توفي الشيخ عبد السلام ياسين، و خلف خبر وفاته ردود فعل جد ايجابية في صفوف مختلف الفاعلين السياسيين المغاربة و نوه أغلبهم و على وجه التحديد، " خصومه السياسيون "، على رأسهم حزب النهج الديمقراطي و حتى حزب العدالة و التنمية بزهده و بجرأته و مساره النضالي الغني، و اتفق أغلبهم على مسألة وضع توجهه السياسي و إيديولوجيته جانباً بعد وفاته و التركيز على كل ما سبق من خصال نضالية و ايجابية في الحكم عليه. لكن و على عادته، أبى عبد الباري الزمزمي إلا و أن يغرد خارج السرب حينما قرر عدم الترحم على الشيخ المتوفى بل اعتبر أن وفاته " غير مأسوف عليها " معللاً ذلك بأن الشيخ ياسين "فتن الناس" و نعثه بالخارج عن منهج الإسلام و بأن فهمه السيئ للدين الإسلامي تسبب في فتن الناس و إثارة البلبلة. مفتي "الجزرة" الشهيرة اختار لنفسه أن يختصر مساراً نضالياً كاملاً في 3 تعليقات دون أن يحاول حتى التعرف على تاريخ هذه الشخصية التي هاجمها و جرح تلاميذها، و لعل هذه نقطة مهمة قد تفسر ما أقدم عليه الزمزمي الذي يعتبر نفسه رجل دين، فقد أظهر غبطته السلبية للمتوفى لأن هذا الأخير و بقراءته للمعطى الديني و تكوينه لجماعة العدل و الإحسان خلق " أقوى تنظيم إسلامي في المغرب " و اكتسب تلاميذاً يكنون له الاحترام و التبجيل و حتى خصوماً يحسبون له ألف حساب. الشيء الذي عجز عنه الزمزمي بفتاواه التي أضحكت جحافل الشباب المغاربة و نفرت كل شرائح المجتمع منه بل جعلت غالبية عظمى تشكك في قدراته العقلية. و تناسى الزمزمي تلك الآية القرآنية التي تدعوا كل المؤمنين إلى الترحم على موتاهم و ذكرهم بخير مما يدعوا للتساؤل عما اذا كان المفتي قد أنساه "التنظير" لمضاجعة النساء بعد موتهن في القواعد الأساسية للدين الذي يعتنقه و يعتبر نفسه احد فقهائه ؟ كما أن اعتبار تكوين جماعة العدل و الاحسان و ما تبعها من التفاف عدد من الناس حولها و موالاتها " فتنة " ما هو الا جهل من المفتي بتاريخ المغرب، و دور الزوايا التي يمكن اعتبارها، بالمعنى الحديث، تنظيمات سياسية دينية كما هو الشأن بالنسبة لجماعة العدل و الإحسان.. هذه الزوايا التي قادت التغيير و انبثق عنها و من تلاميذها نواة دول عظيمة صنعت للمغرب تاريخاً مشرفا كالدولتين المرابطية او الموحدية اللتان شكلتا إمبراطوريات سادت و حكمت شمالاً و جنوباً و شرقاً.و لعل أكبر الفتن التي عاشها المجتمع المغربي مؤخراً هي التي تسبب هذا المفتي نفسه بفتاواه الغريبة. و لا أعتقد أن " الفهم السيئ للدين الإسلامي " على حد تعبير المفتي، كان في يوم دعوى لرفض الترحم على شخص، فللرسول الكريم حديث يوصي و يحث على الاجتهاد و يعتبر أن المجتهد إذا أخطئ نال أجراً كما انه إذا أصاب نال الأجر مضاعفاً. و الاجتهاد كما عرف لنا في دروس التربية الإسلامية و نحن على مقاعد الثانوية هو إعمال العقل لاستنباط أحكام دينية و بالتالي فهو إنتاج تصورات و فهم ذاتي للدين، حتى في حالة كان تصوراً خاطئاً فانه يعطي صاحبه أجرا و لا يخرجه عن المنهج الإسلامي كما قال الزمزمي أو يتطلب رفض الترحم عليه و قذفه بعد وفاته. أسلوب البروباغاندا او إثارة الجدل من اجل الترويج و إشهار الذات بات مكشوفاً، محاولة بائسة من المفتي ليصبح حديث الشارع مجدداً بعد أن بدأنا ننسى للتو فتاواه المقززة، و لعله اختار الطريقة الخاطئة لذلك، فتصريحات كهذه ليس من شأنها إلا أن تزيد الطين بلة و تشوه صورته المشوهة أصلا لدى غالبية الشعب المغربي. و ما لا يعلمه المفتي أنه إذا كانت وفاة الشيخ عبد السلام "غير مأسوف عليها" من وجهة نظره هو فقط، فان آرائه "مرفوع عنها القلم" حسب جل المغاربة.