قال إنه سيؤسس حزبا سياسيا حالما يتوفر على الأطر الكافية نفى الشيخ محمد الفزازي (63 سنة) انتسابه إلى رموز السلفية الجهادية بالمغرب، وقال "أنا داعية إلى الله تعالى وخطيب جمعة رسمي في البلاد منذ حوالي 35 سنة، لا صلة لي بسلفية ولا سلفية جهادية ولا هم يحزنون". وأضاف الفزازي الذي قضى نحو 8 سنوات خلف القضبان على خلفية ما بات يعرف بقضية السلفية الجهادية أن مدة سجنه الذي وصفه ب"الظالم أكثر من كافية لكي يراجع الإنسان مواقفه وأفكاره... وفعلا لقد تجلّت لي عدة أمور وبدأت أنظر إلى الحياة بنظّارات مختلفة. وهذا بالضبط ما جعلني أتراجع عن عدة تصورات وتصرفات. لكن لا أسمح لأحد أن يفهم أنني تراجعت عن تكفير المجتمع والسعي إلى التفجير والإرهاب وما إلى ذلك مما حوكمت به ظلما وعدوانا لأنني لم أكن في يوم من الأيام أتبنى هذا الغلو في الدين، ولا سعيت إلى إرهاب أو ترويع" حسب تعبيره. ضمن الحوار الذي ينشره موقع "لكم.كوم" يتحدث الفزازي عن موقفه من الحكومة والأمازيغية والافتاء وتعدد الزوجات وعن تأسيسه حزبا سياسيا وقضايا أخرى. حواره: سعيد أهمان قضيت 8 سنوات من أصل 30 في الاعتقال فيما بات يعرف بقضية السلفية الجهادية. ما الذي غيره السجن من مواقف في حياتك؟ ثماني سنوات من السجن الظالم أكثر من كافية لكي يراجع الإنسان مواقفه وأفكاره... وفعلا لقد تجلّت لي عدة أمور وبدأت أنظر إلى الحياة بنظّارات مختلفة. وهذا بالضبط ما جعلني أتراجع عن عدة تصورات وتصرفات. لكن لا أسمح لأحد أن يفهم أنني تراجعت عن تكفير المجتمع والسعي إلى التفجير والإرهاب وما إلى ذلك مما حوكمت به ظلما وعدوانا لأنني لم أكن في يوم من الأيام أتبنى هذا الغلو في الدين، ولا سعيت إلى إرهاب أو ترويع... وما تراجعت عنه هو نظرتي السلبية تجاه كل ما هو رسمي من علماء وأجهزة شرطة وأحزاب وما إلى ذلك. الآن نظرتي تقوم على تقدير الجميع والنظر إلى مؤسسات الدولة ورجالاتها على أساس أنها مني وأنا منها دون أن أغالي وأقول كما يقول المنتفعون [العام زين] بل هو تقدير قائم على [الدين النصيحة...] يرى خصومك أن مواقفك إزاء الفكر الجهادي والمشروع الاسلامي لم تتغير، شأن ذلك شأن موقفك من تعدد الزواج الذي تميل إليه وتتبناه في حياتك الشخصية في وقت تدعو فيه الحركات النسائية إلى تقييد ذلك؟ فيما يخص الشق الأول من سؤالك أرى أنه غير دقيق. أي خصوم؟ وأي مشروع إسلامي؟ أنا لا أومن أن هناك فكرا جهاديا أصلا. فالجهاد في سبيل الله دين منزل من فوق سابع سماء وليس فكرا، لكن فهم هذه العبادة [الجهاد] وممارسته عمل بشري. وما تمارسه الجماعات الجهادية في البؤر المشتعلة والمتعددة يؤكد على ذلك حيث الخلافات والانشقاقات وتعدد الرؤى والاجتهادات المتباينة والمتنافرة إلخ... أنا الآن مع مجاهدة أعداء الإسلام وأخلاق الإسلام وسماحة الإسلام داخل بلدي. مجاهدتهم بالفكر والقلم سواء في مناظرات أو مقالات أو ندوات وما شابه. من غير عنف ولا تعنيف من غير إرهاب ولا ترهيب. بل بكل إصغاء للآخر ومقارعة الحجة بالحجة. أنا الآن هذا هو جهادي، جهادي في خدمة بلدي وأهل بلدي بما أستطيع من موقعي ومن حيث أنا داعية إلى الله تعالى مبشرا غير منفر، وميسرا غير معسر. هذا عن الشق الأول أما عن الشق الثاني فتعدد الزوجات نزل به الروح الأمين في الكتاب المبين على النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يمكن لبشر أن يمحوه من كتاب الله بعد أن تعهد الله سبحانه بحفظه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فإذا كان هناك من يعترض على الله تعالى في شرع شرعه، ومنه تعدد الزوجات، فحسابه عند الله تعالى وليس عندي. يبدو أن موقفك أيضا من الأمازيغية ما يزال غير واضح، فالنشطاء الأمازيغيون يتهمونك بأنك ضدهم؟ هذا غير صحيح بالمرة، فأنا ما فتئت أقدر جهود إخواني الأمازيغ في مناصرة لغتهم والدعوة إلى جعلها تتبوأ مكانتها اللائقة بها. من قال إنني ضد الأمازيغ أو الأمازيغية؟ وكيف أكون ضدا على مكوّن من مكونات هذه الأمة؟ لا يا سيدي أنا مع الأمازيغ والأمازيغية قلبا وقالبا، لكن شأني شأن الأمازيغ أنفسهم، مع إعطاء اللغة العربية الميزة التي تتميز بها باعتبارها لغة القرآن الكريم ولغة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولغة كنوز الفقه الإسلامي المتراكم على رفوف المكتبات طيلة خمسة عشر قرنا من الاجتهاد والإبداع... وأول من يغار على لغة القرآن الكريم هم الأمازيغ أنفسهم، أما ما نسمع عن عمالة بعض الأمازيغ للصهاينة وسعيهم إلى التطبيع إلخ... فهو كلام ساقط لا يلتفت إليه، فإن حصل من أحدهم فسيكون هو نفسه الساقط الذي لا يلتفت إليه. بالرجوع إلى الواقع السياسي لمغرب اليوم فإن أشياء كثيرة تغيرت، منها قيادة الاسلاميين للحكومة وامتلاكهم أغلبية، فيما ظللت إلى جانب رموز السلفية الجهادية تخوضون في قضايا فقهية وخلافية لا تنفع؟ أنا رمز من رموز السلفية عند بعض الإعلاميين وغيرهم غصبا عني ودون موافقتي ولا اختياري... أنا داعية إلى الله تعالى وخطيب جمعة رسمي في البلاد منذ حوالي 35 سنة. لا صلة لي بسلفية ولا سلفية جهادية ولا هم يحزنون. أما عما نخوض فيه من قضايا فقهية وخلافية لا تنفع، فأنا لست أدري عن أي شيء تتحدث. غير أن رأيي في قيادة الإسلاميين معروف ومصرح به، وأسأل الله تعالى أن يوفقهم لما فيه خير البلاد والعباد. ولماذا لم تؤسس حزبا سياسيا بعد أن أعلنت ذلك منذ مدة على صفحة تواصلك الاجتماعي؟ لا يخفى على أحد أن تأسيس حزب سياسي ليس بالأمر الهيّن، لا سيما إذا كان كما نعتزم القيام بتأسيسه، أي حزب سياسي بمرجعية إسلامية. وأكبر عائق عندنا هو عدم توفر الأطر العليا التي يمكنها أن تحمل همّ المشروع وتقدمه للناس في أبهى طرح وشرح، أما المتعاطفون والمناصرون فلا شك أنهم كثيرون جدا والحمد لله.... ما ينقصنا هو عدد الأطر الكافي. ويوم نستوفي قدرا كافيا من هؤلاء الأطر يومها نقدم على تأسيس الحزب الذي طال انتظاره. هل قمت بمحاولات لتغير نظرة السلطات إليك؟ أنا كما هو أنا، كنت بريئا أمام الله تعالى وأمام الناس بما في ذلك رجال السلطة من كل ما نُسب إلي من تهم عارية من الصحة. وما تغيرت فيه هو أسلوبي في التعبير، ومواقفي حيال الدولة ورجالاتها ومؤسساتها، ونظرتي للحياة التي أحسب أنها قد اتسعت زاويتها... وأظن أنه لا عيب في ذلك. فالعالم من حولي كله تغير. لكن لم أكن في يوم من الأيام أكفّر المجتمع أو أدعو إلى تفجير أو خطف... أبدا. الآن صرت أحاور الجميع وأستمع إلى الجميع بما في ذلك العلمانيين والليبراليين، وغيرهم فضلا عن الإسلاميين الذين هم مني وأنا منهم مهما تباينت رؤانا واجتهاداتنا... كل ذلك بأسلوب لين ولطيف... وسعة الصدر هذه ربما هي الشيء الجديد. في كل مرة توقف السلطات مجموعة ينتمون إلى هذا التيار أو ذاك يعتزمون القيام بعمليات اعتداء أو ما شابهها. ما الذي يقترحه الفيزازي لكي يتوقف هذا النزيف خاصة وأنك حوكمت ضمن هذا السياق؟ أظن أن الأمر يندرج في إطار قناعات فقهية وفكرية بالدرجة الأولى. وإذا كان الأمر كذلك فالواجب معالجة الظاهرة فكريا وفقهيا. فالعنف ليس له أي قبول في المجتمعات الإنسانية الآن برمتها. والعنف يولد العنف، والدعوة إلى الصراع بالسلاح والتقاتل لا خير فيه لأحد. مع التذكير بأن الحسم فيه يكون دائما للسلطة لأنها الأقوى، وهذا لا جدال فيه. إن السلطة لا مصلحة لها في الاضطرابات الاجتماعية والأمنية وغيرها... كما أن المجموعات "الجهادية" لا تستطيع فرض أسلوبها في التفكير والمنهج على الأمة... وإذن لماذا لا نكون واقعيين ونتعامل فيما بيننا بواقعية، ونرضخ لهذا الواقع معتصمين بديننا وأخلاقنا وقيمنا التي هي أخلاق الجميع وقيم الجميع ودين الجميع إلا من شذ... ولنجعلها فيما بيننا تدافعات فكرية واجتهادية وسياسية بالأساليب المتفق عليها دون سيطرة طرف على آخر، ولا إجبار طرف على اعتناق أفكار طرف آخر... وهكذا، والبقاء دائما للأصلح، والعاقبة للمتقين. إن الحوار الجاد هو الحل، وعلى علماء الأمة أن يدخلوا على الخط للمناظرة والمحاورة تحت إشراف الدولة.. مع كل من يريد ذلك. أما من أرادها دموية وسفكا للدماء تحت أي مسمى، فهذا أقصى نفسه بنفسه من ساحة الحوار والتفاهم، وأدعه يتحمل عاقبة اختياره. أنت من الذين يميلون إلى إفتاء المجامع بدل افتاء الفرد في مقابل رموز السلفية الجهادية يسيرون عكس موقفك. ما سر اختلافكم؟ يجب أن نفرق بين أمرين اثنين في مجال الفتوى. الأمر الأول ما يرجع إلى قضايا الأمة الاستراتيجية، مثل العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وإعلان الحرب والسلم، ورسم الاستراتيجية للدولة في شتى المجالات... فهذه القضايا الكبرى تُحال الفتوى فيها إلى الجهات المختصة من أهل الحل والعقد وخبراء الدولة في السياسة والاقتصاد ومجامع الدولة ذات الصلة... إلخ. ولا شأن في ذلك للأفراد. والأمر الثاني ما يرجع إلى قضايا الناس في معاملاتهم الدينية والشخصية والأسروية وما إلى ذلك فهذه لا بد لمن يعلم أن يفتي بما يعلم، فلا يعقل أن أحيل شخصا يسألني عن عدد ركعات الوتر مثلا إلى المجلس العلمي الأعلى للإفتاء.... هل يعقل هذا؟ كما لا يعقل أن يفتي من هب ودب من الناس في سياسة الدولة الاستراتيجية والخوض فيما ليس له فيه معَضّ ولا مستمسك. يبقى إبداء الرأي من العلماء المستقلين ونظرة هذا الحزب أو ذاك في هذه القضية أو تلك... فهذا لا يدخل في مجال الفتوى، ولكنه يدخل في مجال الرأي والتعبير بما له وما عليه. والله أعلم.