نشرت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تقريرها السنوي الأول الخاص بسنة 2019. وأكدت الهيئة في تقريرها أنه رغم حصول المغرب على تنقيط 43/100 برتبة 73/180 في مؤشر ملامسة الفساد برسم سنة 2018 ، وكسبِه لثلاث نقط مقارنة مع سنة 2017 التي حصل فيها على 40/100 برتبة 81/180؛ إلا أنه عاد ليتقهقر بسبع رتب ويحل بذلك بالمرتبة 80/180 سنة 2019 بعد فقدانه لنقطتن.
وأشار التقرير أن نتائج الخط المباشر للتبليغ عن الرشوة المحدث لدى رئاسة النيابة العامة، تلقي حوالي 168.19 مكاملة إلى حدود 31 دجنبر 2018 ،احتلت فيها التبليغات عن الرشوة في حالة تلبس 63 حالة فقط تهم مختلف مناطق المغرب، وذلك بشأن طلبات رشاوى بمبالغ متفاوتة تراوحت بن 200 درهم و300 ألف درهم، وهمت بالأساس أعوان ورجال السلطة، وأعوان الجماعات المحلية، والقوات العمومية، ووسطاء في قطاعي الصحة والعدالة. ضعف التبليغ عن الفساد وأضح التقرير أن هذه المعطيات تبين ضعف التبليغ الذي ينطوي على دلالة عميقة، مفادها أن الضرر الشخصي يعتبر لحد الآن المحفز الأساس الذي يدفع سائر المعنيين للانخراط في واجب التبليغ عن الجرائم، وأن المقتضيات الحامية التي أقرها المشرع المغربي لم تكن باعثا حيويا للموظفين وباقي المواطنين للتبليغ عن جرائم الفساد. وسجل التقرير التفاوت الواضح بن عدد المتابعات من أجل جريمة الرشوة المعروضة لدى المحاكم العادية والتي بلغت 9088 متابعة، مقابل 508 متابعة من أجل جرائم الفساد التي تبلغ أو تزيد عن مائة ألف درهم، والمعروضة لدى أقسام الجرائم المالية المختصة. وأكد التقرير أن هذا التفاوت يعكس حقيقة أساسية مؤداها أن جرائم الفساد ذات العائدات الإجرامية الكبرى لا تعرف نفس الدينامية التي تميز جرائم الرشوة والتي تبقى عائداتها هزيلة في جميع الأحوال، وذلك راجع لكون جرائم الفساد الكبرى تتسم بالتعقيد وبتعدد أوجه تمظهراتها، وبالتواطؤ وتلاقي مصلحة الراشي والمرتشي، ما يجعل الكشف عنها أكر صعوبة. ارتفاع مستويات الفساد وأبرز التقرير أنه اعتمادا على مؤشرات إدراك الفساد الدولية، فإن مستويات الفساد عرفت خلال سنة 2019 منحى تصاعديا، شمل حتى الدول المتقدمة التي فقدت عدة نقط في مؤشر ملامسة الفساد، وأكدت المرتبة المتقدمة للقارة الإفريقية و للدول العربية، كما كرست الوضع المتراجع للمغرب بخصوص هذه الآفة. وشددت الهيئة في تقريرها على صعوبة الإحاطة الشمولية والإحصاء الكمي والنوعي الدقيق لمظاهر الفساد، مما يجعل البحث عن آليات منهجية لقياس مستوياته مطلبا حيويا لدى مجموعة من المنظمات والهيئات المعنية. وخلصت الهيئة إلى أن تنقيط وترتيب المغرب يظل علىُ العموم متدنيا، معتبِرة أن القطاعات الأكثر عرضة للفساد حسب إدراكات المستجوبين في مؤشرات إدراك الفساد، تهم النظام القضائي والقطاعات العمومية والبرلمان والأحزاب السياسية والقطاع الخاص والعام. الإفلات من العقاب ولفتت إلى أن جرائم الإرتشاء والاختلاس واستغلال النفوذ تتصدر قائمة القضايا المعروضة على القضاء، كما أن نسبة تطور القضايا المرتبطة بأفعال الفساد عرفت زيادة ملموسة مقارنة مع معدل التطور السنوي لجرائم أمن الدولة والنظام العام. وأكدت الهيئة في تقريرها أن الإفلات من العقاب والرغبة في الثراء السريع يشكلان الأسباب الرئيسية لتفشي الفساد في المغرب، وتأتي بعدها الأسباب المتعلقة بالصعوبات الاقتصادية والفقر والأجور غير الكافية. وانتهت الهيئة إلى التأكيد أن المغرب ما زال يصنف ضمن البلدان التي تعرف استفحال آفة الفساد، ولم يصل بعد إلى المستوى الذي يسمح بانتشاله من خانة الدول التي ما زالت مجهوداتها في مكافحة الفساد غير كافية وغير فعالة، حيث تأكد لها أن أسباب الفساد تتمثل في عبء الحكامة الرديئة، والإفلات من العقاب، وعدم فعالية القوانين، وضعف الولوج إلى المعلومات، وبطء وتعقيد المساطر، إضافة إلى الرغبة في الاغتناء السريع. وأبرزت الهيئة أن التجربة المغربية في مجال مكافحة الفساد ما زالت تعاني من بعض الأعطاب التي تهم بشكل خاص نظام حكامتها، خاصة على مستوى ضعف قدرات التنسيق والتتبع وضان الانسجام، وكذا آليات برمجة مشاريعها التي لم تأخذ بعن الاعتبار العلاقة المطلوبة مع الأهداف المحددة سنويا، إضافة إلى الموارد المالية التي لم تتم تعبئتها بشكل واضح لضمان التفعيل الناجع للبرامج والمشاريع. منظومة قانونية قاصرة واعتبرت الهيئة أن المنظومة القانونية تستوعب كل الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات الأممية ذات الصلة بالفساد، باستثناء إساءة استغلال الوظائف، والإثراء غير المشروع، وبعض الصور المادية لجرائم الفساد. ورصدت الهيئة في تقريرها بالنسبة لمنظومة العقاب التفاوت غير المستساغ للجزاء المقرر لأفعال الإرشاء والارتشاء وتسخير الممتلكات بين القوانين الانتخابية والمدونة الجنائية، وعدم سريان مقتضيات الحماية على جرائم الفساد الانتخابي. أما في ما يتعلق بالجانب المسطري، فقد وقفت الهيئة على مجموعة من الثغرات التي تحد من تحريك مسطرة المتابعة، كقصر مدد تقادم الدعوى العمومية والعقوبات المقررة لجرائم الفساد، وإعمال مساطر القضاء العادي في التحري والبحث والتحقيق للتصدي الفساد، وتحجيم دور المجلس الأعلى للحسابات في تحريك المتابعات القضائية مباشرة لدى وكلاء امللك، وغياب مساطر قانونية خاصة بتدابير التجميد والحجز أثناء مرحلة البحث والتحقيق في جرائم الفساد، وكذا غياب آليات قانونية لمصادرة العائدات الإجرامية المختلطة بالممتلكات المشروعة للجاني، فضلا عن عدم وجود هيئة متخصصة في إدارة الممتلكات المجمدة أو المحجوزة أو المصادرة من جرائم الفساد. الفساد السياسي وتضارب المصالح ورصد الهيئة في تقريرها كذلك مظاهر القصور التي تشوب القوانين التنظيمية للأحزاب السياسية ولمجلسي البرلمان، كعدم التنصيص على المسؤولية المدنية للأحزاب فيا يتعلق بأفعال الفساد المرتكبة من طرف المنتسبين إليها، وعدم سريان المنع من الترشح لعضوية مجلسي البرلمان عن مجموعة من الأشخاص المشكوك في ذمتهم، إضافة إلى النواقص التي ما زالت تعري الآليات الجنائية المعتمدة في محاربة الفساد الانتخابي مما يحد من فعاليتها ونجاعتها. وأكدت الهيئة ضعف شفافية التدبير المحلي وهشاشة العلاقة بين الهيئات المنتخبة والمواطنين، ومحدودية استقلالية الجماعات المحلية، وتأخر إدراج الحكامة المجالية ضمن مقاربة إعداد التراب الوطني، وعدم انخراط الإدارات المركزية في مباشرة الإصلاحات الهيكلية الداعمة لسياسة اللامركزية، وعى رأسها نظام اللاتمركز الإداري. وتطرقت الهيئة في تقريرها أيضا لمناخ الأعمال وحكامة المقاولات، مسجلة بعض العراقيل المتمثلة أساسا في وجود تضارب كبر للمصالح في الأسواق، وغياب النشر المنتظم للمعلومات ذات الصلة بالمجال، ومحدودية اعتاد نظام التصريح أو دفتر التحملات بدل التراخيص، وارتفاع نسبة الشركات الصغرى والمتوسطة والعائلية داخل النسيج الاقتصادي الوطني، وتنامي الاقتصاد غير المهيكل، واتساع دائرة اقتصاد الريع، فضلا عن عوائق الحكامة الداخلية للمقاولات، والتي تهم بشكل خاص الشفافية والمساءلة وجودة التدبير والإخلال بضوابط قانون الشغل. توصيات وأوصت الهيئة بملاءمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، من خلال توسيع دائرة التجريم والأطراف، ومراجعة نظام العقوبات بما يعزز الأثر الردعي لها، وتعزيز نزاهة وشفافية الجهاز القضائي، وضمان فعاليته خاصة باعتماد قضاء متخصص يستجيب للمتغيرات المتعلقة بتنوع جرائم الفساد المالي، والعمل على سد الثغرات التي تؤدي إلى الإفلات من المتابعة والعقاب، وتقوية مساطر المقاضاة، خاصة على مستوى المصادرة والحجز والحماية القانونية والتعاون مع سلطات إنفاذ القانون، وتعزيز فعالية مسطرة تنفيذ الأحكام. ودعت إلى النهوض بالحكامة العمومية من خلال تثبيت حكامة التدبير الإداري والمالي، خاصة على مستوى إقرار منظومة جديدة للموارد البشرية، والنهوض بجودة الخدمات الإدارية، وتحجيم حالات تضارب المصالح ومظاهر الإثراء غير المشروع، وتحسن مقروءية مشروع القانون المالي، وترسيخ قواعد الشفافية والمنافسة في يتدبر الصفقات العمومية والتدبير المفوض، وإغناء قانون الحق في الحصول على المعلومات بالآليات الكفيلة بتعزيز دوره في توطيد أسس الشفافية والحد من مخاطر الفساد. وتعزيز بمناخ الأعمال وحكامة المقاولات، بالعمل على تعزيز شفافية المنافسة، ونزاهة الإدارات المتعاملة مع القطاع الخاص، إضافة إلى إرساء آليات عملية للوقاية ومكافحة الفساد داخل المقاولات. كما أوصت بتعزيز نزاهة الاقتصاد الانتخابي، بالعمل على ضمان شفافية التمويل العمومي للانتخابات، واعتماد معايير موضوعية في تحديد سقف الانفاق المالي خلال الانتخابات، ونشر التقارير المتعلقة بمعالجة جميع نفقات الحملات الانتخابية ،وتعزيز آليات محاربة التمويلات المشبوهة أو التي صرفت خارج المبلغ المحدد للإنفاق.