رغم أن جائحة كورونا البغيضة باغتتنا من حيث لا ندري ورغم هشاشة المنظومة الصحية والاجتماعية فقد أضحى الخطاب الرسمي يكتسي إلى حد ما نوعا من العقلانية عبر الإقرار بحقيقة وواقع البنيات الاقتصادية الهشة وهو ما اعتبر انذاك خطوة أولى نحو تدبير أفضل للسياسات العمومية وكان الامل مشفوعا بتطلعات لتجاوز الاختلالات التي كشفت عنها جائحة كورونا ، وباعثا لتخطي كل العقبات التي تحول دون تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية وإقرار حكامة جيدة على مستوى كافة القطاعات لتفادي ازمات مستقبلية . لقد ظن الجميع أنه ولا بد من دروس تُسْتخلص من هذه التداعيات ومنها بالخصوص إحقاق عدالة اجتماعية تمكّن كل فئات بلادنا بالشعور بالأمن الاقتصادي والاجتماعي ، ومجتمع ترتبط فيها التنمية الاقتصادية بمتطلبات العدالة الاجتماعية وتوازن المصالح ، وتُثمّنُ فيها منظومة القيم الاجتماعية والاقتصادية . أكيد أن مختلف القطاعات قد تأثرت بتداعيات فيروس كورونا المستجد ، وبالتدابير الاحترازية التي تم الإعلان عنها من طرف الحكومة ، كما أن الدولة قامت بمجهودات لمواجهة التداعيات الاقتصادية لهذه الجائحة خاصة عبر إحداث صندوق الدعم لتدبير ومواجهة تداعيات هذه الجائحة ؛ كما ان هناك من رؤساء المقاولات وأرباب الشركات من اعتبرها فرصة سانحة للقيام بتنفيذ ما حاول القيام به في سياق ما قبل الجائحة وتسريح جزء من المستخدمين . قطاع النقل الجوي لم يسلم هو الآخر من تداعيات جائحة كورونا وعانى من الإجراءات الاحترازية المتخذة إن على المستوى الوطني او الدولي ، وهي الظروف التي اعتبرتها شركة الخطوط الملكية المغربية كافية للقيام بحملة تسريحات واسعة في صفوف الربابنة الذين بلغ عددهم 65 ربانا لحد الآن، وهو الإجراء الذي اعتبرته الجمعية المغربية للربابنة بمثابة إجراء تعسفي ، مستغربة مدى الجحود الذي أبْدته الشركة تجاه ربابنة تفانوا في خدمة قطاع الطيران ببلادنا وبدلوا اقصى جهدهم للنهوض بخدمات هذه الشركة وجعلها في مصاف شركات الطيران عبر العالم . كما اعتبرت الجمعية أن الشركة بقرارها الجائر هذا لم تأخذ بعين الوقع الاجتماعي لهؤلاء الربابنة ولأسرهم ، اذ انها بهذه التسريحات وكأنها قد دفعت بهم للمجهول ولبطالة دائمة ، خاصة أن البحث عن منافذ للشغل لا يمكن بطبيعة مهنتهم إلاّ أن يتم في إطار شركات الطيران . وأخذا منهم بعين الاعتبار للأزمة التي تمر منها الخطوط الملكية المغربية وبدافع المساهمة في التخفيف منها وإنقاذ العشرات من الربابنة وأسرهم من التشرد ، تقدمت الجمعية باقتراح تعتبره إيجابيا بالنسبة للشركة على المستوى المادي والاجتماعي ، وربما قد يعلي من قدرها امام الرأي العام الوطني والدولي؛ ويتجلى هذا الاقتراح الذي تقدمت به الجمعية خلال الاجتماع الذي عقدته بتاريخ 31 غشت 2020، والذي عُرض على التصويت وحظي بالأغلبية المطلقة في قرار تخفيض رواتبهم لمدة ثلاث سنوات كدعم من طرفهم لخطة استعادة تأهيل الخطوط الجوية المغربية اقتصاديا وتُمكّن الشركة من خلال هذا التخفيض من مبلغ 400 مليون درهم موزعة على 3 سنوات مقارنة مع كلفة التسريح المقدرة ب 250 مليون درهم ، ومقابل هذا يتم إعادة ربابنة الطائرات البالغ عددهم 65 إلى وظائفهم. وحسب أحد المتتبعين لهذا الملف ، فهذا الاقتراح هو بمثابة مبادرة ترقى لقيم المقاولة المواطنة باعتبارها وسيلة لتدبير الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وأداة لتكريس روح التضامن.