بعد اندلاع ثورتي الفل والياسمين بكل من مصر وتونس، قمت بتتبع ردود فعل الشباب المغربي تجاه هذه الأحداث ومدى تفاعله مع تطورات القضيتين. تنوعت الآراء واختلفت المواقف بين من يدعو إلى إقامة مسيرة حب لملك البلاد للتعبير عن الحب الجياش الذي يختلج صدور المغاربة ومدى تعلق المواطنين بأمير المؤمنين، بينما اتفق شباب آخر على تنظيم وقفة للمطالبة بالإصلاح الشامل في جميع المجالات وبطي صفحة المخزن، في حين برزت فئة ثالثة تدعو إلى مقاطعة أي مسيرة كيفما كانت محفزاتها ودواعيها. إذا تمعنا قليلا في المواقف السابق ذكرها، سيتبين لنا أن القاسم المشترك الذي يجمعها هو حب هذا الشباب لوطنه، لكن لو كانت المشاعر وحدها كفيلة بتحقيق النمو والازدهار، لجلسنا طيلة اليوم ننظم قصائد غزل في محاسن المغرب غافلين عن العيوب التي ما زالت ولسوء الحظ تشوبه. فالحب يعمي الولهان ولا يجعله يبصر إلا مفاتن ليلى. من دعوا إلى مسيرة الحب لملك البلاد اتخذوا شعارا: تحرق الشعوب أنفسها لعزل رؤسائها ونحن نحرق العالم ليبقى ملكنا محمد السادس. ما يبين بدون شك مدى تعلق المغاربة بالعرش. كيف لا وهم المستعدون لحرق العالم بأسره لضمان بقاء الملك... فالمغرب قد عرف ست حالات لإحراق النفس منذ تضحية البوعزيزي، يبقى لنا معرفة الدافع الحقيقي لهذه الأفعال ... من يدري قد تأتي وكالة المغرب العربي للأنباء وتخبرنا بأن الدافع قد كان... الحب. أما أصحاب دعوة العشرين من فبراير، فيطالبون بحل الحكومة، البرلمان وجميع الأحزاب السياسية إضافة إلى انتهاج إصلاحات دستورية لإقامة ملكية برلمانية على شاكلة بريطانيا العظمى. دعوة وإن كانت تنم عن حسن نية ما زالت تفتقد إلى الكثير من الواقعية وتتسم بالقليل من العبثية والدعوى إلى الفوضى السياسية... هذه الدعوات من كل صوب وحدب خلقت جهة مطالبة بمقاطعة جميع المسيرات كيفما كان نوعها، خوفا من تحريف المطالب الأصلية أوالمشاعر المعبر عنها وحفظا لأمن وسلامة البلاد من الخونة والمتربصين الذين ينتظرون بفارغ الصبر الفرصة لزعزعة الاستقرار بالوطن ... هذا الوطن الذي كثر تعداد أعدائه وقل عدد أصدقائه. إذا كان هناك من حب يجب أن يتواجد، فلا بد أن يكون حب الحرية، حب الإصلاحات وحب ازدهار الوطن. هذه أروع طريقة للتعبير للملك عن الحب الذي يكنه له الشعب. فملك البلاد في غنى عن الشعارات التي تهتف باسمه إذا كنا سنستيقظ في الغد لنشتم الفاسدين من الوزراء والبرلمانيين والقواد ورجال الدرك والشرطة بدون تحريك ساكن. هذا الوطن يحتاج إلى خطط ناجعة وفعالة لاجتثاث جذور الفساد التي استنهكت قواه. على المغاربة أن يقولوا كفى لنظام التعليم المتهالك، كفى من المحسوبية والزبونية، كفى من الفقر والمهانة، كفى من تدهور أوضاع الحياة وكرامة الإنسان في القرى والمداشر، كفى من قضاء ينصر الظالمين والمتجبرين ... لقد نشر المجلس الأعلى للحسابات تقارير مهولة عن الاختلالات التي تنخر مؤسساتنا ونشر أسماء من تجب محاسبتهم على تبذير أموال الوطن وتسخيرها لمصالحهم الخاصة، فهل تم ذلك لنقدم كبش فداء أحدهم ونترك الباقين بدون عقاب؟ هل المسلسلات المكسيكية والتركية المدبلجة بالدارجة المغربية هي الكفيلة بتوعية الشباب؟ هل البرامج التافهة التي تسخر من ذكاء المغاربة هي العاكسة لأذواقه وثقافته؟ هل زج شكيب الخياري والعقيد ترزاز وكل من فضح رؤوس الفساد في السجون كفيل بتحقيق التقدم؟ هل إغراق الصحف والجرائد بغرامات خيالية ومتابعة الصحفيين أوجه من حرية التعبير؟ هل انبثاق حزب من العدم أصبح وجهة لكل الانتهازيين وفوزه بالانتخابات الجماعية في غضون شهور قليلة بعد تأسيسه وجه من أوجه الديمقراطية والمغرب الحديث؟ لطالما التحم المغاربة ولبوا نداء الوطن : آباؤنا الذين شاركوا في المسيرة الخضراء وشبابنا الذي استنكر العداء الإسباني منذ أسابيع ... هل برز أي انفصالي أوعدو للبلاد بيننا في تلك التجمعات؟ هل تم تغيير شعاراتها ومطالبها؟ هل تمكنت القلة القليلة من الخونة من تحريف مسارها؟ لماذا الخوف إذن ممن قل عددهم ووهنت عزيمتهم أمام وطنية المغاربة... من منهم سيتجرأ على رفع شعارات معادية للوطن وسط ألوف المغاربة الغيورين على بلدهم؟ هل أصبح منبت الأحرار ومشرق الأنوار يتوجس من أعدائه؟ لبوا نداء البلاد التي ضاقت ذرعا بأعدائها الداخليين الذين يستنزفون ثرواتها ويستحقرون مواطنيها. إن الخوف يعترينا من التغيير ومن تحديات الغد ... لقد أصبحت المسألة مسألة وقت فقط قبل أن يعي المغاربة ضرورة إصلاح منظومتهم السياسية التي عاث فيها المفسدون فسادا. إصلاح تكمن خطواته الأولى في إعادة النظر في دستور البلاد ونهج تقسيم عقلاني وفعال للسلط بين القصر والحكومة بالإضافة إلى إزالة الانتهازيين من مواقع السلطة وإخضاعهم لإرادة الشعب. إننا نتوفر على جميع المؤسسات الديمقراطية من برلمان بغرفتيه وحكومة ووزراء ومجلس دستوري، ما يلزمنا هو بث روح جديدة فيها لا البدء من الصفر وتخريب ما تم إنجازه. استيقظوا يا مغاربة وأحبوا ما ينبغي حبه، أحبوا وطنكم وصلاحه، أحبوا العدل والكرامة... أحبوا الله، الوطن والملك.