وضع أساتذة جامعيون ومهتمون، تحت المجهر، مسار حركة 20 فبراير كحركة احتجاجية وعلاقتها بالقوى السياسية في مغرب ما بعد نسائم الربيع العربي، وقد التأموا ، مساء اليوم الجمعة، مع رفاق نبيلة منيب أمينة عامة حزب اليسار الاشتراكي الموحد حيث أعطيت انطلاقة الجامعة الشتوية السياسية للأخير، بالمركب الثقافي محمد زفزاف بالمعاريف في الدارالبيضاء. واستهلت الجامعة بندوة تناولت قراءات مختلفة لمغرب ما بعد 20 فبراير 2001، بإشراف من تيار "اليسار المواطن" الذي انبثق كأرضية معارضة لتيار "الديمقراطية هنا والآن" داخل حزب اليسار الاشتراكي الموحد. وبينما تعذر المجيء إلى الندوة، على المعطي منجب، رئيس مركز ابن رشد للدراسات والأبحاث، بسبب نزلة برد ألمت به، فقد شارك خلال الندوة نبيلة منيب أمينة عامة الحزب المعارض، وعبد الله ساعف رئيس الجامعة المغربية للعلوم السياسية وحسن أوريد المؤرخ والباحث وأبو بكر الجامعي أحد رواد الصحافة المستقلة بالمغرب. وفي جرد منها لمسار حركة 20 فبراير قالت نبيلة منيب، إنها لم تستطع تغيير "الثوابت المخزنية" في المملكة، لأن "النظام حاربها بضراوة ودهاء" بشكل تعذر معه استقطابها فئات كبيرة قادرة على الضغط لتحقيق مطلب "التغيير الديمقراطي". وبينما خفت وهج حركة 20 فبراير وفق قراءات متطابقة فإن منيب أكدت أنها ساهمت في إعادة سؤال التغيير الديمقراطي إلى الواجهة حتى لو أنها لم تؤسس لديمقراطية حقة مما يستوجب دراسة التعثرات التي عصفت بالحركة وجعلت "المخزن يلتف على مطالبها". وأفادت منيب بأن "الطموح كبير لكنه صعب" ومستعرضة تصورات حزب اليسار الاشتراكي الموحد بشأن تحقيق هذا الطموح في دعم الحركات الجماهيرية ومأسسة التيارات المنبثقة عنه في إطار وحدة "تحترم أخلاق المناظرة وأداب الجدل". من جهته، قال عبد الله ساعف، إن حركة 20 فبراير تمر من مرحلة "خفوت" لا غير إذ لا يمكن الجزم بالالتفاف المطلق على مطالبها كحركة اجتماعية، بعد أن أشار إلى خصوصية الحركات الاجتماعية في المغرب التي تخلف انطباعا بوجود "أزمنة مختلفة" بحسب المواقع الترابية وحسب أجندة كل منطقة بعينها في المغرب. وعرج ساعف على الحركات الاحتجاجية التي طبعت مدنا مثلا صفرو وسيدي إيفني وظلت حبيسة الرقعة حيث اندلعت دون أن تمتد تداعياتها حتى إلى المناطق المجاورة خلافا لما عرفته الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر تزامنا والربيع العربي الديمقراطي. وفي قراءته الواقع الحالي للحركات الاحتجاجية بالمغرب، ومعها اليسار قال حسن أوريد، إن أغلب الحركات السياسية تعتمد على مطلبي الحرية والمساواة، غير ان اليسار ملزم باعتماد مطلب العدالة لا،ه يعتبر أوسع مفهوما وأقوى دلالة من الحرية التي تعتبر مطلبا نخبويا على غرار الحركات المطالبة بالإفطار جهارا في رمضان والممارسة الجنسية خارج إطار الزواج. ووفق أوريد فإنه ليست هناك ثقافة صافية بالمرة، وأن "الهوس الهوياتي" الذي ينبثق عن نزعات تمت أساسا إلى العرق والعقيدة بشكل يسبب تصدعا لدى الحركات الاجتماعية لأنه يفرض كنتيجة رفضا للآخر وشيطنته. ودعا أوريد إلى التحلي ب"القيم" لممارسة أيفعل سياسي لأن الارتباط بحزب أو آخر ارتكازا على "الهوس الهوياتي" يعتبر أدنى مستوى، محيلا على وجوب "تزاوج" مطالب النخب والجماهير" لتحقيق فعل سياسي ناجه لا يفصل بين المطالب السياسية ونظيرتها الاجتماعية. أما بوبكر الجامعي، فقد انصب على مرحلة ما بعد حراك الشارع المغربي الذي تلاه الخطاب الملكي في 9 مارس 2011، وبعده الاستفتاء حول الدستور الجديد في يوليوز 2011، وقال إن عددا من الداعمين للدستور الجديد، من غير المستفيدين من ريع الدولة، قرروا هذا الأمر لكونهم ينشدون الاستقرار أو الحفاظ عليه خدمة لمصالحهم الاقتصادية دون القطع مع السلطوية، بدعوى أن "الشعب ما قاريش" وأن الديمقراطية اليونانية هي ما قتل سقراط، مفسرا بأن الانتعاشة الاقتصادية عادة ما تسجل تحت جنح الأنظمة السلطوية بخلاف نقيضتها الديمقراطية. وأنحى، الجامعي باللائمة على دستور المملكة مؤكدا عدم إتيانه بجديد ومعرجا على تعديلات طالته ليلة الاستفتاء من قبيل تعديل الفصل الذي كان متعلقا بتعيين رئيس المحكمة الدستورية من قبل رئيس الحكومة كشخص منتخب. وانتقد الجامعي، بعض تمظهرات تكريس حكومة "البيجيدي" للدولة السلطوية، مثل منع حزب "الأمة" من قبل عبد الإله ابن كيران بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية التي تلقت صفعة من قصاصة لموقع "ويكيليكس" كشفت زيف ما ألصق بالمنتسبين إلى الحزب من قبل شكيب بنموسى حينما كان وزيرا للداخلية. وألمح الجامعي، إلى أن القانون المالي الحالي يعكس مدى السلطوية التي تعتمدها الدولة خاصة مع إعفاء الجيش من المرور عبر مسطرة طلب العروض كلما تعلق الأمر بإبرام صفقات تستلزم الكثير من الشفافية، رغم أن قصاصة أخرى للموقع الشهير فضحت سرطان الرشوة الذي ينخر الجيش بالمملكة. وقال الجامعي إنه يتعين التمحيص فيما وقع بتونس ومصر لتحقيق الديمقراطية، مؤكدا أن الأنظمة السلطوية تعتمد مبدأ "فرق تسد" بين الفئات السياسية والاجتماعية بشكل يفرض فتح حوار بين مختلف المكونات داخل الحركات التي تحبل بتقدميين ورجعيين كيفما كانت التوجهات والإيديولوجيات لتحقيق بديل عن النظام السلطوي يكفل الإيمان به من لدن الفئات الشعبية بمختلف مشاربها.