بادر الأستاذ عبد الله الشيباني صهر المرشد العام لجماعة العدل و الإحسان و أحد أعضاء الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة بإرسال رسالة إلى رئيس الحكومة الحالية، وصفت إعلاميا بالإستثنائية، و اختلفت بشأنها الآراء و التحليلات بين ناقم و شامت و متحامل و مستهجن و ناقد. فإسهاما في هذا النقاش، ارتأيت أن أبدي من خلال هذا المقال بعض الملاحظات العامة حول الرسالة و قراءاتها، على أن أستكمل الملاحظات - بحول الله- في مقال لاحق أخصصه للدلالات و المضامين. ملاحظات حول القراءات و الانطباعات - بالاضطلاع على أغلب ما كتب و ما تم التصريح به في الإعلام الالكتروني خاصة، يمكن الخروج بملاحظة أساسية، و التي مفادها أن أغلب أصحاب الردود و التعليقات و الانطباعات بقوا أوفياء لنهجهم و مواقفهم و انطباعاتهم حول جماعة العدل و الإحسان و مواقفها و إصداراتها و بياناتها و رجالها. و تجدر الإشارة بهذا الشأن أن أغلب من يصنفون في هذه الخانة هم أصحاب آراء أو هم مصنفون في باب التعاطف أو الانتماء إلى فكر أو توجه أو تنظيم معين، لذلك فقراءاتهم ليست ذات قيمة معرفية أو سياسية تذكر، إلا ما كان تأكيدا لمواقفهم و آراءهم و اتجاهاتهم. - للأسف الشديد أن بعض المواقف السلبية من الرسالة – و أقصد أصحاب المواقف- كانوا و لازالوا يمجدون آراء و مواقف و بيانات و تصريحات تنحوا منحى رسالة الشيباني في حق بن كيران، ولا تختلف عنها إلا كونها صادرة عن أشخاص لا ينتمون إلى العدل و الإحسان ولا يتعاطفون معها، و هو ما يدل على غياب الحياد و التجرد الفكري. - بعض القراءات – و لعلها قليلة- تنم على أن أصحابها لا يفقهون الكثير عن جماعة العدل و الإحسان و مؤسساتها و مواقفها و آليات اشتغالها، حيث تحدث البعض عن خلافة الشيباني لمرشد الجماعة و منافسته لأعضاء مجلس الإرشاد و تعبيره عن أراء غيره من مؤسسات الجماعة...، و هي في رأيي أفكار مجانبة للصواب بالنظر إلى قوانين الجماعة و هيكلتها و صلاحيات مؤسساتها و التعامل مع أصحاب الرأي من أعضائها. و إني بعرض هذه الملاحظة لا أوجه اللوم إلى هذه الشريحة إلا لكونها تتحدث بما لا تعلم، أما لومي الشديد فهو موجه إلى مفكري الجماعة و قياداتها التي لا زالت تجد – كما يبدو- صعوبة في التواصل الشامل بفكرها و مواقفها و أدبياتها مع عموم الشعب و مكوناته. - من يقرأ التعليقات و القراءات و الانطباعات يجد في بعضها نوعا من التحامل على الجماعة و تحميلها مالا تطيق من مواقف الشيباني المضمنة في رسالته. و إني لأجد ريح التحامل الشديد في حدس البعض الذي شكك في نسبة الرسالة للشيباني و كأن الرجل نكرة إلى هذا الحد، مما يؤكد عدم قراءتهم الكافية للرسالة التي يتحدث الجزء الكبير فيها عن التاريخ الذي جمع الرجلين قبل تأسيس حركتيهما الحاليتين. و الأدهى أن البعض نسبها بالتأكيد إلى مؤسسات الجماعة و نشطائها و كبار مسؤوليها، وهو ما يقفل باب التواصل و النقد الجاد المشروع و يفوت على المهتمين فرصة التمتع بمناظرة علمية في المستوى المطلوب. - هذه أهم الملاحظات حول القراءات المنشورة إلى حد اللحظة، و إلا فإنها تحتاج هي نفسها إلى قراءات، لكن على غير هذا المنوال. ملاحظات حول الرسالة لا أدعي أنني سأقوم بملاحظات موضوعية في غاية الكفاية حول الرسالة، لكن يمكن أن أدعي أن ملاحظاتي ستخرج خروجا تاما عن التحامل أو الدفاع الأعمى أو ما إلى أحدهما. هذا مع العلم أن المخول الأول لقراءة الرسالة هو صاحب الرسالة نفسه، لأنه هو الذي يعرف مناسبتها و أهدافها و دلالاتها. في الشكل من حيث الشكل يمكن إبداء العديد من الملاحظات التي تبقى رأيا شخصيا، كما ذكرت، لكن سأقتصر على إبداء أهمها: - يبدو أن الرسالة مطولة و هو ما يتيح الفرصة للقراء المهتمين المتحاملين من توجيه جزء من الرأي العام الذي يود المتابعة، لكن من غير تحمل كلفة طول الرسالة و تشابك مضامينها، فهو بالتأكيد عرضة للتوجيه وفق التصريحات و الانطباعات و القراءات السريعة. - اختار الأستاذ الشيباني بأن تكون رسالته مفتوحة، وهو ما يعني أن المرسل يتوخى من رسالته أن تكون مادة فكرية و سياسية في متناول الشراح و النقاد و المهتمين، لكن غياب التبويب فيها و الاضطرار إلى تكرار بعض المواقف و المضامين المفصلية يصعب على القارئ العادي فصل المواقف عن الإحالات - افتتح المرسل دعوته بالتذكير بتاريخ مهم جدا، غير أن هذا التذكير لم يخل من توجيه للقارئ نحو فكرة أساسية: إن ما وصل إليه " اجتهاد" بن كيران الأخ – كما يسميه الشيباني- كان متوقعا منذ الحكم المعروف على الشبيبة الإسلامية و التيار المنحاز إلى شيخها مطيع. و السؤال الذي يطرح بهذا الصدد: أليس من الأجدر أن يتم تنوير الرأي العام بهذه المعطيات التاريخية قبل هذا التوقيت ؟ أم أن صاحب الرسالة يعتبره تحصيل حاصل يعيد تكراره لبناء خلاصاته ؟ - أهم ما اشتملت عليه الرسالة بعد تقدير المواقف و تحديد الاختلالات، هو دعوة الشباني ل بن كيران بأن يوجه النصح إلى الملك باتخاذ بعض المبادرات التي تعطي لثورة الملك و الشعب حقيقتها، مما يدعونا كمتتبعين إلى طرح بعض الأسئلة لاستبيان غرض الشيباني: 1. هل النصح للملك و إبداء الملاحظات حول المؤسسة الملكية يحتاج إلى وساطة إلى هذا الحد حتى يحرج الشيباني أخاه بن كيران بهذه المبادرة الذي يعلم الشيباني ماذا تعني بالنسبة لرئيس الحكومة في ظل نظام "ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية اجتماعية كما ينص الدستور"؟ 2. أم أن الشيباني يعتبر بن كيران أحد المتسترين على هذه الحقائق التي يدعيها في رسالته؟ 3. أم أن الشيباني يريد أن يقول لأخيه أن ما يقوم به هو شرح على هوامش متن الاستبداد كما قالت بذلك رسالة مجلس الإرشاد السابقة؟ - على الرغم من الانتقادات التي تعيب على الشيباني استعماله لكلام قاص للغاية في حق رئيس الحكومة، إلا أنه كما يبدو واع بما ينعت و يقول و يصرح، ولا أدل على ذلك من قوله: " و اصبر نفسك على سماع القول البليغ مني فالأمر جد ولا مجال فيه للمحاباة" فهل يشفع لصاحب النصيحة أنها كما يقول " رسالة تذكير و نصيحة لوجه الله، أسأل الله لي الإخلاص فيها و القبول" أم أن عباراتها ستفتح الجرح و الاختلاف على مصراعيه. في المضمون و إن كنت أرى أنه من الأهم تخصيص مقال حول الدلالات و المضامين، فإني في هذه الفقرة أود التأكيد بقضيتين أساسيتين أغفلتهما بعض التعليقات و القراءات و تعتبران في نظري أهم ما سيميز هذه الرسالة: 1. أين يكمن الفرق بين توجه بن كيران و الشيباني. و هل إلى هذا الحد ينبغي التأكيد على الانفصال بين النظرتين رغم الانتماء المشترك للمنظومة الإسلامية؟ 2. رسالة الشيباني إلى بن كيران سبقتها بعض الرسائل بين رئيس الحكومة و قائده و رفيق دربه السابق عبد الكريم مطيع شخصيا، و بين بن كيران و بعض قيادات الشبيبة الفارين من أرض الوطن. فإلى أي حد تتشابك بعض الخيوط في نسيج هذه الرسائل وما دلالات الزمان و الأشخاص و المواقف فيها. أيا كانت مضامين الرسالة و لهجتها و أهدافها و الانتقادات و التعليقات و القراءات حولها، فإن الأهم من هذا كله أن الساحة الإعلامية و الفكرية عامة، و الإسلامية خاصة قد شهدت حراكا فكريا بأمثال هذه الرسالة. فشكرا للمرسل و المرسل أليه و الناقد و المعلق و القاريء مادام الكل يتحمل مسؤوليته. و إن الزمن لجزء من الحل و التأكيد أو النفي، و إن التاريخ بالتأكيد لينحت حتى لا ينمحي من سجلاته شيئا.