اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 149 توصية من أجل تجاوز التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لأزمة كورونا، وذلك في دراسة أعدها بناء على إحالة توصل منها من طرف رئيس مجلس النواب. واعتبر المجلس أن هذه الأزمة تشكل فرصة حقيقية لإجراء تغيير جذري في العقليات وأنماط التفكير والتنظيم والتدبير والإنتاج والاستهلاك السائدة في بلادنا. وأكد المجلس أن هذا التحول يقتضي القيام بإصلاحات هيكلية عميقة كفيلة بالمساهمة في توفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي الجديد. القطع مع التركيز الاقتصادي ومن ضمن التوصيات الكبرى التي قدمها المجلس، تأكيده على ضرورة بناء دولة قوية تتحلى بإرادة الإصلاح وتضطلع بمهام التقنين والاستثمار، وتعمل على انصهار مصالح الأفراد والفئات في المصلحة العامة من خلال التدخل على عدة مستويات، أهمها معالجة اختلالات السوق، ومنح التحفيزات للقطاعات ذات الأولوية، سواء الموجودة أو الواجب تطويرها، وحماية الفاعلين الاقتصاديين والأسر والمقاولات، وضمان استمرارية حد أدنى للمرفق العام ذي جودة، و يتسم بالانسجام مع مساهمة القطاع الخاص في هذه الخدمات الأساسية بما يعود بالنفع على الساكنة. وشدد المجلس على أن إعادة النظر في طبيعة المنظومات الاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية والبيئية، تحيل أيضا على ضرورة القطع مع تركيز الاقتصاد، من خلال إحداث قطيعة مع الممارسات الريعية، ومحاربة الفساد وتحرير المشهد الاقتصادي وجعله مفتوحا في وجه المبادرة الحرة. الاتجاه لدولة "الرعاية الاجتماعية" ودعا المجلس في توصياته إلى توسيع وتعزيز السياسات الصحية، لاسيما من خلال تجديد الالتزام بالتعهدات المعبر عنها برسم أهداف التنمية المستدامة وتسريع استراتيجيات الصحة الرقمية المعتمدة، مشيرا أن الأزمة سلطت الضوء على الحاجة الملحة إلى التوجه نحو عودة "دولة الرعاية الاجتماعية"، وذلك بالنظر لتفاقم الفوارق وتدهور الأوضاع الاجتماعية نتيجة التفاوتات في الولوج إلى التعليم في أوقات الأزمة وضعف الحماية الاجتماعية وهشاشة الولوج إلى حقوق الإنسان الأساسية. وأكد أزمة كوفيد -19 سلطت الضوء على المستوى المرتفع لهشاشة فئات عريضة من السكان الذين يعملون في مهن ضعيفة التنظيم أو في القطاع غير المهيكل، بحيث لم يعد خافيا ما تكتسيه معالجة هذا القصور البنيوي، الذي طال أمده، وهو ما يستدعي الانتقال من " منظومة للعلاجات" إلى منظومة صحية تضمن الولوج العادل إلى العلاجات الضرورية والحماية المالية للمرضى؛ ونجاعة العَرض الصحي والاستدامة المالية للمنظومة على المدى الطويل. الحد من التبعية الخارجية وأبرز المجلس في توصياته أنه انطلاقا من فرضية أن حدوث الأزمات الكبرى قد يتكرر بشكل متزايد مستقبلا، وبالنظر إلى ارتفاع المخاطر المتعلقة باضطراب سلاسل التموين في الأسواق العالمية، فإن المغرب مدعو إلى تعزيز موقعه في عدد من القطاعات الحيوية للحد من تبعيته وهشاشته إزاء الصدمات الخارجية. وأضاف " أن تعزيز السيادة أيضا عبر تقليل التعبية التكنولوجية، من خلال إرساء استراتيجية مندمجة للبحث والتطوير والابتكار، ذلك أن المغرب مطالب بالعمل على المدى المتوسط والطويل على التحول من مستهلك للمعرفة إلى منتج لها، في المجالات العلمية وفي تكنولوجيات المستقبل، وذلك بالنظر للترابط القائم بين النهوض بالابتكار وتعزيز تنافسية الاقتصاد". تسريع الجهوية وألح المجلس على ضرورة تسريع الجهوية كتدبير ترابي لمرحلة ما بعد كورونا، ذلك أن المجال الترابي هو المدخل الوحيد الممكن لمواجهة هشاشة السياسات العمومية للتنمية من جهة، ومن جهة أخرى، مراعاة ندرة الموارد الطبيعية (المياه والتربة وغيرها) المستخدمة على نطاق واسع في مشاريع التنمية. وأكد المجلس في توصياته أن الأمن الغذائي مقابل السيادة هو خيار سياسي واقتصادي مهم، موضحا أن وزارة الفلاحة تركز حاليًا اهتمامها على تنفيذ أهداف الأمن الغذائي، وهو خيار مشروط بالتقلب المناخي الذي يميز بلانا وطبيعة تربته، وهو ما يعني أن المنتجات المعنية ينبغي أن تكون متوفرة بكميات كافية وفي متناول الجميع. تحقيق الأمن الغذائي وشدد على أن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب رؤية متجددة للسياسة الفلاحية التي تعتمدها الدولة في إطار الاستراتيجية الفلاحية الجديدة "الجيل الأخضر 2020 -2030 ،"مع العمل على الخيارات السياسية والاستراتيجية التي تتيح للمغرب أن يكون مستقلا في مجال إنتاج الحبوب والخضروات. تغيير العقليات وأوصى المجلس بترصيد وتثمين المؤهلات التي كشفت عنها الأزمة، وذلك من خلال استثمار الإيجابيات والممارسات الفضلى التي اتسمت بها تدخلات السلطات العمومية في إطار حالة الطوارئ الصحية، وجعلها قواعد عمل دائمة حتى في الأوقات العادية، ويتعلق الأمر بشكل خاص بما تحلت به السلطات العمومية من قدرة على الاستباق وسرعة في اتخاذ القرار واعتماد تدبير ملائم للمخاطر والحرص على مضافرة جهود مختلف الإدارات العمومية من جهة والقطاع الخاص والمواطنين من جهة أخرى. وترجيح إعمال المراقبة البعدية بدل المراقبة القبلية، في تدبير العلاقة بين الدولة والمواطنين وبين الدولة والمقاولات، وذلك من أجل تخفيف وتبسيط المساطر الإدارية بشكل جوهري وتعزيز الثقة بين كل مكونات المجتمع المغربي. تكريس دولة الحق والقانون وأكد المجلس على ضرورة الحرص على تعزيز مبد أ فصل السلط وضمان توازنها خلال حالة الطوارئ الصحية، مع العمل بشكل مستمر، وممنهج وناجع، على ضمان المراقبة البرلمانية والقضائية، حسب اختصاصات كل سلطة، للتدابير التنظيمية والإدارية التي يتم إقرارها أو الإجراءات المتخذة من لدن السلطات العمومية في إطار تدبير هذه الوضعية الاستثنائية. ودعا المجلس إلى الإسراع برقمنة جميع الخدمات الإدارية الموجهة للمواطنين، وتطوير منصة رقمية وحيدة للإجراءات الإدارية، مشيرا أن هذا يتطلب تطوير العمل البيني بين الإدارات، وتعزيز التعريف الرقمي واستخدام نظام الأداء الإلكتروني، وإعطاء الأولوية لرقمنة بعض الخدمات الاجتماعية، ولا سيما منها التعليم عن بعد والتّطبيب عن بعد. تقوية منظومة التعليم وشدد على ضرورة تقييم مدى تأثير تجربة التعليم عن بعد بالمغرب على مكتسبات التلاميذ والطلبة، و وضع برنامج لتكريس تلك المكتسبات، وإجراء تعديلات على المنظومة التربوية على مستوى مرونة الإطار الزمني، والمناهج، والتكوينات، والنماذج والمنصات الملائمة، والوحدات الرقمية القائمة على هندسة خاصة تتلاءم مع كل نمط من أنماط التعليم؛ وبناء منظومة تربوية أكثر مرونة وقادرة على التحول السريع إلى التعليم عن بعد خلال الأزمات.