حديثُ اليوم والأمس عن "الفردوس" الذي فقدناه، عن " جنّة الخُلد" الأرضية الضّائعة بين طيّات الزّمن،وثنايا النسيان، عن زمان الوصْل بالأندلس، أندلس الشّعر، والنثر، والحنين، والشّوق، والتاريخ،والعلم، والأدب، والفكر، والفلسفة، والخَرْجَات، والمُوَشّحات، والطروبادور، أو "دور الطرب" والفلامنكو، أو "الفلاّح المنكوب"، والوَصْلات، والزّجل، والعُمران، والمَرمر المَوْضون، والرّخام المَسْنون، والدرّ المَكْنون، والعيون المُسْبلة، والحَواجب المُزجَّجة، والأسىَ، والأسف، والآه التي سرعان ما تغدو آهات. الحديثُ عن الأندلس حديثٌ عن الحبّ والصّبابة، والجوَى والهوَى، عن الزّمن الذي مضى وانقضى، عن خلجات النفوس المكلومة، وزفرات القلوب الخاشعة، العاشقة، الحديث عن «الأندلس»، حديث عن ذاك الحلم الضّائع بين ثنايا الزّمن وطيّات السّنين، عن ذلك الحلم الذي تبثر،وتبعثر، وتبخّر، وإندثر مع دياجي الفجر وأصبح يطفو على ثبج الذاكرة في اسم "الفردوس المفقود". هذا النّعت الذي غدا مصطلحاً مؤلماً، مثيراً مُستهلكاً مكروراً، ما فتئ ينثال على شفاهنا، ويتكرّر على مسامعنا، ويندسّ في العديد من النّصوص، والمراجع والمصادر، والمظانّ، والوثائق، والمخطوطات، والمقالات، والدراسات، والقصص، والرّوايات، والأشعار، والتآليف، والبحوث، والأطروحات التي كُتبت، وما زالت تُكتب عن عن هذا الصّقع الأندلسي القريب، البعيد، في هذه الجزيرة، أو شبه الجزيرة المحروسة، التي ما انفكّت ذكراها تتغلغل في أعمق أعماقنا، ووجداننا لصلاتها الوثقى وعلاقاتها المتينة، وأواصرها العريقة، الإثنية منها والعِرقيّة والدّينية، والتاريخية، والجغرافية، والفكرية والثقافيّة والعاطفيّة بتاريخنا وثقافتنا وهويّتنا وبعالمنا العربي والأمازيغي المترامي الأطراف على امتداد التاريخ والمسافات. نصّ نثري يتدثّر بدفء الشّعر وسحره وينتعش برقّته، أو نثر شعري يتسربل بروعة السّرد ويزهو برشاقته، تغلّفهما لوعة الحنين، وصدىَ الأنين، يتعانقان في تقاربٍ وتلاحمٍ أبديّ، في سديم الزّمن وصُوَات المسافات، وَثَبَج الذكريّات. يناغيان ذكرى"الفردوس المفقود" الذى غدا حلماً عابراً جاد به غيث هَمىَ، في زمانِ وصلٍ بالأندلس، لم يكن وصله إلاّ حلما، في الكَرَى، أوْ خِلْسَةَ المُخْتلس!. الفِرْدَوْسُ الذي فقدناه ! هل يجوز لنا حقّا -والحالة هذه – أن ننعت (الأندلس) "بالفردوس المفقود" ؟ فقد سمّوه فردوساً، ولكنّه ليس مفقوداً كما وُهِمُوا، إنّه هنا موجودٌ، حاضرُ الكيان، قائمُ الذات، إنّه هنا بسِيَره وأسواره، وبقاياه وآثاره، ونفائِسِه وذخائِره، إنّه هنا بعاداته وطبائعه، في عوائده وأهوائه، إنّه هنا في البريق المشعّ، في المدائن، والضّيع والوديان، في اللغة والشّعر والعلم والأدب، في لهجة القرويّ النائي والفلاّح المغمور، إنّه هنا في الإباء الذي يميّز العربَ الأقحاحَ وإخوانَهم في الله، وفي العِرق والوطن والمصير، الأمازيغ الصّناديد الذين أقاموا معاً صرحَ حضارة مشعّة أنارت دياجي الظلام في أوروبّا دهرئذٍ، إنّها هنا في النخوة والشهامة، والإباء، والحزازات القديمة، التي ما تزال تفعل في ذويها فِعْلَ العُجْب. الأندلس أيُّ سرٍّ أنتِ كائنٌ وقاطنٌ فينا وبيننا؟ أيّ سِحرٍ أنتٍ ساكنٌ بين طيّات الألسن ومَخادع القلوب؟ يتساءلون وقد علت جباهَهم أماراتُ الدّهشة والسُّؤْل، كيف حدث ذلك ؟ كيف استطاعت سنابكُ خيولهم المسوّمة بقيادة طارق الفاتح أن تطأ ثرىَ هذه الأرض البِكر، وأن تقام واحدة من أكبر الحضارات الإنسانية ازدهاراً وتالّقاً وسطوعاً وتوهّجاً أشعّت على العالم المعروف في ذلك الإبّان؟ يتساءلون كيف تسنّىَ لهؤلاء القوم الغُبْر الوِشاح، البُداةُ الجُفاةُ أن يضطلعوا بكلّ ذلك، وتزدادُ حيرتهم، ويتفاقمُ ذهولُهم، كيف دانت لهم الدّنيا، ودالت لهم الدّول؟ كيف أمكن لهم أن يُروِّعُوا كسرىَ في إيوانه؟ وأن يجعلوا الرّومانَ يفرّون تحت وخزات الرّماح، وتحت وطأة السلاح؟ إنّهم ليسوا قوماً قساةً، عتاةً، جفاةً، كما وُهِموا، بل إنّهم قوم فاتحون، مبشّرون بحضارةٍ، وعلمٍ، وتاريخٍ وعمران. هذه الجزيرة المحروسة التي هاموا بعِقيانها هياماً، ثمّ سرعان ما خبا الضّياء، وجفّتِ المآقي، هذه الواسطة في عقدٍ من جُمان مُرصّعة تزيّن جيدَ الزّمان، كيف وهنت قلادُتها؟ وتناثرت حبّاتُها وانفرط عِقدُها ؟ وتحوّلت إلى عَبرَاتٍ حرّىَ متّقدة ملتاعة تبكيِ العهدَ والجدَّ والحظّ والدّار؟ النّبعُ الرّقراق هكذا كانت البداية ثمّ أفلت الشمس بدون شروق قريب، وغاض النّبعُ الرّقراق، ولم يبق سوى وميضٍ خافتٍ نتلمّسُه هنا وهناك، سرعان ما تحوّل إلى بريق مُشعٍّ قويّ نفّاّذ، تراه في هذه الأعيُن النُّجل، والحوَاجب المُزجّجة، ذات الملامح العربية الأصيلة، والأمازيغيّة الأثيلة والجذور المولّدة والقَسَمات الدقيقة، التي تحملك في لمحٍ من البصر، أو في رمشةِ عينِ إلى أعماق الجزيرة الأولى، أو إلى جِنان الرّصافة والجِسر، أو تتيه بك في غياهب المسافات السّرمدية اللاّمرئية. الأندلس إنّها هنا متوهّجة في العادات المشرقيّة والمغاربية الجميلة، في ارتعاشات الأنامل وانحناءاتها، في ضرباتِ الأكفِّ والأرجلِ المتوالية المتناغمة التي تذكّرك بمرّاكش الحماء،وتلمسان الفيحاء،وتونس الخضراء، وبجرش والبتراء، وبزحلة الأرز،وبيروت الجريحة، وحَماة القاهرة، وأدواح الشّام المكلوم، إنها هنا في هذه الأقراط العربية المدلاّة عبر جيد في بياض النّرجس، بضٍّ ناصع، ذي ذوائب فاحمة، إنّها ما زالت شامخةً في قصر الحمراء، سامقةً جنّة العريف، منمّقةً في الزخارف والأقواس، في النقوش المرصّعة، والمرمر المَوْضُون، والرّخام المَسْنُون، وإفريز الخشب المحفور، إنها في نوافير المياه والبِرَك والأنهار والوديان، والجداول والجدائل، في الموشّحات، والأزجال والخَرْجات الأندلسية الرّخيمة، إنها هنا في هذه الرّاح التي لا تلبث أن تتحوّل إلى رُوحٍ متلألئةٍ حيّةٍ محاورة.. أيّها العاشق الولهان المؤرّق ببعد النّوى، البعيد القريب، إنهم يحنّون إليكَ، ويتغنّون بكَ وباسمكَ، قَلَوْك زمناً، ولكنّهم سرعان ما أفاقوا من سُباتهم، وثابوا إلى رُشدهم، وتخلّوا عن نُكرانهم، وجحودهم، فراحوا يشيّدون لكَ الأبنيةَ، والمجسّمات، والتماثيل المخلّدة، ولكنّهم في خَبَل من أمرهم، ذلك أنّ ربيعك دائم متجدّد، لا تراه الأعين، ولا ترمقه إلاّ في الحدائق والجِنان، أو على ضفاف الأنهار المنسكبة، والفوّارات المنسابة، بل إنّها في النغمات والآهات والخُطى والعيون والحواريّات، إنّه ربيع طلق يختالُ ضاحكاً، باسماً لا يعقبه صيف قائظ،، بل يتولّد منه ربيع تلو ربيع. جيراننا الإسبان يَتَأورَبُونَ أحياناً أكثرَ من الأوروبيّين أنفسِهم، وأحياناً أخرى تشطّ بهم الأحلامُ بعيداً بعيداً، ولكنّهم في الحالتين أبداً يظلّون مشدودين إلى ماضيهم القريب والبعيد، مُلتصقين بأرضهم التي تعاقبت عليها حضارات، فخورين بأجناسِهم وجيناتهم، مزهوّين بمحتدهم وتاريخهم الحافل، موثوقين إلى عاداتهم الدّخيلة، مشدوهين بلغتهم المزدوجة، وتقاليدهم العريقة، قالها وكرّرها غير ما مرة أنطونيو ماتشادو، و فدريكو غارسيا لوركا، ورفائيل ألبرتي، ودامسو ألونسو، وفيثينتي أليكسندري، مثلما قالها قبلهم ابن زيدون، وابن هانئ، وإبن خفاجة، وابن عبد ربّه، وابن زُمرك، وإبن حَمديس، وابن الخطيب، وابن سَهل، وحمدونة بنت المؤدّب، وولاّدة بنت المستكفي، وابن حزم، وابن الآبار، وابن بسّام وسواهم. طوقُ الحَمَام يضحكونَ مِنكَ وعليكَ، وهم فيكَ ومنكَ وإليكَ، ينكرون طبائعَك وعوائدَك، وهم الذائدون عنها. هنا حطّ الشّاعرُ يوماً رحله، بعد أن هجرَ القصرَ وترفَه، والشّعرَ ولغوَه، بعد أن بنى معبداً للخشوع والصّلاة، فكانت له جنّة الخلد، هنا في هذه الحياة الدّنيا قبل الآخرة، وخلّف لنا وراء ظهره ثماني من الرّواسي الرّاسخات، إنها تعدّ عدّاً، ضاربةً جذورَها في عُمق التاريخ، تعلو في عنانَ السّماء، ألوانها مزركشة زاهية، يعانق قوسُ قزحِها الآفاقَ البعيدةَ، معلنة للملأ أجمعين أنّها ما زالت ها هنا قائمة الذت، ثابتة في الصّور والمنقوشات، في الدّور والقصور، في فتنة الحمراء وجنّة العريف، وفي برج الذهب، وصومعة الخيرالدا، وفي قصر الجعفريّة، وقصر الظفرة، وفي القلاع الحرّة، والحُصون المنيعة، وفي الرّقصات والعيون والشّعر، والفكر، وفي العقل واللسان والجَنان. إنّها ها هنا تَسْلُبُ لبَّ العاشقين، وتروي صدىَ، وتشفي أوامَ الهائمين، من دوحها انطلق ذات مساءٍ هديلُ حمامةٍ نائحاً ذات مساء، حزيناً، باكياً، شاكياً، يلقّن المحبّينَ والعاشقينَ أصولَ الشق، والهيام والهوى، والحبّ والصّبابة والجوى، إنّهم لا يمقتونك، بل مُعجبون، إنّهم يفرّون منك إليك، يغيبون بك عنك وإليك، فيظنّون أنهم أنت هكذا تحدّث الفقيه العلاّمة، الحافظ، الشاعر، الأديب، الإمام البّحر، ذو الفنون والمعارف ابنُ حزم الأندلسي القرطبي. الأندلس هذا النّهر الجارف المنهمر، من يستطيع الغوصَ فيه، أو الدنوّ منه لآب إلى النّبع الأوّل، هذا الوادي الرّقراق الذي شقّ النّسيمُ عليه يوماً جيبَ قميصه، فانسابَ من شطّيْه يطلب ثأرَه، فتضاحكت ورقُ الحَمام بدوحها هزءاً، فضمَّ من الحياء إزارَه. الأندلس هذه الفاكهة المحرّمة المعلقة في شجرةٍ ليس لها جذع قائم، من يطولها يطول الخلد، وتعود إليه الحياة في ثوبٍ قشيبٍ جديدٍ متجدّد. الأندلس هذه الأغرودة الحلوة الهائمة الحالمة التي تنطلق عند الأصيل، من حنجرة رخيمة (لفلاّح منكوب) «فلامنكو» على ضفاف الآهات، وتحت ظلال رموش العُيون المُسبلة، تتمازج في رونقٍ بديع، وبهاءٍ رائع مع ترانيم، وزقزقات، وتغاريد الطيوروا لعصافير، ووجه المليح مشعّ مثل الثريّا، والسّاقي المؤدّب يسقي بالأواني البندقية، والعيدان تصنع تواشي منوّعة، فلا يملّ السّمعُ منها ولا يشبع، ولا يكلّ اللحظ ولا يدمع، ولا يفلّ القلب منها ولا يشفع، هذا الحسنُ الباهرُ، والجمالُ الظاهرُ، هذه الأنثى الحسناء، التي تغنّى بمفاتنها الشّعراء، وصدح ببهائها المنشدون والعاشقون فجاءت مَسوقةً مُنقادةً، هاشّة، باشّة، فرحة، جذلة، كغادة فاتنة أو كغجريّة رائعة، يسافر شَعْرُها الحريريُّ الفاحمُ المجنون في كلّ الدنيا، ثمّ سرعان ما يعود لينسدلَ على الخصر حُسْنَا وبهاءً. صدقتَ أيها الشّاعر العاشق الولهان، صدقتَ أيها الشّاعر المُعنّى المكلوم، وصدق حبّك للأرض لتي نعتوها بالفردوس، وللمرأة الولود، المِخصاب، كيف لا وحولك ماءٌ، وظلٌ، وأنهارٌ، وأشجارُ . آخر البكّائين شكراً لك أيّها الشّاعر الرّاوي المتيّم المجيد، المقتفي لآثار السّلطان السيّئ الطّالع أبي عبد الله الصّغير، آخر البكّائين على الفردوس المفقود، تقتفي أثرَه، كما يقتفي الشاعر التشيلي بابلو نيرودا آثارَ أرجل النوارس على الرّمال، في الشطآن النائية، شعرك غذاء للنّفس والعقل والوجدان معاً، نصّك سجّاد طائر، وسردك زورق من ورق بلّوري ساحر، ينقل قارئه في رحلة ممتعة إلى عمق التاريخ، عبر قاربٍ اسمُه اللغة في أرقى مظاهرها، وأبهى حللها، لتطير أو تطوف به على ثبج الزّمن السّرمد، وغياهب المسافات، مهما شحط المَزار، أو بَعُدت الديار، جَلَمُكَ الأعلى يراعٌ أو بَوْصلة بيد ربّان يجيد فنّ القول، ويتقن فنّ الغوص والإبحارفي مباهج اللغة وشواردها، أشرعته كلماتك الموفية، وحيزومه أسلوبك السّلس، الذي يأخذ بمجامع القلوب، أخرجتَ لنا تلك الدّر رالنفيسة، والصدفات المتلألئة التي ترصّعُ فلكك بالقوافى الغرّ، والقصائد الموشيّة. تتبع خطوات آخر المُتأوّهين على ملكه الضائع في الأندلس، أبي عبد الله الصغير، باحثاً عنه في سديم الليالي والدياجي الحالكات بمصباح ديوجين لرصد آهاته وزفراته، وتسجيل حسراته وتنهيداته، رحلتك متعة وفائدة وهي عِبرة لمن يعتبر، فالعِبرة أمّ الخبرة، والتاريخ ما زال معلمّنا الأوّل والأخير، فهل من مُصْغٍ، وهل من متّعظٍ، قالها الشاعرالصّديق الرّاحل المأسوف على شبابه أمجد ناصر :"كفّ إذن عن قراءة التاريخ، وإقرأ الحاضرَ لترى كيف تعود إليك الصّور، وتسترجع المعاني ما رسب في قعرها من ثمالات". أبوعبد الله الصغير صَغُرَ في أعين الناس، ولكنّه كبر في أعيننا، إنه ينبض حياةً وحيويّةً، ويتدفّق خصوبةً ونضرةً، لقد ارتقيت بأنفاسنا بحلو الكلام، وطلاوة البيان، ولكن سرعان ما انهدّت قلوبنا مع تنهيدة أبي عبد الله، لحظة التسليم المذلّ، على الرّبوة العالية، أو الأكمة المُرتفعة إيّاها التي ما زالت تحملُ اسمَه، والتي ظلت وصمةَ عار مرسومة على كلّ جبين، بتنازله المُخزي عن درّة المدن، وبهجة الحواضر، غرناطة الحمراء، آخرالمعاقل الحضارية للأندلس في هذا الفردوس المأسوف عليه، إنّه "وترٌ تحطّم أو تمزّق في قيثارة جُنح الليل". و"جفّت مآقي دموعنا على غرناطة الأولى، وبكينا أخواتها اللاّحقات".. "فالحضارات دُوَلُ. والسؤدد برهة" . صدقتَ، وأبلغتَ وأقنعتَ، وأفدتَ، وأصبتَ أيّها الشاعر الماجد المكلوم. شاعر الحَمراء شاعر الحمراء الذائع الصّيت إبن زُمْرُك الهائم والمتيّم بالأندلس، وماضي الأندلس، وشعر الأندلس، وأدب الأندلس، وموسيقي الأندلس، وتاريخ الأندلس، وعمران الاندلس، ورفاهية وترف الأندلس، وقصور، وحصون الأندلس، خطّ على حاشيةِ مرمرٍ مَسنون، وذهبٍ مَوضون، وكتبَ في الألبوم الشّعري – الوحيد في بابه في العالم – المَنقوش على جدران بهو الأسود، أو ساحة السّباع في غرناطة الحمراء هذه الأبيات التي يقول فيها : يذوبُ لجينُ سالَ بين جواهر/ غدا مثله في الحُسن أبيضَ صافيَا تشابه جارٍ للعيونِ بجامدٍ / فلم ندرِ أيّاً منهما كان جاريَا ألمْ ترَ أنّ الماءَ يجرىِ بصفحها / ولكنّها سدّت عليه المَجاريَا كمثلِ مُحبٍّ فاضَ بالدّمع جفنُه / وغِيض ذاك الدّمعُ إذ خاف واشيَا قال الشّاعرالإسباني الغرناطي الشّهير فيدريكو غارسيا لوركا معلقاً على هذه المأساة:" لقد ضاعت حضارة رائعة، لا نظيرَ لها، ضاع الشّعر، ضاعت علوم الفلك، ضاعت الفنون المعمارية، وضاعت حياة مُترفة فريدة، لا مثيلَ لكلّ ذلك في العالم أجمع" .وقال بلاسكو إبانييز: "جعل المسلمون من إسبانيا في ذلك العهد كالولايات المتّحدة الأمريكية، يعيش فيها المسلم، والمسيحي، واليهودي بحريّةٍ تامّة، ومن غيرِ تعصّب، وعندما كانت دول أوروبا تتطاحن، وتتقاتل في حروب دينية وإقليمية في ما بينها، كان المسلمون والإسبان والنصارى واليهود يعيشون في سلام كتلةً واحدة، وأمّة واحدة، فزاد سكان البلاد، وارتقى فيها الفنّ، وازدهرتِ العلومُ، أسِّست الجامعات. سَكَنَ ملوكُها القصورَ، وعاش شعبُها في الرّخاء، بينما كان ملوك بلدان الشّمال يبيتون في قلاعٍ صخريّةٍ سوداء، وشعوبُها تعيش في أحقر المنازل والدور". كاتب من المغرب ، عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم بوغوطا كولومبيا.