أنجز فريق صحفي من موقع لكم.كوم (النسخة الفرنسية) تحقيقا حول لائحة المستفيدين من رخص استغلال مقالع الرمال، والتي نشرتها الحكومة مؤخرا. هذا البحث كشف بكل وضوح عن حقيقة واضحة هي أن أصدقاء السلطة العليا وأصفياءها يستفيدون بكل أريحية من هذه الرخص. الأدهى من ذلك أن الشركات المستفيدة التي اطلع الفريق على أسمائها وحساباتها، في أغلب الحالات لا تصرح بأية أرباح وبالتالي فهي لا تدفع الضريبة على الأرباح. ولو قام مفتش من إدارة الضرائب ذو ضمير متيقظ بفحص مدقق ومتأني لحساباتها وأرقامها لاكتشف الأعاجيب. كما كشف التحقيق عن وجود شركات مسجلة في بلدان تعتبر ملاذات ضريبية ضمن أصحاب تلك الرخص، وهي شركات يُجهل المساهمون في رأسمالها. ولاستكمال الصورة، نجد أن بعض هذه الشركات لها حلفاء وشركاء مقربون جدا من القصر أو من الكتابة الخاصة للملك. كل هذا يبرهن بما لا يدع مجالا للشك أن الفساد ينخر النظام الحاكم بشكل رهيب. وبالإضافة لذلك فقد أبرز التحقيق ثلاث خلاصات أخرى ذات أهمية. الخلاصة الأولى هي أن هذه اللائحة الجديرة ب" جمهوريات الموز " تظهر أن الإدارة العامة جهاز فاشل. فاللائحة مقدمة بشكل سيئ للغاية حتى أن المرء يتساءل إذا لم يكن هناك تواطؤ مع وزارة عبد العزيز رباح لكي يصبح نشرها عديم المنفعة. فمن بين عيوبها وجود شركات لها رخصة استغلال مقالع الرمال بينما هي لا زالت في طور التأسيس القانوني، وطائفة أخرى غير مدرجة أصلا في السجل التجاري، وأخرى لا يعرف اسم من الذي يسيِّرها. كل هذه الخلاصات ليست تافهة ولا مفاجئة أو اعتباطية. ليس الخلاصة تافهة لأنها تتناقض في الواقع مع إحدى الحجج الرئيسية لمؤيدي الدستور الحالي، والذين يبررون استمرار السلطوية في شكل مؤسسة ملكية لا تخضع لأية ذرة من محاسبة رغم شساعة سلطاتها، مقابل الحاجة إلى دولة قوية. تلك الدولة التي تخدم - حسب زعمهم- المصالح العليا للأمة لأنها فوق المناورات السياسوية والمهاترات الحزبية، ولأنها أرفع وأسمى من إرادة جماهير لا تزال غير ناضجة لاختيار قادتها بنفسها. إلا أن قراءة متأنية لتلك اللائحة تدل على أن تلك الدولة الخاضعة للملكية ولحلفائها، هي في الحقيقة دولة ضعيفة الكفاءة وسخيفة أيضا. وليست الخلاصة مفاجئة لأن الاستبداد يتضايق بطبيعته من التطبيق الدقيق والصارم لقواعد القانون التي تحكم سير عمل أية دولة قوية حقا. لكن القانون في هذه الحالة، ليس هو النص المكتوب أو هو ما صوَّت عليه البرلمان، بل هو طغيان رغبات الحاكم الآنية وتعليمات المقربين منه الفورية. إنها تلك اللازمة التي لا يفتأ القوم يرددونها منذ غابر الأيام "القانون جيد ولكن التطبيق سيئ"، وهذه من الخصوصيات المثبتة في طبيعة النظام كالحمض النووي، لا يفارقها ولا تفارقه، وليست نتيجة لكفاءة ناقصة لدى بعض الموظفين. وقد أظهرت أحداث الأشهر الأخيرة أن جهاز الدولة يضم موظفين لهم ما يكفي من الكفاءة والنزاهة والجرأة، وهذه نقطة مضيئة. لقد أصدر قضاة المجلس الأعلى للحسابات خلال العامين الماضيين تقارير تشرفهم وتشرف مهمتهم، ولا يجب لومهم إذا كان أنس الصفريوي، على سبيل المثال، لم يخضع لأية محاسبة لأنه الرئيس المدير العام لمجموعة الضحى والفتى المدلل لدى السلطة، رغم أن تقاريرهم كشفت أن مؤسسة المجلس الأخلاقي للقيم المنقولة، أو ما يعرف بشرطي بورصة القيم، قد منحه امتيازات دون غيره في خرق سافر للقانون. (تقرير المجلس الأعلى للحسابات تحدث عن خيانة الأمانة). ولا يجب لومهم إذا كانت وكالة المغرب العربي الرسمية تواصل إهانة ذكاء المغاربة بإنتاج قصاصات لا تقل رداءة عن إعلام "كوريا الشمالية"، رغم أنهم تحلوا بالشجاعة فأدانوا حكامتها السيئة. هناك مثال آخر يتعلق بطائفة من الأطر العاملين في وزارة المالية أخرجوا إلى العلن فضيحة العلاوات المتبادلة بين نور الدين بنسودة الخازن العام للمملكة، وصلاح الدين مزوار وزير المالية السابق، مما نتج عنه أيضا إخراج نظام "الصناديق السوداء" إلى العلن. كل هذه الحالات تبين أن المشكلة ليست في أداء أو نزاهة الموظفين العموميين، بل إن المشكلة تكمن في النظام الذي لا يستطيع العيش والبقاء إلا بالاستمرار في إنتاج سوء الحكامة. الخلاصة الثانية تتعلق بقضية الصحراء. لقد كانت تهمة خيانة "القضية الوطنية" ولا تزال واحدة من التهم التي تلجأ إليها السلطة لمحاولة تشويه سمعة خصومها ومعارضيها زاعمة أنهم يسعون لإضعاف موقف البلاد في نضالها من أجل استكمال الوحدة الترابية. إلا أن التحقيق المذكور يعطينا الفرصة لكي نرد التحية بأحسن منها إن صح التعبير. ذلك أن الشركات المستفيدة من رخص المقالع الرملية هي إما من أقل الشركات شفافية في القائمة التي نشرتها وزارة التجهيز، وإما يمتلكها إقطاعيون محليون من حلفاء المخزن. وعليه فإن الانفصاليين سيجدون هنا أدلة قوية لتعزيز حجتهم القائلة إن ثروات الوطن تستغلها دولة استعمارية بل و "مافيوزية" أيضا. أما الخلاصة الأخيرة من هذا التحقيق فاسمها جماعة عين تيزغا. إنها جماعة قروية، على غرار المغرب كله، غنية بثرواتها ولكنها فقيرة بخدماتها بسبب الفساد والنهب. لقد كشف تقرير صدر مؤخرا أن الجماعة لا تحصل إلا على 30٪ من عائدات الضريبة على المقالع التي تستحقها، والباقي يلتهمه الفساد، لأن مالكي رخص المقالع من المحظوظين الذين يعمدون للتزوير. ولكونهم محظوظين فهم يستطيعون التزوير والخداع بسهولة. وبما أن نسبة 30٪ تساوي 5 ملايين درهم، فإن المبلغ الذي لا تتوصل به خزينة الجماعة يساوي 11.7 مليون درهم، وعلما أن مجموع ميزانيتها هو 16 مليون درهم فإن الريع وغياب الحكامة السليمة يضيِّعان على هذه الجماعة الصغيرة 70٪ من مواردها، فيستمر غالبية السكان رهينة لزراعة الكفاف وهم ينظرون إلى ثروات أرضهم كيف يتم نهبها بشراهة. نحن أمام نظام يصر على إبراز مظاهر البر و الإحسان،لا سيما من خلال أنشطة مؤسسة محمد الخامس للتضامن وبرامجها على الصعيد الوطني، ويتشبث في نفس الوقت بنوع من الحكامة ينهب الثروات ويستأثر بالموارد دون وجه حق. --- الترجمة من الفرنسية: أحمد ابن الصديق (أصل المقال باللغة الفرنسية)