بقاع في العالم العربي، واتخذه المصريون رمزا لثورة انتهت بهروب "آخر الفراعنة"، الذي جوع الشعب وجعله لا يأكل "لحمة"، إلا بمناسبة العيد الكبير، كما قال يوسف القرضاوي، مفتي دولة "الجزيرة". الكل، من العرب والعجم، يسأل عن صاحب الدور المقبل.. الحكام العرب أمام خيارين، إما استباق الثورة بدمقرطة المجتمع وبالتوزيع العادل للثروات، وليس بتوزيعها على عائلات محظوظة، أو ترك عائلات بعينها تمتص خيرات الشعوب العربية، وإما انتظار الأسوء، لأن النار المشتعلة الآن في مصر والمستمرة في تونس ستمتد إلى التبن الفاسد، من الخليج الثائر الى المحيط الهادر.