أنهى المشاركون في المنتدى الأممي للخدمة العمومية الذي اختتمت أشغاله بمراكش، أول أمس السبت 23 يونيو الجاري، أشغالهم بإصدار مجموعة من التوصيات أكدت على ضرورة تقديم الحكومات لخدمات عالية الجودة تستجيب لاحتياجات المواطنين، خاصة منهم الأكثر هشاشة والذين يعانون من الإقصاء والتهميش. وخلص المشاركون في المنتدى إلى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب اعتماد مقاربات وطرق جديدة للاشتغال داخل المؤسسات العمومية على جميع المستويات، ووضع سياسات مندمجة، تنبني على الالتقائية والتعاون والتآزر. وشددت التوصيات الصادرة عن المنتدى على ضرورة وضع الحكومات لبرامج لمكافحة الفساد والوقاية منه على جميع المستويات وفي جميع القطاعات. مع توفر إرادة سياسية قوية لتنفيذ البرامج والمشاريع التنموية بانخراط تام للإدارة والمجتمع المدني وضمان الالتزام المستمر بأولويات التنمية المستدامة بغض النظر عن التغييرات التي تطال الحكومات، وذلك باعتبار التحول الحقيقي للحكامة العمومية يحتاج إلى آليات وممارسات إبداعية لتدبير استراتيجيات تطوير الخدمات العامة ذات القيمة المضافة. وأكد المشاركون على ضرورة استفادة الحكومات من الفرص التي تتيحها التكنولوجيات الحديثة واستثمار الثورة الصناعية من أجل التغلب على المخاطر الحالية والمستقبلية وأن تعزيز مشاركة المرأة في المجتمع بما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، عبر تمكينها في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أمر أساسي ومركزي. كما دعوا إلى تقوية قدرات المرأة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي باعتباره أمرا ضروريا لتعزيز مشاركتها في المجتمع خصوصا في ما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. توصيات المنتدى ألحت أيضا على ضرورة استحضار واضعي السیاسات العمومية لأهمية تعزيز التآزر المتجانس عند تناول التوازنات بين أهداف التنمية المستدامة، بما يمكن من تسريع تنزيل أجندة 2030، مع مراعاة البعد الأفقي والعمودي لعملية إدماج السياسات، حيث ينبغي على الحكومات أن تقوم باستثمار فرص التعاون مع الحكومات والمجتمعات المحلية. وشدد المشاركون على ضرورة تمكين قادة القطاع العام من آليات القيادة الجيدة وفسح المجال لهم لإظهار مهاراتهم الإبداعية والابتكارية والريادية،لاسيما عن طريق إدراج أجندة 2030 في المناهج الدراسية وبرامج التكوين في المستقبل وربطها بتطوير الكفاءات واعتماد مبدأ المساءلة، وذلك بالنظر إلى الدور الهام والمحوري والحيوي للقيادة في الإدارة العمومية. كما أكدوا على ضرورة تعزيز التعاون بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية(مع إشراك الأطراف الفاعلة الرئيسية والمجتمع المدني ولا سيما على المستوى المحلي) بما يساهم في تيسير إدماج أهداف التنمية المستدامة على جميع المستويات والمجتمع برمته، ويمكن برامج التنمية الوطنية من دعم أهداف التنمية المستدامة، مع اعتبارالتواصل الواضح بشأن الأدوار والمسؤوليات أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لضمان التحول الحكومي الفعال. وأوصوا بضرورة معالجة الفوارق في التمويل والطاقة والقدرات باعتبارها من أكبر التحديات التي تواجه الحكومات الوطنية والمحلية، والعمل على تجاوزها، مع ضرورة توفر الحكومات والقادة على المستوى المحلي على القدرات والموارد والمعارف الكافية والضرورية، والعمل على ضمان التمكين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. فضلا عن ذلك أكد المشاركون في توصياتهم على اعتبار التعليم أحد الوسائل الكفيلة بالتخلص من الفقر، مع ضرورة اعتماد الحكومة على آليات الحكامة الديمقراطية والشاملة والتشاركية. وأوصى المنتدى أيضا بضرورة قيام الحكومة بتطوير السياسات والأدوات والمقاربات اللازمة لتعزيز مشاركة النساء والشباب في عملية صنع القرار، مع ضرورة عمل الحكومات، في سعيها إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، استحضارا لمضامين أجندة 2030، على تشجيع الشراكة المبتكرة بين القطاعين العام والخاص. ودعوا منظمة الأممالمتحدة لإحداث مرصد للممارسات الابتكارية ذات صلة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، مع وضعها لبرامج تعليمية وأنشطة لبناء القدرات لدعم الحكومات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويأتي تنظيم دورة 2018 لمنتدى الأممالمتحدة للخدمة العمومية المنظم من قبل وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية وشعبة المؤسسات العامة والحكومة الرقمية، التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة، في موضوع:"تحويل الحكامة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، في وقت أدرك فيه العالم الحاجة الماسة إلى اعتماد مقاربة لتحويل الحكامة وتنفيذ برنامج التنمية المستدامة لسنة 2030، حيث قامت عدة مؤسسات حكومية وطنية ومحلية على الصعيد العالمي باتخاذ حزمة من الإجراءات لتنفيذ البرنامج المذكور. وشكل المنتدى فرصة للمسؤولين العموميين السامين، الذين يمثلون عددا من البلدان من مختلف أنحاء العالم لتبادل وتقاسم المعارف في مجال الممارسات الإبداعية والدروس المستخلصة بخصوص كيفية إرساء حكامة تحولية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومن النقط المرجعية التي استحضرتها أشغال المنتدى أن عنصر التحول والشمولية يتموقعان في صلب أولويات برنامج أجندة 2030، التي تعتبر دعوة صريحة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتغيير واقع عمل الحكومات، والتي تضم 17 هدفا تنمويا طموحا، ترمي إلى تحقيق مجموعة من الغايات والأهداف كوضع حد للفقر بمختلف أشكاله في كل مكان، انطلاقا من رؤية تحولية، وضمان الولوج العادل والشامل إلى التعليم الجيد على جميع المستويات، وإلى الرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية، والاستفادة من الماء الصالح للشرب وخدمات التطهير، وتعزيز مستوى العيش والرفاهية لجميع الفئات العمرية، وبناء مستقبل أفضل لكل الشعوب، وبناء مجتمعات معتدلة يسودها الأمن والسلام، تتشبث بمبادئ التحول والإدماج والإنصاف، لضمان المساواة بين الجميع. وأشارت التقارير المقدمة في المنتدى إلى أن مسؤولية تحقيق أهداف التنمية المستدامة تقع على عاتق الحكومات التي تتولى وضع السياسات العمومية وتقديم الخدمات العمومية بتعاون مع المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والوسط الأكاديمي، لاسيما وأن عددا من هذه الأهداف الطموحة لا يتأتى تحقيقها إلا عن طريق توفير الخدمات العمومية. حيث أن الهدف الرئيسي لجميع الحكومات يكمن في تلبية الحاجيات الإنسانية الأساسية، التي تعتبر الاستجابة لها عاملا حاسما في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتي نذكر منها أساسا: توفير التغذية والمياه الصحية والتعليم الجيد والرعاية الصحية الأساسية والشغل الكريم ووسائل النقل والسكن والبنية التحتية، فضلا عن الولوج العادل إلى الخدمات العمومية الجيدة. وأكدت مداولات المنتدى أن هناك حاجة ملحة لابتكار أنماط جديدة من الحكامة واعتماد مقاربات جديدة للقيادة، قوامها إشراك المواطن، والالتزام بالاستجابة لاحتياجاته، فضلا عن بذل مزيد من الجهود لتعزيز الفعالية والشمولية والتفاعل والمحاسبة، ناهيك عن الحاجة الملحة إلى ضمان التزام الإدارة العمومية بالتعاون مع بقية المؤسسات، ومع المجتمع المدني، والقطاع الخاص، مع تفهم تطلعاتهم، والعمل على إشراكهم في وضع السياسات العمومية من خلال شراكات إبداعية. ومن الخلاصات المهمة التي خرج بها المنتدى أن تسخير الإمكانيات المتاحة والاستثمار في الشراكات بين مختلف الفاعلين المعنيين بالحكامة سيساهم في إحداث التغيير المنشود، وتحقيق الرفاهية للجميع، عبر اعتماد نماذج جديدة للإبداع الاجتماعي وأنماط مبتكرة لمخططات العمل، تمكن منظمات المجتمع المدني من لعب دور أساسي في رفع درجة الوعي بأهداف التنمية المستدامة، خاصة في صفوف الفئات الهشة، التي ينبغي إشراكها في إعداد السياسات العمومية والبرامج التنموية بشكل يضمن انخراطها في إيجاد حلول للمشاكل والتحديات التي يواجهونها. ومن الأحداث التي استقطبت اهتماما كبيرا في هذه التظاهرة المؤتمر الإقليمي حول استهداف الفئات الأشد فقرا والأكثر هشاشة بخدمات وشراكات إدماجية وشاملة، والتي ألقى فيها محمد بن عبد القادر، وزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، كلمة أكد فيها أن تعزيز منظومة النزاهة مدخل أساسي من المداخل الاستراتيجية الكفيلة بتطوير البعد المؤسساتي في تتبع وتنفيذ السياسات العمومية الخاصة بالمجالات التنموية ذات الأولوية. مؤكدا أن الاستثمار في تقوية المؤسسات والتأطير التشريعي والرقابي للممارسات الإدارية ضروري لتعبئة الطاقات الوطنية بالشكل الأسلم من أجل تحقيق أهداف التنمية الشاملة. وأوضح في ذات السياق أن الانخراط القوي للمملكة المغربية في المسار التنموي العالمي من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة جعلها حريصة على تعزيز منظومة الحكامة العمومية وضمان التقائية وتماسك السياسات العمومية. مبرزا توفر الإرادة السياسية لدعم الالتزام بمكافحة الفساد الذي لم يكن عملا ظرفيا عابرا، بل شكل خيارا استراتيجيا لإرساء مؤسسات شفافة ونزيهة ومنفتحة طبقا لما تنص عليه المقتضيات الدستورية. وشارك في أشغال المنتدى الأممي للخدمة العمومية 750 مشاركا يمثلون ما يفوق 100 بلد، من بينهم 45 من وزراء وكبار المسؤولين، وعرف تنظيم 20 تظاهرة، في شكل موائد مستديرة وزارية وورشات عمل، وتظاهرات موزاية، وحفل تتويج الفائزين بجوائز الأممالمتحدة للخدمة العمومية برسم سنة 2018، إضافة إلى عروض لمنتوجات تعاونيات وجمعيات الصناعة التقليدية المحلية.