أفقدت تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكومة المغربية وحزب النهضة في تونس وحزب الحرية والعدالة في مصر التيارات الإسلاموية بشكل عام "وهجها" والموجودة بالشارع المغربي بشكل خاص "بريقها"والتي لا يزال يراهن عليها البعض ،لتوصل للمغرب "ربيعها" الشوكي هذا الرهان الذي نستشفه من خلال محاولة بعض الأقلام المغربية إعادة بعض البريق لتيار النهضة في تونس وتصوير وصوله للسلطة كإفراز" للثورة "و اعتباره ممثلا "شرعيا" للشعب التونسي أوصلته صناديق الاقتراع لسدة الحكم ،ونستشفه من محاولة هذه الأقلام إعفاءه من مسؤولية الفشل ومن تبرئته من العمالة للخارج ونستشفه من نسيان غريب ليمينيته وطابعه الرجعي بالمطلق . وفي محاولتها تلك تتراجع هذه الأقلام عن فرحها اليتيم بما كانت تسميه سقوط نظام بن علي وتستدرك بأن رأس النظام فقط هو الذي سقط،هذا التراجع الذي سيكفيها شر وضع وزر الوضع القائم في تونس حاليا على ظهر حزب النهضة، وقد وصل الأمر بهؤلاء إلى درجة تبخيس دم الشهيد شكري بلعيد واعتباره لم يكن يشكل خطرا على "فلول النظام "التونسي بقدر ما تشكله النهضة لكن يعودون ويلمحون إلى أن من قتل الشهيد هو من فلول النظام ليس رغبة في رأسه بل في رأس النهضة التي اعتبرتها نفس الأقلام عدو نظام بن علي "الوجودي" النظام الذي كان يعتبره الكثيرون "سقط" فإذا بهم "يحيوه" ليعلقوا في رقبته دم الشهيد وخطايا النهضة.أي أنهم لا يكتفون بجعل النهضة والتيارات الإسلاموية بريئة من قتل الشهيد بل يجعلونها لاتزال ضحية ل"فلول نظام بن علي" أكثر من الشهيد وبالتالي أكثر من التيار اليساري الذي يعتبر أحد رموزه . من هنا كانت كتابة هذا المقال ضرورية لاعتبارين: الاعتبار الأول هو إعادة طرح السؤال المتعلق بنزاهة الانتخابات التونسية التي أفرزت النهضة. والاعتبار الثاني : هو محاولة التعاطي مع عقدة الأقلام التي تعتبر الإسلاميين "البديل الأوحد" في المغرب في احتقار مضمر لهذا الشعب وفي رهان أعمى على اليمين لينجز مهام ثورية لا يستوعبها خطابه ولا فعله،وكأنه البديل الأوحد عن قبول الاستبداد. ويطرح السؤال التالي نفسه بحدة :هل الانتخابات التونسية كانت انتخابات نزيهة فعلا ؟؟ لن أتطرق للسياق الدولي الذي جاءت فيه النهضة للحكم وما تلا ذلك من صفقات لبيع تونس للرأسمال القطري والغربي -وهوما تحدث عنه الشهيد في أحد لقاءاته الصحفية مؤكدا حيازته وثائق تثبت ذلك-ولن أتحدث عن تطبيع أمريكا مع صنائعها من تيارات الإخوان المسلمين في المنطقة قبيل وبعد الحراك في تونس ومصر ،حتى لايقفز البعض لمحاكمة نظرية المؤامرة التي غالبا ما أثبتت الأيام صحتها، لكنني سأتحدث عن "النزاهة " الانتخابية بمعزل عن ذلك وأقول : إن الانتخابات النزيهة يشارك فيها المواطن دون أي إكراه اجتماعي أو سياسي أو ثقافي ديني معين ، ويذهب لصناديق الاقتراع واعيا باختياره لبرنامج مرشحه الاقتصادي والسياسي ،هذا البرنامج الذي يتطرق لمعيش المواطن اليومي ويقدم إجابات لمعضلاته الاقتصادية والاجتماعية بغض النظر عن دينه ، في حين أن ما حدث في تونس هو استغلال بشع للدين في الحملة الانتخابية وتصوير الخصوم على أنهم كفار-الجميع يتذكر الحملة ضد العلمانيين في استغلال لعرض غير برئ لفيلم في قناة نسمة قبيل الانتخابات - ، واللعب على عاطفة المواطن المتدين البسيط ،وتغييب وعيه بمشاكله الحقيقية للسطو على ثورة لم يشارك فيها من بنى شعبيته المزيفة على شعار متخشب متلخص في "الإسلام هو الحل". إن اعتبار البعض حديث الإسلامويين عن "الدولة المدنية" أمرا إيجابيا وينطوي على تقبل للعلمانية لهو مغالطة كبرى إذ العكس هو الصحيح فاستعمالهم لعبارة "الدولة المدنية "بدل "الدولة العلمانية "ماهو إلا أحد تعبيرات عدائهم للعلمانية إذ عمدوا لتفادي استعمالها في أدبياتهم وبالمقابل ذر الرماد في عيون من رفعوا شعار العلمانية في تونس إبان الحراك بإعطائهم بديلا ملغوما يخضع لأكثر من تأويل هو "الدولة المدنية" هذه العبارة التي يلبسونها لبوسا دينيا حين يريدون وتساعدهم على تسويق أنفسهم في الخارج حين يريدون. إن المواطن التونسي البسيط إذا كان فعلا ذهب لصناديق الاقتراع وصوت على النهضة قد فعل ذلك تحت إكراه عاطفي ديني تمت ممارسته عليه فارتأى المغامرة بمصير تونس السياسي في سبيل الدخول إلى "الجنة " باختيار لاواعي للإسلامويين لأنهم يكتبون على أوراق دعايتهم الانتخابية "بسم الله الرحمان الرحيم".وقد فعل ذلك تحت إكراه اقتصادي أيضا وعجز مادي استطاعت النهضة الممولة بسخاء من طرف الخليج تغطيته،ونعلم إلى أي حد شكل العمل الخيري ولا يزال أحد أهم وسائل الاستقطاب إضافة إلى "الوعظ والإرشاد".-لم يسبق لي مثلا أن شاهدت مظاهرة حاشدة للإسلامويين تدعو للرفع مثلا من الأجور أو تطالب بحرية الإعلام لأن منبرها الإعلامي كان متوفرا دائما في منبر المسجد ،ولأن "كوادرها" حتى لا أقول أمراءها كان لهم أكثر من أجر وكانوا متخمين بالمال الخليجي الذي أغرق الأسواق بتجار البخور الملتحين وتجار أشرطة الوعظ و وبملاك المكتبات التي تخلو تماما من كتب الفكر والفلسفة المؤسسة لثورات حقيقية لتحل محلها كتب عائض القرني والشيخ القرضاوي .. وقد فعل المواطن التونسي ذلك تحت ضغط إعلامي مكثف سخر للترويج للإسلامويين كمهندسين وهميين للثورة ،في حين أن الحقيقة غير ذلك تماما إذ أن الاتحاد العام للشغالين التونسي هو الذي كان الدينامو الرئيسي للحراك.وبالتالي فالنهضة لا تمتلك شرعية ثورية ولا انتخابية منذ البداية و سقط ما تبقى على عورتها من أوراق التوت بعدما وصل إليه الوضع الاجتماعي في تونس ،وبعدما وصلت إليه العلاقات الخارجية للنهضة من انحطاط على مستوى تحالفاتها والأجندات المشبوهة التي شاركت فيها والتي تحدث الشهيد عن أحد جوانبها المتعلق بتدريب و إرسال الشباب التونسي المضلل للجهاد في سوريا وتدميرها والمتعلق بالتطبيع مع الصهيونية. إن برلمانيين ووزراء قضوا معظم حياتهم في فرنسا وبريطانيا ويعيشون حياة البذخ لدرجة أنهم ضخموا أجورهم كبرلمانيين ليتلاءم مع مستواهم المعيشي -نذكر جميعا كيف كانت نائبة النهضة محريزية العبيدي تدافع عن أجرها الضخم الذي تقول أنه هو الكفيل بضمان زيارة أسرتها في فرنسا متى شاءت و تأدية مستحقات سكنهم هناك وكأن عيشهم في تونس مع الشعب التونسي أمر غير طبيعي-هؤلاء الذين كانوا منشغلين في بريطانيا وفرنسا ببناء المساجد وتكفير العلمانيين في الوقت الذي كان فيه التونسيون يبنون تراكما نضاليا على أرض تونس من خلال نقاباتهم وتياراتهم التقدمية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونوا كحكومة وكبرلمان إفرازا لانتخابات نزيهة فقط لمجرد أن "جهات دولية " أشادت بها .وإلا لكان الدستور المغربي الممنوح إفرازا لاستفتاء "نزيه" طالما أشادت به نفس الجهات الدولية . يبقى سؤال عالق أخير ماهي الدوافع التي تجعل أقلاما ليبرالية ويسارية مغربية تتغزل في مقالاتها بشكل فاحش بتنظيمات رجعية يمينية في هذه المرحلة بالذات ؟ هل يعتبر هؤلاء الموضوعية هي التنكر للقيم التقدمية الملقى على عاتقهم الدفاع عنها وتسليح وعي الشعب بها لأجل معاركه القادمة؟أم يعتبرون واجبهم الحالي هو محاولة توجيه الشعب للتأقلم مع البدائل اليمينية الموجودة في الشارع والتي لا يريدون القيام بدورهم في فضح عجزها المزمن على تقديم إجابات لمعضلات المعيش اليومي للمواطن حتى و إن وصلت للسلطة؟ هل فقد هؤلاء إيمانهم بهذا الشعب وبقدرته على صياغة بدائل أخرى ولو بعد حين ؟ أم أن غياب النفس الطويل لديهم جعلهم يحاولون بيع الوهم للشعب و المساهمة في تغييبه بدل تعبئته و إعداده لفعل ثوري واع مؤسس فكريا وواضح الأهداف والمطالب والحلفاء والبدائل.