إن منح جائزة النزاهة من طرف منظمة دولية، كمنظمة "الشفافية"، لكل من حركة 20 فبراير و الناشط "معاذ بلغوات" المعروف بلقبه الفني "الحاقد"، و الذي سجن مرتين بسبب أغانيه ذات الريتم الشبابي المنتقدة للسلطات. منح هذه الجائزة يعكس الاهتمام الذي توليه المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، للحركة الاحتجاجية عموما بالمغرب، و حركة 20 فبراير بشكل خاص، باعتبار أنها الأكثر "استهدافا" من طرف السلطات العمومية، التي أصبحت ترى فيها خصما لدودا، لم تنفع في تطويعه كل وسائل "الحصار" و التضييق الذي تواجه به مسيراتها، و الاعتقالات التي يتعرض لها ناشطوها، و لم تنفع أيضا في تهدئة جموحها وعود حزب العدالة و التنمية، مع بداية السنة، و التي استنبطها من شعارات و هتافات الحركة، قبل أن تتلاشى كل تلك الوعود التي استطاع من خلالها بن كيران إقناع الدولة بقدراته على إطفاء فورة الاحتجاجات و إعادة الهدوء إلى الشوارع (إن هي منحته تأشيرة العبور إلى الضفة الحكومية المحرمة عليه سابقا). لتتخذ الاحتجاجات بعد توليه رئاسة الحكومة، و بسبب السياسات التقشفية، شكلا جديدا، بعدما انتقلت العدوى من الشارع إلى المؤسسات و الإدارات العمومية، لتنضاف الاحتجاجات القطاعية إلى مظاهرات كل من المعطلين و حركة 20 فبراير، و إن عرف وهج هذه الأخيرة خفوتا ملحوظا. حينها لم تجد وزارة الداخلية بدا من حشد و إنزال مختلف إمكاناتها الأمنية، لقمع المظاهرات و إخماد الاحتجاجات بكل تصنيفاتها؛ القطاعية و الشعبية و الطلابية، بالقوة، بعدما فشلت، كل حلول "الهواة" في حل المشاكل التي تتخبط فيها البلاد؛ من توفير الشغل للمعطلين و تحسين حياة المغاربة، و ما إلى ذلك من أساسيات الاستقرار الاجتماعي. لتتحول الغاية التي أهلته لأجلها صناديق الاقتراع، إلى النقيض، بعدما ارتفع سعر البنزين و الغازوال و ألهب معه أسعار الموز و البطاطس و ما جاورهما من شقيقات و شقائق هم من أساسيات المائدة المغربية، ثم لتلحق بالركب باقي المواد الاستهلاكية، لتتوالى الترقيعات الفاشلة بعد ذلك، و بعد عجز السيد بن كيران في فرض الضرائب على الثروات التي حققها كبار التجار من كد و جهد العمال و الموظفين و بما استفاده عديدهم من المساعدات الحكومية و من الإعفاءات الضريبية على امتداد عقود من الزمن، لم يبقى من خيار أمام ضيق أفق الرؤيا و التخطيط و ضعف التجربة لدى الحكومة، سوى أن تختار أقصر الطرق، لتتوجه نحو الحلقة الأضعف؛ الشعب، لسد العجز و قفل الخرم الذي خلفته أيادي النهب و العبث في "صندوق" الميزانية العامة، و لو على حساب معيشته اليومية. هكذا، إذن، سيشتد الصراع بين الجبهات النقابية من جهة، و المعطلين من جهة أخرى، و الحكومة، لتتسارع وثيرة الإضرابات القطاعية و معارك المطالبين بحقهم في الشغل، و تجد حينها الحكومة نفسها في الأخير، داخل خندق مظلم مكبلة الأيدي و الأرجل، لا هي بقادرة على إيجاد حلول للأوضاع المتأزمة للمغاربة، و لا هي بقادرة على مواجهة جيوب الفساد من جهة و من لقبهم بن كيران ب"التماسيح و العفاريت" الذين يشلون كل خطوة أراد أن يخطوها، من جهة أخرى، و أمام هذه الدوامة المتسارعة الدوران، فقدت الحكومة تركيزها البصري، و اختلطت أمامها جغرافيا الدنيا و خرائطها، و "بين زانا و دانا ضاعت لحانا"؛ كما يقول المثل القديم. و لأن حركة 20 فبراير في الأساس هي "مهيج الشارع"، كان من الطبيعي أن تكون هذه الأخيرة في واجهة المدفع، في خرق لكل البنود الدستورية التي تكفل حق الاحتجاج، بعدما غابت كل إرادة نحو تنزيل بنود الدستور، الذي و إن جاء بإيجابيات و حسنات متعددة، إلا أنه لم يؤسس لتوازن في السلط و لم يمنح رئيس الحكومة المنتخبة ما يكفي من الصلاحيات، أخذت المقاربة الأمنية مكانا لها داخل السياسة العمومية، لم تكن تحظى به سنة 2011؛ بداية ربيع الإحتجاجات، و تحملت مسئولية التصدي، لكل، ما قد يشكل مستقبلا طريقا نحو أي نوع من التصعيد، و عملت بشكل ممنهج على فظ كل تجمع بالشارع له علاقة بحركة 20 فبراير، بعدما تبين شلل الحكومة و فشلها في كبح جماح الغاضبين و إسكات صيحات الشارع التي باتت أكثر إزعاجا للدولة من ذي قبل (أي قبل صعود حزب العدالة و التنمية)، ما خلف عددا من التدخلات العنيفة في حق العديد من المحتجين، و اعتقال ما يزيد عن سبعين ناشط، جلهم من المنتسبين إلى حركة 20 فبراير، و من ضمنهم مغني الراب "الحاقد"، الذي طالبت عدد من الهيئات الحقوقية الوطنية و الدولية، إطلاق سراحه إلى جانب باقي رفاقه في الحركة، الذين جرى اعتقالهم بسبب نضالهم المشروع، و الذي يضمنه إلى جانب الدستور المغربي، جميع ما وقع عليه المغرب، من مواثيق و معاهدات دولية، تلزمه باحترام الحريات الفردية و الجماعية في التعبير عن الرأي و الإختلاف و الحق في إبداء المواقف المعارضة و الإحتجاج السلمي،و هي "المقاربة الأمنية" التي وجدت نفسها معفية من أي مسائلة أو محاسبة أو تتبع، من طرف المسئولين الحكوميين المباشرين؛ رئيس الحكومة و وزير العدل و الحريات، فالأول، كما يقول الفصل 89 من الدستور؛ " تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين.."، و هو ما يمنحه بشكل صريح سلطة على جميع وزراء حكومته، و من ضمنهم وزير الداخلية، و يجعلهم يمتثلون له استنادا إلى دوره في ممارسة السلطة التنظيمية (يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، و يمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء؛ الفصل 90 من الدستور)، أما وزير العدل و الحريات فباعتباره دستوريا رئيسا للنيابة العامة تبقى له صلاحيات واسعة في إعطاء أوامر بفتح تحقيقات بشأن التدخلات الموسومة بالإفراط في استعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين، و أيضا في ضمان شروط المحاكمة النزيهة للمعتقلين السياسيين و معتقلي المظاهرات. . و أمام زيف الحكومة في التعاطي مع الواقع الحقوقي في المغرب، بما تمارسه من تضليل و تعتيم و تبرير للمضايقات التي يتعرض لها المحتجون خلال تظاهراتهم السلمية، تأتي جائزة النزاهة" الممنوحة من قبل المنظمة سالفة الذكر لكل "معاذ بالغوات" و حركة العشرين من فبراير، لتؤكد من جديد على حق المغني المعتقل في معانقة الحرية و ممارسة حريته في التعبير عن مواقفه، من خلال غناءه و فنه، و تذكي عدالة مطالب الحركة الفبرايرية، و تدفع بها نحو المضي وفق نهجها الحضاري في الدفاع عن مطالبها التي خرجت من أجل تحقيقها.