مسيرة وطنية حاشدة في الرباط تطالب بإسقاط مشروع قانون الإضراب    إختفاء 4 سائقي شاحنات مغاربة ببوركينافاسو    "تيك توك" يتوقف في أمريكا وترامب يدعو لإنقاذ التطبيق    فريق كوري يبتكر شبكة عصبية لقراءة نوايا البشر من موجات الدماغ    جماعة "سبع عيون" تفجر التحالف الحكومي    من هم أبرز المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية؟    مزراوي في التشكيلة الأساسية لمانشستر يونايتد ضد برايتون    توقعات أحوال الطقس ليومه الأحد    مهرجان مراكش للكتاب الإنجليزي: حفل تسليم النسخة الأولى من جائزة "كوستا غولدكس"    جبهة الدفاع عن الحق في ممارسة الاضراب "تجتاح" شوارع الرباط في رسالة واضحة للحكومة (صور)    إدارة سجن العيون تنفي ادعاءات والدة نزيل تعرضه للتعنيف من طرف موظف    الاستعراض والسياقة الخطيرة يقودان متورطين للمتابعة القضائية    اختفاء أربعة سائقين مغاربة في ظروف غامضة ببوركينافاسو    توقيف متورطين في سياقة دراجات نارية بشكل متهور واستعراضي    زيادة جديدة في ثمن الغازوال والبنزين بالمغرب..    وائل جسار يعايد مي حريري ويتمنى لها الشفاء    بنيعيش: العلاقات بين المغرب وإسبانيا مبنية على المصالح الاستراتيجية المشتركة    فريق بحثي كوري يتمكن من تطوير شبكة عصبية لقراءة موجات الدماغ بدقة    بالدي يشتكي من إساءات عنصرية    تقرير: الطاقة المتجددة ركيزة أساسية للتحول الاقتصادي المغربي    "حماة المال العام" يعلنون عن مسيرة شعبية ضد تفشي الفساد ومحاولات تحصين الفاسدين من المساءلة القانونية    التجاهل الحكومي يدفع النقابات الصحية لشل المستشفيات العمومية.. وصحة المواطنين الخاسر الأكبر    تعزية ومواساة في وفاة والدة السيد ميلود بلفضيل نائب رئيس مجلس جماعة تزطوطين    عودة آلاف النازحين الفلسطنيين إلى منازلهم في غزة مع بدء وقف إطلاق النار    أزمة التباين بين الأقوال والأفعال..    فينيسيوس محور الشائعات.. ريال مدريد يقطع الشك باليقين    إسدال الستار على فعاليات الدورة ال3 من المهرجان المغربي للموسيقى الأندلسية    زياش يطالب غطلة سراي بمستحقاته المالية بعد اتفاقه مع الفتح السعودي    الإصابة تغيب أوناحي عن الديربي    توقيف ثلاثة أشخاص من بينهم سيدة بتهمة السياقة الاستعراضية بسيارتي "فراري" بمراكش    إنشاء مجموعة عمل مغربية – ألمانية حول الأغذية والزراعة    انسحاب اليميني المتطرف بن غفير وحزبه "القوة اليهودية" من ائتلاف نتانياهو احتجاجا على اتفاق غزة    المغرب يدخل غمار تصنيع الشاحنات وتصديرها للأسواق الأوروبية والإفريقية    سيدي بنور.. سرية الدرك تحجز مخدرات وتوقف 3 مروجين    النيابة العامة بتطوان تقرر متابعة "الثمانيني" المعتدي على امرأة وابنتها في حالة اعتقال    أفضل وجهة في العالم لقضاء شهر العسل    د.الحسن عبيابة يتساءل: ماهي الحكومة التي ستشرف على الإنتخابات المقبلة ؟    حفل ضخم في "جوي أووردز" بالرياض    اتحاد طنجة يدخل الميركاتو بقوة لتحسين وضعه في الشطر الثاني من البطولة    "الأوغاد" عنوان المواجهة بين الإعلام الفرنسي ونظام تبون    أيوب مولوع يرفع قيمته التسويقية    توقيف المشتبه به في طعن نجم بوليوود سيف علي خان    شي جينبينغ يجري اتصالا هاتفيا مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب    محكمة كورية تصدر مذكرة اعتقال رسمية للرئيس المعزول    باحثون يدعون إلى تقوية الحماية القانونية لحراس الأمن الخاص في المغرب    الجزائر.. فيروس ينتشر ويملأ مستشفيات البلاد بالمرضى    الأسبوع الأخضر الدولي في برلين.. المغرب يشارك في المنتدى العالمي للأغذية والزراعة    الموت يفجع النجمة المصرية ياسمين عبد العزيز    "بنك المغرب" يكشف تقلبات الدرهم    إسبانيا تُخصص 2.6 مليون أورو لترميم المستشفى الإسباني في طنجة    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى يثور الشعب الصيني على قيادته السياسية؟
نشر في لكم يوم 08 - 09 - 2020

في سؤال حول كيفية نجاح الأمم وأسباب تدهورها يقول "كونفوشيوس" :" إن اللذة المترتبة على تولي الإمارة، اللذة الوحيدة هي أن الأمير يملك حق أن لا يقبل التناقض: فإذا كنت على حق ولا تجد أحدا يعارضك فهذا أمر ممتاز، ولكن إذا كنت على خطأ ولا تجد أحدا يعارضك، ألا ترى أن معنى هذا الأمر يمكن أن يدمر البلد"،هذه المقولة أفضل تجسيد وتلخيص للفترة التي عانتها الصين تحت قيادة "ماوتسي تونغ"، بل إنها تجسيد حي لواقع العالم العربي أيضا حيث أن الحكام على خطأ و لكن لا يجدون من يعارضهم ، إما بفعل قمع المعارضة الشعبية و البطش بها من قبل الأنظمة القمعية المستبدة، أو نتيجة لقبول الأغلبية الصامتة بالوضع الراهن نتيجة لمكاسب أنية ضيقة الأفق..لذلك فإني عندما أدرس تجربة الصين أجد نفسي قريبا من تحليل واقع العالم العربي الذي يمر من نفس المحنة التي إستطاعت الصين تجاوزها مع إنطلاق إصلاحات 1978..و سأحاول في هذا المقال التركيز على فترة إنتقالية ذات أهمية بالغة في تاريخ الصين الحديث ، و هي الفترة التي أعقبت "الثورة الثقافية" و وفاة "ماوتسي تونع" و صعود ""دنغ شياوبينغ"..
فصعود الصين و خروجها من دائرة التخلف و الوهن لم يكن بالأمر الهين بل شهدت البلاد سلسلة من الثورات العنيفة ، ثورات ضد المستعمر الأجنبي الذي أذل "مملكة الوسط" من قبل "البرابرة"، في حقبة حرب الأفيون الأولى و الثانية، و في فترة الاحتلال الياباني و الأجنبي لأجزاء واسعة من التراب الصيني، و هو ما أدى إلى الإطاحة بالنظام الإمبراطوري في عام 1912 ، ثم نجاح الثورة الشيوعية في تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1948، و بعد هذا التاريخ شهدت البلاد تحولات عميقة و عنيفة و سياسات مزجت بين الصواب و الخطأ ، لكن في قلب هذه الأحداث تولد توجه إصلاحي رافض لسياسات "ماو" الخاطئة…
إذ بدأ المنظور الإصلاحي في الصين داخل الحزب الشيوعي، وكان ذلك قبيل "الثورة الثقافية"، حيث كان تيار "دنغ شياوبينغ" يدعوا إلى قدر من الليبرالية في الجانب الاقتصادي، غير أن "الثورة الثقافية" قمعت هذا التيار، عندما فرضت الإقامة الجبرية على "دنغ " عام 1967،لكن النتائج السلبية لهذه الثورة ساعدت على عودت هذا التيار الإصلاحي للسلطة بعد القضاء على "عصابة الأربع "..فبعد ثلاث سنوات من وفاة "ماو" شهدت الصين فشل " هواغوفينغ" خليفة "ماو" وفشلت الثورة الصامتة للطبقة الفلاحية، وحدثت أزمة عنيفة داخل الحزب، فأصبح الرأي العام الصيني ساخطا على الأوضاع،و هو ما شكل تهديدا حقيقيا لإستمرارية الحزب الشيوعي في السلطة ، بل إن الحزب بدأ في فقد شرعيته ، لأن هذه الشرعية مرتبطة بالكفاءة و الفعالية..
لذلك، فإن التيار الإصلاحي بقيادة "دنغ شياوبينغ" لعب دورا بالغ الأهمية في استمرار الحزب الشيوعي في السلطة، عبر التأسيس لمصالحة ضمنية بين السلطة و الشعب، و القطيعة مع إرث "ماوتسي تونغ" و خاصة التدابير الثورية التي تم تبنيها في مرحلة الثورة الثقافية، إذ أعلن "دنغ" رفضه للممارسات السابقة خاصة و أنه دفع الثمن هو شخصيا، إذ تم عزله من منصبه ووضعه تحت الإقامة الجبرية لسنوات..ومنذ عام 1977وبعد سنة من انقضاء عقد الاضطرابات والفتن التي جعلت الصين معزولة عن العالم، وأكثر فقرا من أي وقت مضى، أعيد الاحترام إلى "دنغ"،و رجع إلى مناصبه السابقة في الحزب الحاكم، وبدأ يهم بوضع البلاد على مسار الإصلاح و فق منطق برغماتي قائم على الفعالية و ليس الدوغمائية …
فالنظام الشيوعي كما رآه "دنغ" عند نهاية سبعينات القرن العشرين أصبح يعيش أزمة عميقة في مختلف أرجاء العالم، وعلى العكس فنظرة سريعة للبلدان التي تتبنى إقتصاد السوق مثل البلدان الآسيوية المجاورة كانت ناجحة و تسير في خط تصاعدي، وهو ما دفع "دنج" إلى قول جملته الشهيرة": لا يهم لون القط إن كان أسود أو أبيض طالما ظل يصطاد الفئران."..و القط في تعبير "دنغ" يشير إلى الرأسمالية و الرفاهية هي طريدته…هذه العبارة توضح المنطق البرغماتي لهذا الزعيم و للحزب الشيوعي الصيني عامة، فهو لم يعد يهتم بالطابع الإيديولوجي الشيوعي الكلاسيكي، بل أصبح الهدف تحقيق التنمية الاقتصادية، سواء عبر الشيوعية أو الرأسمالية..
و قد حاول "دنغ" و معه التيار الإصلاحي بالحزب الشيوعي القيام ب"ثورة صينية" داخل " الثورة الصينية"، ففي اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ديسمبر1978 تم إدخال تعديلات جوهرية التعديلات على برنامج "التحديثات الأربعة" و تم وضع برنامج إلى غاية سنة 2000 ، و يرتكز على الإقلاع الاقتصادي بالأساس، أما الجوانب السياسية والاجتماعية فتتبع الجوانب الاقتصادية.
و من ضمن الإجراءات الجوهرية التي تم إتخادها في نفس السنة، و التي ساهمت في طمأنة عموم الشعب الصيني تبني دستور جديد وفتح المعابد، و ملاحقة بعض المسئولين السابقين في الحرس الأحمر، و تبني المؤتمر السادس في نفس السنة سياسة الانفتاح و العصرنة، وسطر أهداف الصين في سنة " :2000دولة اشتراكية متطورة بتحقيق اللامركزية الاقتصادية، والانفتاح على العالم والتكامل مع الاقتصادي العالمي".. و تبعا لذلك، تمت الثورة على أهداف و أسس "الثورة الثقافية" التي أراد من خلالها "ماوتسي تونغ "ترسيخ المزيد من المركزية،و الانغلاق، و الدوغمائية والاكتفاء الذاتي…
لقد نجح "دنغ" في تحقيق طفرة تنموية اقتصادية لدولته، وذلك بعد أن اهتم
بكافة مجالات الاقتصاد الصيني، وبعد أن نجح في تطبيق مبادئه الاقتصادية على الواقع، وكذلك بعد أن ربط احتياجات السوق، والاحتياجات الإنتاجية بالسياسات التعليمية والبحثية المتبعة .. كما أن عملية الإصلاح الاقتصادي واكبها إهتمام بالجوانب الاجتماعية، و الحرص على تعبئة كل طوائف المجتمع و إشراك الجميع في عملية التنمية و في جني ثمارها و تحمل تكاليفها…
فقد تم تشجيع الفلاحين على إنتاج المزيد من المحاصيل، وذلك بعد أن أشعر الفلاح الصيني، أنه كلما بدل جهد أكبر في العمل، كلما كان ذلك في مصلحته، إذ تم استبدال شعار "كل حسب حاجته" بشعار "كل حسب قدرته"، كما سعى إلى تعاون اقتصادي مع دول الجوار خاصة "سنغافورة" و "اليابان" و "كوريا الجنوبية" و "تايوان" للاستعانة بقدراتهم التكنولوجية والبترولية، باعتبارهم بلدان تدور في فلك النطاق الحضاري الصيني الكبير، كما تمت المصالحة مع الفكر الكنفوشيوسي ، و الذي تمت محاربته لعقود باعتباره فكر رجعي، و سبب في تخلف الصين، بل أصبحت الكنفوشيوسية في حقبة الإصلاح نقطة ارتكاز في السياسة الثقافية للصين على المستويين المحلي و الدولي ، فالصين تعتبر نفسها اليوم قائدة العالم الكنفوشيوسي، و هذا الفكر و امتداده لباقي البلدان الأسيوية المجاورة، أصبح عامل استقرار و قوة ناعمة للصين يتم توظيفها بكفاءة لدعم قوة الصين و تعزيز التعاون و السلم الإقليمي..
و في الختام، علينا الإقرار أن القيادة الصينية منذ "دنغ" إلى الآن نجحت في تحقيق معظم الأهداف التي تم وضعها بفعالية شديدة ، فمهما كانت الأفكار سليمة فإن فعاليتها هي الأهم وتأثيراتها على أرض الواقع ذات قيمة عالية، و لعل هذا ما أشار إليه الفيلسوف و المفكر الإسلامي "مالك بن نبي" و عبر عنه ب"فعالية الأفكار"..فللأسف في عالمنا العربي رغم وجود قيم وأفكار سليمة إلا أن تجسيدها على أرض الواقع في غاية السوء ، و السبب نظم حكم فاسدة و فاقدة للشرعية و الكفاءة و بعيدة كل البعد عن القيم الثقافية و الحضارية لشعوبها، وأيضا غياب الوعي الجمعي و الإرادة الجمعية التي تضغط باتجاه تغيير السياسات الخاطئة عبر التضحية بالجهد و بالمال و الدم أحيانا، فكما رأينا في هذا المقال و غيره أن صعود الصين دفع الشعب الصيني ضريبته ، و أن بقاء الحزب الشيوعي في السلطة إرتبط بقدرته و فعاليته في تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض ، و لعل فعالية الإنجاز و قدرة الحزب على إخراج الصين من عصر الذل إلى عصر القوة العظمى أحد أهم الاسباب في قبول الشعب بديكتاتورية الحزب … و الله غالب على أمره و لكن أكثر لناس لا يعلمون..
أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.