كلنا نعلم اهمية السفر وان له سبع فوائد, رغم ان اغلبنا يجهل ما هي ,هذه الظاهرة التي بدأت منذ الازل ورافقت وجود الانسان عبر العصور والأجيال و على مدى مختلف الحضارات والأمم, ظهرت كسلوك فطري و انساني بحث لم تعقه بدائية او انعدام وسائل النقل ولا مشقة و عناء التنقل . في مجتمعنا اغلب الناس ينظرون للسفر كشيء من الكماليات كمظهر من مظاهر الرفاهية و تقليد حكر على الطبقات الميسورة و فاحشة الغنى اما عند الطبقات الفقيرة او حتى المتوسطة فهو من مظاهر البذخ و قلة الحكمة و ليس اولوية او حتى فكرة مطروحة. من خلال تجربتي الخاصة و من خلال عدة رحلات قمت بها ادركت ان السفر تجربة روحية لا تهدف الى الاستجمام و الترويح عن النفس وحسب و لا تختصر في التقاط صور امام الاثار السياحية للتباهي و الزهو او شراء هدايا و تذكارات.. بل تتعدى ذلك الى ماهو اعمق و اسمى و يمكن وصفها حقيقة و ليس مجازا انها تجربة سحرية حين يستقل المسافر و سيلة النقل ايا كانت ثم يخرج ليجد نفسه في عالم اخر و كأنه سافر عبر الزمن, فجأة تختفي تفاصيل و مفردات حياته اليومية و عالمه الذي اعتاد ان يراه و يحتك به حتى صار جزءا منه و تشبع بتفاصيل حياتية يتواصل و يتالف معها الى ان اضحت كالسجن و القفص الذي يطوق الانسان من كل جهة و تتحول الالفة و التعود الى رتابة و سبات للحواس التي تمل من تكرار ما تستقبله من صور و اصوات و روائح . فيصبح السفر و تغيير المكان ليس فقط تغييرا لروتين يومي و انما اعادة شحن طاقات و بطاريات و استرجاع لملكات و غرائز خملت من كسلها و ركودها فيصير اصغر و ادق تفصيل, كطريقة مشي الناس و تعابير وجوههم ,يستوقف اهتمامه و يحفز فضوله و ينفض عنه غبار ألامبالاة و السلبية و بالتالي يجدد الانسان قدرته على التفاعل, الاندهاش والتعاطي مع ابسط الاشياء و وتنتعش ملكات قد توشك ان تتعطل من قلة تشغيلها. احتكاك مباشر دون حواجز ينشط خلايا الانسان و يوسع افاقه و مدى تصوراته و خياله ويحثه على تقييم ما يكتشفه دون املاء او وسائط اوافكار مسبقة فيكون له انطباعاته واستنتاجاته التي استخلصها عن تجربة ومعايشة بدل استنساخ و استهلاك لأفكار و انطباعات الاخرين و يحثه هذا التفاعل بشكل فطري على اعادة النظر في كل مسلماته و معتقداته وكل ما تسرب في تكوينه و يدرك ان العالم اكبر مما يراه و يعيشه و ينظر للحياة من زاوية و منظور اخرين و ان ما يسلم و يؤمن به من عادات اجتماعية و ما قد نعتبره طبيعة و فطرة ماهو الا وجهة نظر قد تحتمل الخطأ او الصواب, وجهة نظر ضمن وجهات نظر اخرى. مجرد التحليل و المقارنة يفضي الى ادراك تنوع الكون ورؤية صورة اكبر و فهم ان كل شيء نسبي و ان لااحد يملك كل الحقيقة و ان الله خلق البشرية و قسمها شعوبا و قبائل, ثقافات و حضارات, توجهات و معتقدات بهدف ان يتعلم بعضنا من بعض و هذا ما يعطي للسفر بعدا دينيا و تعبديا و سبيلا للتقرب الى الله و توطيد الصلة به فالسفر يجعل الانسان يرى ما خلق الله من عجائب و معجزات تبين و تدل على مدى عظمته و اعجازه وتمكنه من ادراك كيف خلق الله و ابدع في تصوير كل شيء جميل من طبيعة دالة و عاكسة لقدرته التي نعرفه من خلالها و كيف صاغ اجمل الصور و اللوحات المبهرة الموزعة و المفرقة في كل ارجاء الكون وكيف خلق من الانسان اجناسا و اشكالا و اعراقا وا طباعا و ميز كل نوع عن الاخر حتى اضحى الكون لوحة فسيفساء تجمع و تضم بتناغم و تكامل الوانا من البشر و المخلوقات على اختلافها و تباينها تتوحد في انها اية من ايات خالقها الدي نعرفه و لا نراه و لكننا نرى ما خلقه.