كل من زار مراكش من عامة الشعب أمثالي يشعر بمشاعركثيرة و متناقضة لا يمكنه التخلص منها ،مشاعرانتماء غريب لهذه المدينة تزكيها انحناءات نخلة بطريقة فريدة كمن يلقي التحية ويرحب بأهله ،مشاعر استرخاء يزكيها هواء جميل يداعب وجهك بمجرد ما تطأ قدماك أرضها ،وتزكيها وجبة بسيطة في محل متواضع لمراكشي أصيل يبتسم وينكت شاحذا ذاكرتك لتبقى حية مرددة" مراكش الجميلة هذه لهؤلاء لا لغيرهم،وكرم هؤلاء لمراكش وللمراكشيين أهلهم ولا يستحقون أن يحول أحد طيبوبتهم و حفاوتهم إلى فرجة سياحية مدفوعة الثمن، فالحفاوة والطيبوبة المراكشية أقدم من وزارة السياحة المغربية بقرون "... بالمقابل ينتابك شعور بالخديعة والغربة حين تمر قبالة الفنادق الفخمة ، وقبالة المحلات ذات العلامات التجارية العالمية ،وينتابك حين لا تستطيع زيارة جزء من مراكش مُكرَها لأنه أصبح "مستوطنة " يسكنها الأجانب ويُمنَع دخولها على المغاربة "الأجانب "في عيون "المستوطنين" وفي عيون مسيري الشأن العام .... وينتابك شعور بالخزي وأنت ترى كهلا أوروبيا يمسك شابة عشرينية من يدها ،وفي عينيها تقرأ شعورا بالقرف من يده المتجعدة من هول سنين عمر يضاعف مرات عمرها، ليأت محاولا استرجاع شبابه على حساب شبابها، فقط لأنه كان يتقاضى في وطنه أجرة خولت له جمع ما يكفي للسياحة بعد التقاعد مع فتاة مغربية لا أجرة عمل لها ولا تعويض عطالة لتصبح هي موضوع سياحة... هنا ترى مراكش شاهرة في وجهك وجها لها لا يشبهها فتكاد لا تتعرف عليها فتشعر بغربة كئيبة.. تناقض المشاعر لها وقع اخر حين تكون مراكش هي التي تزورك و أنت في بيتك ،حين تزورك كمسافرة وصلَتْ بيتك منهكة مجروحة ،ولا تجد في بيتك ضمادا ولا دواء لجرحها غير قلم تتحايل به على جرحك بها ،معالجا نفسك من نكبتها موهما نفسك بأنك أنت من يداويها ،حين يقفز من شاشة حاسوبك وجه ممزق الفم إثر احتجاجات على فاتورة الكهرباء الباهظة ويقفز من حاسوبك عدد المعتقلين في حي سيدي يوسف بن علي ،هذا الحي الذي لم نسمع به قبل ملحمة تكسير وتكميم الأفواه ، لأن مراكش لا تحدثنا عنها سوى وزارة السياحة ،وهي طبعا لا تحدثنا إلا على المهرجانات السينمائية، وعن الفنادق وعن الأضواء المنعكسة على مسبح المنارة التي لا يجد المسؤولون مشكلة في دفع فواتيرها من جيوب المراكشي البسيط الذي تم نفخ فواتيره ووضعها في جيبه كهدية احتفالات السنة الجديدة لتنفجر كما تنفجر لعبة نارية في جيب طفل ، وتنفجر معها احتجاجات لم ير المسؤولون من حل لها سوى الاعتقالات والهراوات التي بررها رئيس الحكومة ذات جلسة برلمانية قائلا أن هذا " يحدث في العالم أجمع" منسجما مع ما هو "كوني "هذه المرة وهو الذي بنى "مجده" السياسي بالدفاع دون هوادة عن "الخصوصية"وعن "الاستثناء " المغربي. هل يعرف السياح الذين أحيوا ليلة اخر السنة في مراكش أن ثمن سهرهم وثمن الأضواء المتلألئة فوق رقصهم كلفت أبناء حي سيدي يوسف بن علي حريتهم وكلفت بعضهم أسنانه ؟؟؟ هل يعرف المخزن أن التقسيم الغير العادل حتى للإضاءة هو أرقى درجة من درجات الظلم الاجتماعي ؟ ألا يعي الفرق بين الإنارة الضرورية للتدفئة والرؤية والحفاظ على الغذاء في ثلاجة وبين الإضاءة الحمراء والملونة لإثارة الرغبة في الرقص والرغبة في أشياء أخرى ؟ألا يعي الفرق بين طفل يراجع درس الأمس تحت مصباح كهربائي و نجم سينمائي يمر فوق سجاد أحمر مضاء بأكثر من مصباح ؟ألا يعي الفرق بين توفير الراحة لمواطن يدفع الضرائب وبين توفير الراحة لضيف مؤتمر مشبوه ؟ ألا يعي الفرق بين مراكش البيت الذي يسكنه أهله وبين مراكش الفندق المختصِِرُ لوجه مدينة معروضة للاستباحة؟ إذا كان يجهل الفرق فهو حتما يحتاج دروسا كثيرة حول كيفية ترتيب الأولويات ،ودرس حي سيدي يوسف بن علي بمراكش درس من بين دروس كثيرة مضت وستأتي..