في الوقت الذي ينص فيه الدستور المغربي في فصله الخامس على أن «جميع المغاربة سواء أمام القانون » وأن «القانون هو أسمى تعبير عن إراد الأمة، ويجب على الجميع الامتثال له، وليس للقانون أثر رجعي ، وفقا لأحكام الفصل الرابع. وفي الوقت الذي يعتبر فيه الدستور «حق الملكية وحرية المبادرة الخاصة مضمونين» بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 15 إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، فيمكن للقانون، ان يحد من مداهما وممارستهما طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل السابق الذكر. وفي الوقت الذي سلكت فيه بلادنا النهج الليبرالي والانفتاح الاقتصادي في السياسات العمومية على مختلف المستويات، بما فيها خوصصة القطاعات العمومية، تحرير المبادلات التجارية والأسعار لضمان المنافسة، تشجيع ودعم المبادرة الخاصة. في هذا الإطار، لازال نظام الرخص الذي أريد به خدمة سياسة معينة ومصالح بذاتها وتوجهات واختيارات محددة لمواجهة متطلبات مرحلة سياسية يعتقد الجميع أنها قد ولت بدون رجعة في ظل الانتقال الديمقراطي مادامت أسبابها ودواعيها قد انتهت بانتهاء سياسة العهد القديم، لازال نظام الرخص متفشيا في العديد من القطاعات الاقتصادية على حساب البعد التنموي في شموليته، بما فيها رخص النقل الطرقي للمسافرين بعدما تم تحرير هذا القطاع في جانبه المتعلق بالبضائع منذ 2004 ، حيث لازال بعض المحظوظين يستفيدون من عائدات هذه الرخص دون أن يقوموا بأي مجهود أو يقدموا أي خدمة على حساب أرباب العمل الذين اختاروا الاستثمار في هذا القطاع. ويعتبر قطاع الصيد بأعالي البحار مجالا خصبا لنظام الرخص يتمتع بريع استغلالها أصحاب النفوذ الذين يجهل الرأي العام الوطني لائحة أسمائهم على حساب تنمية هذا القطاع المعول عليه في أن يشكل قطبا استراتيجيا بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية من حيث المساهمة الفعالة في تحقيق الأمن الغذائي واستفادة المواطن المغربي من خيراته السمكية وثرواته البحرية عموما وتغذية الخزينة العامة من العملة الصعبة عبر تصدير المنتوج السمكي بدل بيعه في السوق السوداء في وقت استفاد فيه هؤلاء النافذون من «تسهيلات» صندوق الضمان لدعم إثرائهم غير المشروع وتشجيع اقتصاد الريع. ويجسد قطاع المقالع والرمال سياسة الإثراء غير المشروع لصالح المستفيدين من الرخص الممنوحة لهم لاستغلال «هذه الكنوز» عندما قام بعض المحظوظين بخلق شركات وهمية لاستنزاف رمال البحر بدون حسيب ولا رقيب وتشويه المقالع بشكل خطير بدون أي محاسبة باعتبار أن هذا القطاع يشكل رصيدا وطنيا ينبغي حمايته من أي نهب والمحافظة عليه وصيانته واستغلاله لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة يستفيد منها جميع المغاربة على قدم المساواة. وتبقى الرخص الخاصة بسيارات الأجرة نموذجا حيا للإثراء بدون سبب لازال يعاني من نظامها مستغلو هذه الرخص عن طريق «الكراء» وكل من أراد الاستثمار في هذا الميدان دون أن يتمكن من الحصول على رخصة لهذه الغاية وما يشعر به هؤلاء المحرومون من إقصاء اجتماعي دون أي سند قانوني معقول كفيل بتبرير هذه المفارقة اللاقانونية.إن هذه النماذج من نظام الرخص الذي لازال معمولا به بكل أسف والتي تجسد سياسة اقتصاد الريع يتنافى مع مقتضيات الدستور عندما جعلت المغاربة سواسية أمام القانون وضمنت حقهم في حرية المبادرة الخاصة، يتنافى ومبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، تتعارض ومتطلبات تحقيق العدالة الاجتماعية التي اعتبر جلالة الملك في خطاب العرش لهذه السنة توطيدها «يشكل قوام مذهبنا في الحكم» كما تتنافى وتعزيز المناخ الاقتصادي الملائم للاستثمار والتنمية، تتنافى وحسن تدبير الشأن العام بما ينطوي عليه من تخليق وحماية للمال العام من كل أشكال الهدر والتبذير ومحاربة لكل الممارسات الريعية والامتيازات اللامشروعة، تتنافى وأبسط حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، تتنافى ومتطلبات الحكامة الجيدة بأبعادها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والإدارية والحقوقية، تتنافى ومبادئ الشريعة الإسلامية وقيمها. تتنافى وما يقتضيه بناء مجتمع تعادلي قوامه المساواة والعدل والإنصاف وتسود فيه قيم التعاون والتضامن، تتنافى وروح المواطنة بما تنطوي عليه من حقوق وواجبات في ظل دولة الحق والقانون، تتنافى والروح الوطنية الصادقة القائمة على الإخلاص والوفاء في العمل الوطني بعيدا عن الاسترزاق واستغلال النفوذ للكسب غير المشروع.