تقرير اخباري - لماذا توقفت مراقبة المجلس الأعلى للحسابات لمديرية الضرائب؟ لماذا تم إنهاء مهمة فريق المجلس الأعلى للحسابات في مديرية الضرائب؟ ومن قرر إنهاءها بشكل مفاجئ؟ أسئلة تطرح نفسها وما يزال دون أن يصدر أي توضيح يقنع بدواعي إنهاء مهمة استغرقت قرابة سنتين ولم يتح لها أن تمضي إلى نهايتها. لدى البحث عن السر في ذلك، تبين أن قرار إنهاء المهمة جاء في الوقت الذي وصل فيه قضاة المجلس الأعلى للحسابات إلى فتح ملف الحساب المتعلق بالتعويضات والعلاوات الذي يمول من جزء من الغرامات المفروضة على الملزمين الذين يتأخرون في أداء ضرائبهم أو الذين يخضعون للمراقبة الضريبية، حيث رفضت وزارة المالية اقتراب قضاة المجلس، الذي يرأسه إدريس جطو، من هذا الصندوق الذي يتصرف فيه مدير الضرائب ويمنح منه العلاوات للموظفين وللوزراء ودواوينهم . وكان مفروضا أن يلجأ الرئيس السابق للمجلس الأعلى للحسابات للوزير الأول لكي يتحمل مسؤوليته ويعمل على تمكين القضاة من استكمال مهمتهم وفقا للدستور والقانون غير أن الجميع فوجئ بكون الرئيس السابق أحمد الميداوي قرر إنهاء الأمر وإسكات القضاة وجعل هذه المؤسسة الدستورية تستسلم لأمر واقع مناف للدستور. من ضغط لوقف عمل القضاة؟ قد لا يظهر الجواب الكامل إلا بعد مضي وقت طويل، لكن المتتبعين والعارفين بأمور مديرية الضرائب يشيرون إلى أن الفترة المعنية بمراقبة المجلس الأعلى للحسابات هي الفترة التي تولى فيها بنسودة مسؤولية هذه المديرية، ورقي إلى مدير عام لتمييزه عن باقي المدراء بالرغم من أن نظام وزارة المالية يعتبرها مديرية وحسب، وتميزت هذه الفترة بسخاء كبير في توزيع العلاوات على المسؤولين الرئيسيين في مديرية الضرائب، حيث أضيفت إلى العلاوات التي توزع وفق جدول زمني علاوات إضافية عن عمليات المراقبة التي نشطت خلال سنوات بنسودة، وكان المدير من أكبر المستفيدين، حيث يقدر ما حصل عليه قبل مغادرته نحو الخزينة العامة بمئات الملايين من السنتيمات، أخدا بعين الاعتبار أن 99 في المائة من المداخيل الضريبية ناتجة عن التصريحات بينما 1 في المائة منها فقط هو الذي ينتج عن عمليات المراقبة. وتشير بعض المصادر إلى أن قضاة المجلس الأعلى للحسابات قد أخذوا علما، بطرق متعددة، بعدد من المعطيات المتعلقة بتدبير بنسودة للصندوق الأسود (الذي يبقى أسودا حتى ولو برر بقانون المالية لسنة 1965 نظرا لمناقضته للمبادئ المنصوص عليها في القانون التنظيمي لقانون المالية المكمل للدستور وفي مقدمتها وحدة وشمولية الميزانية اللذان يمنعان تخصيص الموارد خارج الحسابات الخاصة للخزينة الخاضعة لتصويت البرلمان). ولو فتح ملف هذا الصندوق ، وفقا لمصادر عليمة ، لتم اكتشاف ما هو أسوا من تبادل التوقيعات والعلاوات بين وزير المالية السابق صلاح الدين مزوار وبين بنسودة لما انتقل إلى الخزينة العامة، لأنه جرت العادة أن تمنح منه علاوات لوزراء المالية، باستثناء فتح الله ولعلو الذي امتنع عن تسلمها ولأعضاء الدواوين والكتاب العامين... ما سبق يشير إلى أن بنسودة لم يكتف بتحويل الأنظار عن تبادل المنافع بينه وبين وزير المالية السابق عبر تنظيم محاكمة لموظفين عرضهم لشتى أنواع الضغوط، بما في ذلك اقتحام بيوتهم والتصرف في حواسيبهم خارج القانون، بل استفاد من قرار سريع بوقف عمل مؤسسة دستورية كانت بصدد مراقبة فترة توليه لمديرية الضرائب، علما بأنه صار مديرا عاما للضرائب بعد سبع سنوات من الأقدمية فقط، وهي سنوات ارتقى خلالها إلى نائب مدير بسرعة لم تعرفها أي إدارة مغربية في أي زمن . زيادة على ذلك يقف بنسودة اليوم متحديا رئيس الحكومة ورافضا التوقيع على قرارات تهم أعضاء في ديوانه ودواوين الوزراء، ممن غادروا في إطار المغادرة الطوعية، رغم أن عضو الديوان سياسي وليس موظفا ورغم أن المرسوم المتعلق بالمراقبة المالية يعطي الحق لرئيس الحكومة لاتخاذ قرارات استثنائية، وهو الحق الذي مكن في السابق مثلا من الترقية الاستثنائية للموظفين وتدبير جبر الضرر الفردي وإدماج عدد من المعتقلين السياسيين السابقين، الذي عرقله بنسودة مند انتقاله إلى الخزينة العامة قبل أن يستجيب له المجلس الوطني لحقوق الإنسان ويعلن نهاية توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. ومع ذلك، فإن رئيس الحكومة الذي جعله الدستور رئيسا للإدارة بشكل واضح لا مجال فيه لأي تأويل يتقبل هذا التحدي لمقرراته من طرف موظف تابع له وليس معنيا بقانون "ما للملك وما لبنكيران" بشكل ينم عن خوف من نفوذ هذا الرجل الذي كان يخيف الجميع عندما كان مديرا للضرائب وما يزال. من أين يستمد بنسودة كل هذه القوة التي تتجاوز الجميع؟ هل يكفي أن يكون المرء صديقا للملك لكي يكون له ما يريد بلا اعتراض من أحد؟ وهل يكفي أن يكون المرء صديقا للملك لكي يتعالى كما يشاء على المؤسسات ويصير دولة داخل الدولة؟ إذا كان الأمر كذلك أينها المظاهر الخارجية للديمقراطية ودولة القانون .. وغير ذلك مما بات يشكل قاموس الخطب الرسمية مجرد المظاهر؟ إننا، والحالة هذه، أمام مظهر صارخ للاستبداد...